ضيق المساحات يشعرك بالاختناق.. لكن هل يشعر سكان الصين بالأمر ذاته مع فكرة "الأنابيب الخرسانية"؟
ففي الوقت الذي يعاني سكان دُول العالم من التكدس، يبحث مهندس معماري صيني جاهدًا إلى تقديم الحل البديل، في محاولة للخروج بدولته من بوتقة "مشاكل السكن" وارتفاع أسعار الشقق، بتقديم غرف للمعيشة محدودة المساحة وتتمتع بمتطلبات الحياة، عوضًا عن المساكن ذات الاتساع المُبالغ به.
وبدأت شرارة الفكرة في الاشتعال حينما كان المهندس المعماري، جيمس لو، يشرف على أحد مواقع البناء، وفجأة يخطر بباله قيمة الأنابيب المتراصة ورصانة مواد تصنيعها، كذلك شكلها الأنيق والمُناسب للحياة داخلها، مُتسائلًا "لماذا لا يمكن استغلالها للسكن؟".
من هنا قرر على الفور تحويل أنابيب المياه الخرسانية العملاقة إلى غرف للعيش داخلها، بل وتثبيتها فوق بعضها في شكل مُنظم وأنيق، من أجل تكوين تصميم يشبه المباني الاعتيادية الممشوقة.
ويشير موقع "CNN" بنسخته الإنجليزية، إلى أن البناء على طريقة «لو» يمنحك انطباع أولي بأنها إحدى مقرات البناء للمشروعات الهندسية وليست بنايات للسكن، فهي مجرد خدعة بصرية ليس إلا.
"الحل في الأنابيب فهي تساعدك في إدخار أكبر قدر من الأراضي المهدورة بمساحات إضافية للشقق، وبذلك تعود على المواطنين بالمنفعة"، كلمات يلخّص بها "لو" هدفه من المشروع بالمدينة الصينية هونج كونج.
يدرك المهندس المعماري المعاناة التي يعيشها سكان دولته، حتى أنه يسلط الضوء على تدني صورة المباني السكنية ذات الـ50 مترًا بعد أن باتت تشبه "العشش" بسوء التهوية وابتعادها عن الشمس، قائلًأ: "اساؤا سمعة الشقق الصغيرة بالتقسيمات المغلوطة".
يرى "لو" أن الأنابيب يمكن توفيرها والاستمتاع بالحياة داخلها دون الانزعاج، فمن الخارج جاذبة للأنظار وداخلها يلائم احتياجاتك، بإمكانك تثبيت سريرك الطولي وأريكة بصندوق تخزين في الجهة المقابلة، وأرفف على الجدران وداخلها مستلزمات الاستحمام ومطبخ، ولأن الأنابيب متوفرة بأقل الأسعار بين المقاولين ورخيصة بصناعتها، هي الخيار الأفضل.
ويضيف "لو": "هونج كونج مدينة كثيفة وربما نردد أن الأراضي لا تستوعب مزيد من بناء المساكن، لكن الحقيقة أن أهدارنا الأراضي بالبنايات الضخمة تمثل جزء من المشكلة وأغلب هذه البنايات تترك فارغة دون الحياة داخلها، من هنا لماذا لا نقلل حجم الشقق السكنية، حتى لو كانت تحل جزء من المشكلة".
وبالفعل نفذ المهندس نموذج من فكرته، أسفل جسر بمقاطعة كوون تونج بمنطقة صناعية، والتي تصل تكلفة شراءها إلى 15 ألف جنيه إسترليني وللتأجير 300 جنيه شهريًا.
وقال: "تنفيذ المشروع يهدف أيضًا لمنح الإلهام والقدرة على الإبداع للشباب بعد السكن داخله، كما أهدف من وراء المشروع إلى التأكيد بالفكرة على أن الهندسين المعماريين، قادرين على خلق المنشآت وتحويل عالمك إلى قطعة من خيالك والروايات التي تقرأها، ليست فقط تأسيس المنشآت التجارية".
واستكمل: "يمكن لمن ينتظر إدخار المال للمنازل المتسعة البقاء بالأنابيب بشكل مؤقت حتى يقدر على شراء الأغلى".
تلقّى "لو" الاستجابات من شركات للإنشاء بنيوزيلندا وجنوب إفريقيا وهاواي الأمريكية، ولا يزال يستعد إلى تنفيذ المشروع في دولته لتأسيس أول مجمع في شنجن الصينية من طوابق الأنابيب، والتي تحوي كل أنبوبة باب خلفي ينقلك للدور العلوي، وسيخصص المشروع للشباب والإيجار وستبلغ مساحتها 2.5 مترًا، مُنقسمة إلى 6 أسطوانات.
محاولات مهندسو هونج كونج بتقديم منازل أصغر حجمًا لا تتوقف، فقبل "لو" تم اقتراح فكرة "منازل النانو"، مساحتها أصغر من جراج السيارات، أي حوالي 121 قدمًا، لكن تم بيعها بمليون دولارًا لتصميمها الأنيق، وهو ما أصاب السكان هناك باليأس، فبدلًا من الاستفادة من الفكرة تحوّلت إلى مطمع للأثرياء.
يذكر أن هونج كونج يبلغ عدد سكانها 7.4 مليون على مساحة 1.098 كيلومترًا. كما أن الصين في مقدمة الدُول الأكثر ازدحامًا بل تقتصر أغلب مشاكلها على المسكن، كيف يتم توزيع السكان بين الشقق السكنية بمبالغ أقل تساعد الشباب الكوري على الفرار من استعباد الأموال والطوف في دائرة مفرغة تقودهم إلى إهدار حياتهم للوصول إلى غرف -مُبالغ بتكلفتها- لبدأ الحياة.
فكرة "الأنابيب الخرسانية" تم طرحها بشكل فردي وترفيهي قبل "لو" بإحدى الحدائق الأسترالية، على يد المصممة الأسترالية أليسون دوجلاس، كمنطقة للجلوس بالقرب من حمّام السباحة، وبحجم أقل من أنابيب "لو".
وفازت دوجلاس بجائزة معرض ملبورن الدُولية للزهور والحدائق في 2015 بأستراليا، بفضل فكرتها، لكن لم تنتشر الفكرة بشكل أوسع من محيط الحديقة.
وأعقبتها بسنوات، تصميم فندق يضم أنابيب خرسانية للسكن، لجذب أنظار السائحين، بمدينة مكسيكو المكسيكية، وتشمل الأنابيب هناك الواي فاي وسرير كذلك فراش وإضاءة والستائر لمنحك الخصوصية.
وعلى الجانب الآخر، تحققت الفكرة لكن ليس بشكلها الترفيهي، بل بدافع الاحتياج والبحث عن المأوى.. حيث نجد أن فقراء مانيلا بالفلبين، جربّوا الفكرة رغم أنوفهم بعد أن فرضتها عليهم الأحوال المادية المتردية، فسكنوا بأسرهم الأنابيب في الشوارع، ولم يجدوا سواها للعيش داخلها، دون إدراك الفكرة أو احتمالية تحويلها لمنازل حقيقية.
كما التقطت الكاميرات صور لأطفال من اللاجئيين السوريين بمخيم بريكة في شمال العراق، وهم يلعبون بالدخول في الأنابيب والخروج من الناحية الثانية، وتبدو الممرات الخرسانية مرتبة بالطريقة ذاتها، التي سعى المهندس الصيني إلى تنفيذها، بعفوية لا تستقبها أي ترتيب مُتعمد.
يا ترى هل تصبح منازل المستقبل أنابيب خرسانية بشكل ترفيهي أو حل للازدحام السكاني؟، هذا هو التساؤل الذي ننتظر أن يأتي المستقبل البعيد أو القريب بإجابته.
قد يهمك أيضًا:
مجلس الأمن يعقد جلسة طارئة بشأن ليبيا بطلب من فرنسا
الصادق الغرياني يدعو إلى الخروج في مظاهرات "عارمة" لطرد غسان سلامة
أرسل تعليقك