يطرح فوز "دونالد ترامب" فى انتخابات الرئاسة الأميركية مجموعة من المشكلات الجديدة التى لا يملك الاتحاد الأوروبى الأدوات اللازمة للتعامل معها، وهو لا يزال يترنح إثر قرار بريطانيا الانسحاب من عضويته.
فقد انشغلت قيادات التكتل بنمو الميل لمناهضة مؤسسات الحكم فى القارة الأوروبية ذاتها لدرجة أنها لم تهتم باحتمال وصول رجل وصفه نائب المستشارة الألمانية بأنه "رائد حركة دولية جديدة استبدادية ومغالية فى الوطنية" إلى السلطة فى الولايات المتحدة.
وفى رأى البعض يتعين على أوروبا الآن أن تنهض وتتولى قدرا أكبر من المسئولية سواء من أجل الأمن الأوروبى أو من أجل العالم إذا التزم ترامب بما ردده خلال حملته الانتخابية من تقليص للالتزامات الدفاعية الأمريكية وغيرها من الارتباطات الأمريكية فى الخارج.
وتمثل العلاقات التجارية وتغير المناخ وروسيا وتنظيم الدولة الإسلامية مجالات قد يتعين على أوروبا أن تختط فيها مسارا لنفسها إذا انسحبت واشنطن تحت قيادة ترامب من المسرح العالمى.
وقال مانفريد فيبر، حليف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الذى يقود كتلة المحافظين فى البرلمان الأوروبى "هذه صيحة تنبيه أخرى؟، الأمر يرجع الآن لأوروبا. علينا أن نكون أكثر ثقة فى النفس ونتحمل قدرا أكبر من المسئولية"..
وأضاف "لا نعرف ماذا نتوقع من الولايات المتحدة".
وقال ديدييه رايندرز وزير خارجية بلجيكا إن البيت الأبيض فى ظل ترامب "قد يساعد البعض فى أوروبا على إدراك الحاجة لتعزيز التعاون الدفاعى فيما بين الأوروبيين".
وفى لقاءات خاصة يتشكك مسئولون كبار فى قدرتها على ذلك.
وتساءل دبلوماسى أوروبى كبير "أوروبا ستحتاج لبذل المزيد للاعتناء بنفسها لكن هل نحن قادرون على ذلك؟".
ويعانى الاتحاد الأوروبى من توترات بسبب السياسة الاقتصادية وأزمة اللاجئين السوريين وانسحاب بريطانيا من عضويته ومازال منقسما بدرجة كبيرة.
وقال دبلوماسى أوروبى رفيع آخر: طهذا يغير نموذج عمل الاتحاد الأوروبى.. لكن ليس لدينا أدنى فكرة عن كيفية هذا التغير".
ورفض إشارات إلى أن انسحاب أمريكا من بعض ارتباطاتها قد يتيح بعض الفوائد مثل إرغام الأوروبيين على الاستثمار أكثر فى التعاون فيما بينهم وزيادة الإنفاق على الدفاع.
وقال "ليس هذا ببصيص الأمل. بل تظاهر بالشجاعة".
ودعا وزراء خارجية الاتحاد إلى عقد اجتماع خاص على العشاء يوم الأحد لبحث ما يعنيه انتخاب ترامب لأوروبا.
وقال جايلز ميريت من مركز أبحاث (فريندز أوف يوروب) المؤيد للاتحاد الأوروبى فى بروكسل، إن الزعماء يجب ألا يتوانوا عن التحرك لتفادى المشاكل وقد يعملون على تنشيط اتحادهم بالمساعدة فى الدفاع عن الاستقرار العالمى.
وأضاف أن عليهم "صياغة رد أوروبى مشترك.. قبل أن يطأ الرئيس ترامب أرض المكتب البيضاوى".
ولم يكن أحد يُذكر يريد للانتخابات الأمريكية هذه النتيجة سوى رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان.. واكتفت قيادات الاتحاد الأوروبى ومبعوثو إدارة أوباما بتسليط الضوء على التاريخ المشترك والمثل المشتركة فى معرض تأكيدها على استمرار التعاون.
وبعد حملة الانتخابات الأميركية التى اتسمت باتهامات بالعنصرية والانحياز لجنس على حساب الآخر، قالت ميركل التى تستعد هى نفسها لخوض معركة انتخابية العام المقبل إنها ستعمل مع ترامب على أساس القيم المشتركة بما فيها "احترام كرامة الناس بغض النظر عن أصلهم أو لون بشرتهم أو دينهم أو جنسهم".
ورد رئيس المجلس الأوروبى دونالد توسك -وهو رئيس وزراء بولندا السابق- الذى يرأس القمم الأوروبية على ما وصفه "بالتحديات الجديدة" و"الغموض الذى يكتنف مستقبل العلاقات عبر الأطلسى" بالتأكيد على روابط الدم التى تربط الطرفين منذ قرون.
وشدد الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند على ضرورة تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة لمواجهة تغير المناخ والتهديدات الأمنية من الإسلاميين والاقتصاد العالمى.
ولم يستطع سفير واشنطن لدى حلف شمال الأطلسى تقديم أى تفاصيل عن سياسة الإدارة الجديدة، لكنه طمأن نظراءه الأوروبيين فى بروكسل أن حلف شمال الأطلسى كان يحظى على الدوام بدعم الحزبين الرئيسيين فى واشنطن.
وقال أنتونى جاردنر مبعوث الرئيس باراك أوباما لدى الاتحاد الأوروبى والذى يتأهب لترك منصبه، إن من الممكن أن يحدث تغير فى مجالات من بينها العقوبات على روسيا ودعم أوكرانيا والانتشار النووى والتجارة وحلف شمال الأطلسى والشرق الأوسط، لكنه أضاف "لنتريث لمعرفة من سيعينون كمستشارين كبار له".
وأضاف أنه لا يتوقع أن تتخلى واشنطن عن الاتحاد الذى كان شريكا رئيسيا فى السنوات الخمسين الأخيرة، لكن تطميناته لم تقض على إحساس أقرب إلى الذعر بين بعض كبار المسئولين فى بروكسل.
وقال أحدهم وقد بدا على وجهه التجهم "هذا أمر وبيل.. فخروج بريطانيا كان خطأ غبيا ومضرا.. لكن الناس المسئولين عن تنفيذه ليسوا مجانين بالكامل. أما الآن فلدينا شخص شعبوى فى السلطة يمكنه أن يغير النظام كما نعرفه بالكامل".
أرسل تعليقك