لندن ـ سليم كرم
كشف محللون سياسيون عن تأثير الحرب الأهلية السورية في توسيع هوة الخلاف بين الشيعة السنة في الوقت الذي أدى فيه تعرض مسجد السيدة زينب في دمشق لأضرار إلى تطوع عشرة آلاف شيعي أجنبي للدفاع عن المزار الشيعي.
ونشرت صيحفة "الغارديان" البريطانية تحقيقًا بشأن هذا الموضوع أشارت فيه إلى قيام الطالب العراقي عمار صادق، البالغ من العمر 21 عامًا، بمغادرة بغداد والتوجه إلى الحدود السورية بدافع الرغبة في الانتقام فور تلقيه مكالمة هاتفية من صديق تفيد بأن المقاومة السورية ألحقت أضرارًا بأكبر المقدسات الشيعية في دمشق.
وتقول الصحيفة إن عمار لم يكن إلا واحدًا من بين المزيد الجهاديين الشيعة الذين شقوا طريقهم إلى سورية بهدف الانضمام إلى الجماعات الشيعية، التي تتجمع في "حماس" دفاعًا عن العاصمة السورية.
ويقول صادق إنه شعر بأن صاعقة قد هبطت عليه عندما أبلغه صديق في دمشق أن الوهابيين من السعودية وأفغانستان يحاولون تدمير مزار السيدة زينب الشيعي، مما دفعها إلى السفر دون أن يبلغ والديه، حيث انحصر تفكيره فقط في سرعة الوصول إلى سورية وحماية المزار المقدس، على الرغم من أنه لم يحمل في حياته قط سلاح.
ويسعى صادق إلى الالتحاق بجماعة شيعية تحمل اسم أبو الفضل العباس التي تشكلت على مدى الأربعة عشر شهرًا الماضية، كواحدة من أقوى الجماعات في سورية.
وتشير الصحيفة إلى أن عدد المتطوعين الذين انضموا إلى الجماعة قد وصل إلى ما يقرب من عشرة آلاف متطوع خلال العام الماضي وحده، وكلهم من المسلمين الشيعة والكثيرين منهم أجانب من خارج سورية، وتهدف الجماعة إلى حماية المزارات الشيعية المقدسة وخاصة مسجد السيدة زينب في دمشق إلا أن هذا الدور قد انتقل بها إلى التورط في الحرب الأهلية السورية، وأصبحت هذه الجماعة الآن من حيث العدد والقوة منافسًا لجبهة "النصرة" التي تلعب دورًا بارزًا في صفوف جماعات المقاومة السورية.
وبات اسم أبو الفضل العباس يتردد الآن في بغداد وفي مناطق شيعية أخرى في العامل، لكن معظم المتطوعين يأتي من موطن الشيعة في العراق، حيث نشأت الجماعة العام الماضي بفتوى صدرت في مدينة النجف على لسان الشيخ أبو القاسم الطائي تسمح للشيعة بالقتال في سورية.
وأدى ذلك إلى انتشار نزعة الجهاد في أوساط الشباب العراقي، وتزايد أعداد الراغبين في المشاركة في الحرب الطائفية التي تدور رحاها في الدولة المجاورة.
وانتشرت على أثر ذلك مراكز التجنيد تمامًا كما كان يحدث في الماضي عندما كان يتم حشد الشيعة ضد السنة في العراق العام 2006 عندما قام تنظيم "القاعدة" في العراق مرتين في تدمير مسجد شيعي في سامراء.
ولم يكن انضمام صادق إلى جماعة أبو الفضل العباس بالأمر السهل، حيث كان حرس الحدود العراقيون يرفضون عبوره الحدود السورية، ولكنه أقنعهم بأنه يرغب في الالتحاق بعائلته هناك، وفي دمشق التحق بالجماعة وهناك التزامات وواجبات لم يكن يتوقعها ، ففور الالتحاق بالجماعة كان عليه أن ينضم إلى جيش الحكومة السورية والقتال مع قوات الأسد قبل القتال ضمن صفوف لواء أبو الفضل العباس، كما عرف من الجيش السوري أنه إنما جاء لحماية سورية وليس فقط لحماية المقدسات الشيعية.
وعلى الرغم من أن صادق كما تقول الصحيفة تخلى عن مطلب الجهاد والعودة إلى بغداد، إلا أنه يتأهب الآن للعودة للجهاد من جديد على أمل أن تكون رحلته الثانية إلى سورية أكثر نجاحًا من سابقتها، وهو الآن في انتظار امرأة لبنانية تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها كي تأخذه إلى بيروت ومنها إلى سورية.
وبرز دور لواء أبو الفضل العباس في الأشهر الأخيرة على نحو يفوق نشاطه الذي بدأ في آذار/ مارس من العام الماضي.
وتزايد هذا الدور في ساحات القتال في الوقت الذي أعلن فيه "حزب الله" عن اشتراك قواته في الحرب السورية، وخاصة في الهجوم على مدينة القصير.
ويقول رجل ـعمال سوري يقوم بالمساعدة في تجنيد الشيعة من خارج سورية، وضمهم إلى جماعة أبو الفضل "لا توجد معارك رئيسية في أي مكان في سورية إلا في أقصى الشمال والشرق، حيث لا تنتشر قوات أبو الفضل العباس التي يتزايد بقوة نفوذها.
ويقول صادق إن التنظيم المتزايد للجماعة يبدو واضحًا في بغداد حيث يبدأ التسجيل لدى أي من مكاتب المقاومة الإسلامية الشيعية مثل جماعة أصحاب الحق أو جيش المختار أو "حزب الله" العراقي، ثم قضاء 45 يومًا في معسكر تدريب في إيران للتمكن من استخدام سلاح بعينه، مثل كيفية إطلاق الصورايخ والقذائف واستخدام الكلاشينكوف والبنادق القناصة أو الآر بي جي، وبعدها يقوم وسيط إيراني بنقل المتطوع إلى سورية، والالتحاق بلواء أبو الفضل العباس.
وتشير الصحيفة إلى تطوع طالب عراقي آخر من بغداد اسمه مرتضى عقيل في نهاية العام 2011، وقد كان له الخيار إما القتال بالقرب من السيدة زينب أو الدرعية جنوب شرق دمشق، وهو مكان يضم مقدسات شيعية مثل مسجد السيدة سكينة.
ويقول مرتضى ان الذهاب إلى سوريا يعني خيار وحيد وهو الموت، وهناك يقضي المتطوع شهرين أو ثلاثة في سورية، ثم يعود للعراق فترة مماثلة ثم يعود مجددا إلى سورية، وقد تدرب مرتضى على سلاح الكلاشينكوف في سهول العراق الجنوبية لمدة 12 ساعة يوميًا مع آلاف غيره من المتطوعين، وانتقل دمشق عن طريق السفر إلى مدينة المشهد في إيران ثم السفر إلى بيروت، ومنها إلى دمشق بالطائرة.
ويلتحق المتطوع في دمشق بمركز تدريب قريب من المزار الشيعي، حيث يتجمع المتطوعون كافة ثم الالتقاء بقائد اللواء واسمه أبو عجيب الذي يطالب كل متطوع بأخذ الحيطة والحذر.
ويضيف مرتضى أن كل المتطوعين أجانب، وأن وسائل القتال متاحة هناك، وهناك أيضًا أنواع الأسلحة كافة، ولا يوجد نقص في السلاح، ويقيم المتطوعون في فنادق، ويتناولون ثلاث وجبات يوميًا، ويحملون هواتف نقالة، ويرتادون شبكة الإنترنت.
ويقول مرتضى إن موقع السيدة زينب يتعرض لهجمات متكررة طوال اليوم على يد قوات الجيش السوري الحر بقذائف الهاون والمدفعية، ولكن المتطوعين قادرون على تحصين المزار، إلا أنه يشكو من قذائف الهاون التي تتزايد أثناء الليل.
ويشير إلى مقتل أربعة من زملائه على يد قناصة، واحد منهم عراقي والثاني لبناني والاثنان الآخرين إيرانيان، بالإضافة إلى إصابة ما يزيد على 35 فردًا.
ويقول إنه لا حاجة لتواجد الجيش النظامي في السيدة زينب لأن مقاتلي لواء العباس يقومون بحماية كل المنطقة بداية من المطار وحتى العاصمة ومنطقة السويداء، وهي مدينة درزية قريبة من مرتفعات الجولان، بالإضافة إلى بعض المناطق السكنية والمستشفيات والمباني الحكومية ومراكز الشرطة والمدارس والمساجد والمستشفيات.
وتشير الصحيفة إلى تزايد نفوذ جماعة أبو الفضل العباس في نظر قوات المقاومة السورية التي تتهم النظام السوري باستغلال وضع السيدة زينب كذريعة لاستقطاب المقاتلين الشيعة، ودعوتهم للانضمام إلى القتال.
ويقول أحد قادة المقاومة السورية التي تعمل بالقرب من منطقة السيدة زينب إنه وغيره من المسلمين السنة لا يرغبون في إلحاق أي ضرر بمزار السيدة زينب.
ويضيف أن الكثير من جنوده كانوا يتكسبون من السياحة الشيعية في المكان.
وأردف أن حصار المزار بدأ في تموز/ يوليو الماضي بعد مقتل أربعة من كبار القيادات الأمنية في النظام السوري في وسط دمشق، حيث قام الشيعة بعد ذلك بالنزول إلى الشوارع بأسلحتهم وسدوا الطرق وبدؤوا في اعتقال الناس، وقاموا على حد قوله بقتل العديد من مقاتلي المقاومة، ثم بدؤوا التجمع حول المزار بصحبة أفراد من "حزب الله" اللبناني، و"جيش المهدي" العراقي، والشيعة السوريين.
وأشار إلى أنه منذ تموز/ يوليو والقتال بين الطرفين يدور يوميًا. وأضاف أن المقاومة اقترحت إنشاء منطقة عازلة حول المزار المقدس ولكنهم رفضوا، وقال "نحن الخاسر الأكبر إذا تحطم المزار لأننا سوف نخسر تجارتنا".
أما قائد جبهة "النصرة" في دمشق الذي يطلق على نفسه أبو حفص فيقول "إن مقاتلي الشيعة يتواجدون في سورية منذ بداية الثورة ويقاتلون مع قوات النظام ونحن نعرف أن إيران والعراق تبعثان بمقاتلين إلى سورية، ولكن لم يكشف النقاب علنًا عن ذلك إلا الآن".
وعلى الرغم من أن جبهة "النصرة "لا تخفي كراهيتها للمذهب الشيعي ورغبتها في مهاجمة المقدسات الشيعية، إلا أن عددًا من الجماعات التي تقاتل ضمن صفوف الجيش السوري الحر لا تميل كثيرًا إلى النظر إلى الشيعة باعتبارهم عدوًا دينيًا، وإنما قوة تدعم عدوهم الأول وهو النظام السوري.
ويقول أبو حفص إنهم الآن في القصير وسوف يقتلون كل فرد في طريقهم حتى الأطفال ويذبحونهم بالسكاكين، ونحن الآن في قتال متواصل معهم في دمشق والقصير".
ويضيف "نحن نعبد الله وهم يعبدون القبور، ومع ذلك فنحن نتجنب مهاجمة المواقع الدينية".
ويشير إلى أن الجيش السوري كان يتخفى الأسبوع الماضي وراء كنيسة، مما اضطررنا إلى إلغاء الهجوم لتلافي تحطم الكنيسة".
إلا أن المقاتلين الشيعة يسخرون من زعم أبو حفص بأنه يعمل على حماية المقدسات الدينية، ويقول أحد متطوعي "حزب الله" إن الهدف الرئيسي لهؤلاء المقاومة هو تحطيم الدولة العلوية في سورية، وحتي يمكن فعل ذلك فهم يبدؤون بتحطيم المقدسات الشيعية، إنهم يواصلون الدعوة بلا انقطاع للجهاد ضد "حزب الله" ولواء أبو الفضل العباس".
وأيًا ما كانت دوافع المتطوعين الشيعة فإن المحصلة التي لا ريب فيها هي أن كلا الطرفين الشيعي والسني الآن في حالة حرب مفتوحة.
أرسل تعليقك