برلين ـ فلسطين اليوم
أحيت ألمانيا ذكرى ضحايا الاعتداء بشاحنة على سوق عيد الميلاد في برلين، بعد عام على وقوعه، في حين لا يزال السؤال مطروحاً بشأن مدى إمكان تجنب أسوأ اعتداء تشهده البلاد. وأزاح عمدة برلين ميشائل مولر، أمس، الستار عن النُصب التذكاري للهجوم أمام ذوي الضحايا والمصابين. وشاركت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الألماني فرانك - فالتر شتاينماير، وفولفغانغ شويبله، رئيس البرلمان الألماني (بوندستاغ)، في الفعاليات، التي حضرها أيضاً عدد من أسر الضحايا والمصابين.
وأعرب الرئيس الألماني فرانك - فالتر شتاينماير عن رأيه في أن هناك أوجه تقصير لدى الحكومة والمجتمع في التعامل مع أسر ضحايا ومصابي هجوم الدهس الإرهابي الذي شهدته العاصمة الألمانية برلين العام الماضي. وقال شتاينماير في خطابه خلال فعالية إحياء الذكرى الأولى للهجوم بحضور عدد من أسر الضحايا: إن بعض الدعم الذي تم تقديمه لذوي الضحايا والمصابين جاء متأخراً وظل غير مُرضٍ.
وتابع قائلاً: "كثير من أسر الضحايا والمصابين - كثير من حضراتكم - شعر بأنه تم التخلي عنه من جانب الحكومة بعد الهجوم". وشدد شتاينماير على ضرورة ألا يرضخ المجتمع أمام الإرهاب، مستدركاً بقوله: "لكن لا يمكن أن يؤدي ذلك إلى كبت الألم والمعاناة". وأكد أن المجتمع يواجه الإرهاب أيضاً من خلال المشاركة في إحياء ذكرى الضحايا ومساندة أسرهم، وقال: "فكوننا نحزن معاً ونغضب معاً ونفجع معاً - يندرج ذلك أيضاً ضمن التكاتف الذي نحتاج إليه كي ندافع معاً عن حريتنا". ووجّه الرئيس الألماني خطابه للمصابين وأسر الضحايا قائلاً: "أريد أن أؤكد لكم: لن نترككم وحدكم".
وأعرب شتاينماير عن استيائه من وقوع الهجوم من الأساس، وقال: إنه أمر مؤلم أنه لم يتسن للدولة حماية الضحايا، مشدداً بقوله: "موقفنا يجب أن يكون: كان ينبغي ألا يحدث هذا الهجوم مطلقاً". في حين تعهدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لذوي ضحايا ومصابي هجوم الدهس الإرهابي الذي شهدته برلين قبل عام، بأنها تعتزم تعلم الدروس المستفادة من الخبرات المكتسبة من التعامل مع المتضررين من الهجوم.
وقالت ميركل أمس على هامش فعاليات إحياء الذكرى الأولى للهجوم في الذي شهده أحد أسواق عيد الميلاد في ميدان برايتشايد بلاتس قبل عام: "إن المناقشات مع ذوي الضحايا كشفت لها عن أوجه الضعف التي أظهرتها الحكومة خلال هذا الموقف". وتابعت ميركل قائلة: "وبالنسبة لي، وأقول ذلك للحكومة الاتحادية بأكملها، يعني ذلك العمل على تحسين الأشياء التي لم تسر على نحو جيد، وأن نعمل على ألا نقتصر فقط على توفير الأمن، وإنما نمنح الأشخاص الذين دُمّرت حياتهم أو أصيبت، إمكانية للعودة إلى الحياة مجددا بشكل جيد قدر الإمكان". وأكدت أنها سوف تلتقي خلال بضعة أشهر المصابين وذوي الضحايا مرة ثانية من أجل أن توضح لهم ما ينبغي أن يسير على نحو مختلف في المستقبل. وقالت ميركل: "اليوم هو يوم حزن، ولكن أيضاً يوم الإرادة لتحسين ما لم يسر على نحو جيد".
وأسفر هجوم 19 ديسمبر /كانون الأول 2016 عن 12 قتيلاً ونحو مائة جريح. وقد نفذه التونسي أنيس العمري (24 عاماً)، وأعلن تنظيم "داعش" "مسؤوليته عنه". وشهد نهار أمس فعاليات عدة في بريتشدبلاتس، المكان الذي يضم سوق الميلاد وسط إجراءات أمنية مشددة، لتكريم الضحايا، وهم من ست جنسيات: الألمانية والبولندية والإيطالية والتشيكية والإسرائيلية والأوكرانية. وألقى الرئيس فرانك - فالتر شتاينماير خطاباً، قبل أن تدشن المستشارة أنجيلا ميركل نُصباً تذكارياً أمام كنيسة الذكرى الشهيرة التي يشرف جرسها الذي دمر جزئياً في الحرب العالمية الثانية على السوق". ويشكل النصب جرحاً مذهباً يبلغ طوله 14 متراً على الدرجات المؤدية إلى الكنيسة ويذكر بندبة. وحفر عليه أيضاً النص التالي: "تخليداً لذكرى ضحايا هجوم 19 ديسمبر 2016؛ من أجل الوئام بين جميع البشر".
وفرضت في سوق الميلاد المذكور، وأسواق أخرى كثيرة في ألمانيا، تدابير أمنية مشددة هذه السنة. ووضعت فيه كتل إسمنتية كبيرة لمنع مرور أي آلية، وقبل أيام من الاحتفال، ما زال الزبائن يقولون إنهم متأثرون بهذا الهجوم. وأوضح داغمار بلوم (56 عاماً) الذي جاء من برونسفيك بوسط ألمانيا، أن "هذه الكتل الأمنية الموجودة في كل مكان تذكرك باستمرار بما حصل هنا العام الماضي". وذكرت الهولندية ميريان غريف "لا نستطيع فعل أي شيء؛ لذلك فالحل الوحيد هو أن نواصل حياتنا كما في السابق، وأن نحاول أن نكون سعداء". لكن عدداً كبيراً من الألمان مقتنعون بأنه كان من الممكن تجنب الاعتداء. وتعرضت أنجيلا ميركل للانتقاد لأنها انتظرت عاماً، حتى أول من أمس، لاستقبال ذوي الضحايا، وأشار عدد كبير من التقارير إلى الأخطاء المرتكبة في ملاحقة أنيس العمري الذي كان يعرف قبل الاعتداء بأنه متطرف خطر وتاجر مخدرات. وقد وصل هذا التونسي إلى ألمانيا في 2015، واستفاد من تدفق مئات آلاف المهاجرين في تلك السنة، للحصول على أوراق ثبوتية عدة مؤقتة من خلال رفع طلبات لجوء بأسماء مختلفة. وكان في استطاعة السلطات أيضاً أن تعتقله عندما اكتشفت أنه تاجر مخدرات. والمأخذ الآخر هو أن العمري لم يخضع للمراقبة على رغم تصنيفه بأنه إسلامي خطر، إلا خلال أيام الأسبوع لعدم توافر ميزانية لدفع نفقات عملية مراقبة في يومي نهاية الأسبوع.
وأكد وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير، أن الأجهزة الألمانية تعلمت من واقعة هجوم الدهس الإرهابي بأحد أسواق عيد الميلاد وسط العاصمة برلين العام الماضي. وكتب دي ميزير في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بمناسبة الذكرى الأولى للهجوم إنه تم التعلم من حالة أنيس العمري وتم القيام بالكثير أيضاً طوال العام الماضي بهدف "ألا يحدث شيء كهذا مرة ثانية". لكنه أقر في الوقت ذاته: "ليس هناك ضمان مطلق ضد أي هجمات إرهابية"، مضيفاً: "اليوم ذكرى حزينة. لن أنسى مطلقاً مساء يوم 19 ديسمبر الماضي".
وأحيا مارتن شولتس، رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي بألمانيا، ذكرى ضحايا الهجوم في تغريدة له على موقع "تويتر" أيضاً، وكتب: "أفكر في ذويهم. يتعين علينا فعل المزيد من أجل أقارب الضحايا والمصابين". في حين قال إندرياس جايزل، وزير الداخلية المحلي لبرلين، في تصريحات خاصة لإذاعة "برلين براندنبورج" (آر بي بي): "إن الأجهزة تعلمت كثيراً"، ودعا في الوقت ذاته إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق بالبرلمان الألماني (بوندستاغ). وأكد قائلاً: "أصبح واضحاً أن التعاون بين الولايات الاتحادية وكذلك بين الحكومة والولايات لم ينجح". ولهذا السبب أكد جايزل أنه لا يكفي أن تستجلي ولاية برلين أو ولاية شمال الراي - فيستفاليا خلفيات الهجوم".
أرسل تعليقك