ذكرت وسائل إعلام أوروبية أن الاتحاد الأوروبي على وشك الموافقة الأربعاء المقبل على السماح لحاملي الجنسية التركية بدخول منطقة "الشنغن" من دون الحاجة إلى تأشيرة دخول.
وذلك، إذعاناً لأحد مطالب الرئيس رجب طيب أردوغان للاستمرار في تنفيذ اتفاق "واحد مقابل واحد"، الذي من شأنه وضع حد لتدفق اللاجئين والمهاجرين عبر تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
وذكر مصدر أوروبي لوكالة "فرانس برس" أن "المفوضية ستطرح خطة إضافة تركيا إلى قائمة الدول المعفية من التاشيرات"؛ مضيفاً أن "64 فقط من 72 معيارا تنطبق" على أنقرة. ولذلك، فإن الموافقة على الخطة لا تزال مشروطة بالموافقة على بقية المعايير.
ومع ذلك، فإن موافقة المفوضية غير كافية؛ لأن تركيا بحاجة إلى مصادقة الدول الاعضاء في الاتحاد والبرلمان الأوروبيين. وهو أمر غير مضمون؛ نظرا لتحفظات العديد من الحكومات والمعارضات الأوروبية بشأن سجل الرئيس أردوغان في حقوق الإنسان.
غير أن مراقبين للشأنين التركي والأوروبي يعتقدون أن إعفاء الأتراك من تأشيرة الدخول إلى فضاء "شنغن" مرتبط بشكل أساس باتفاق الهجرة، وليس بالسجل الحقوقي لتركيا. لذلك، فحتى لو لم ينفذ الرئيس أردوغان كل الشروط المفروضة عليه، فإنه لا يزال قادرا على الحصول على الموافقة الأوروبية عبر ابتزازهم بفتح حدود بلاده، وإغراق أوروبا مجدداً بمئات الألوف من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين.
ويشير النقاد إلى القرار الأخير، الذي اتخذته محكمة في اسطنبول ويقضي بالسجن 5 سنوات و10 أشهر على الصحافي التركي الشهير جان دوندار، الذي يعمل في صحيفة "جمهوريت" التركية، بتهمة إفشاء أسرار الدولة، كدليل على عدم جدية أرودغان في تنفيذ الشروط الأوروبية. وقد جاءت هذه الخطوة بعد فشل محاولة اغتيال دوندار إثر خروجه من مبنى المحكمة الأسبوع الماضي. وكان دوندار قد كتب أوائل عام 2014 مقالا تحقيقيا كشف فيه دور الاستخبارات التركية في نقل الأسلحة الى الإرهابيين في سوريا.
وينضم دوندار إلى قائمة طويلة من أبرز كتاب تركيا، الذين إما طردوا من عملهم أو زُج بهم في السجون؛ من بينهم حسن جمال ونوراي ميرت وقدري غورسيل وعشرات آخرون.
ذلك في حين تتراجع مرتبة تركيا مع كل عام في تقرير «مراسلون بلا حدود» حول الحريات الصحافية. وقد صدر قبل أيام تقرير العام 2016، الذي تراجعت فيه مرتبة تركيا درجتين من 149 إلى 151. ويزداد ثقل الرقم إذا عرفنا أن التقرير يشمل الأوضاع في 180 دولة.
ووفقاً للخبير في الشؤون التركية لمحمد نور الدين، فإن هذا الرقم يشكل فضيحة لتركيا التي بدأت قبل عشر سنوات مفاوضات العضوية المباشرة مع الاتحاد الأوروبي. وبدلاً من تلبية الشروط الأوروبية، فإن تركيا تبتعد عنها.
وعلاوة على ذلك، فإن التبعات الأمنية لسماح 75 مليون تركي بالتنقل الحر في 26 دولة أوروبية لن تقل أهمية عن الأسباب المذكورة أعلاه. فأردوغان الذي أعلن الحرب ضد أكراد تركيا وسوريا، والذي سهَّل تنقل مقاتلي تنظيم "داعش" الإرهابي وغيرهم من التكفيريين من بلاده إلى سوريا، لا يمكن أن يكون شريكاً موثوقاً للاتحاد الأوروبي.
وفي حين تتزايد الجهات الحكومية التركية الداعمة للتكفيريين والحركات الإرهابية في المنطقة، فالاتحاد الأوروبي قد يفتح حدوده أمام عشرات الملايين من الأتراك، وهذا ما يجعل وصول الإرهابيين إلى أوروبا أمراً بالغ السهولة.
وحتى لو انتهى شهر العسل بين النظام السياسي في أنقرة مع الإسلامويين التكفيريين، نتيجة لتغيير النظام أو إعادة توجيه السياسة الخارجية لأردوغان، فإن هؤلاء الإسلامويين لن يعودوا إلى الشرق الأوسط، بل إلى أوروبا، حيث سيكونون موضع ترحيب من قبل التشريعات الليبرالية والنيو-ليبراليين الأوروبيين الذين يعدُّونهم "لاجئين سياسيين".
في هذه الأثناء، يبدو أن زعماء الاتحاد الأوروبي قد وقعوا في ورطة كبيرة تمنعهم من رفض تقديم التنازلات إلى الزعيم التركي، الذي يهدد بالتراجع عن اتفاق الهجرة. ولو حدث هذا الأمر، فإن اليونان، الدولة الضعيفة اقتصادياً في الاتحاد الاوروبي، ستتعرض لتسونامي جديد من اللاجئين، ليتدفقوا بعد ذلك إلى البلدان الأوروبية الأخرى.
بيد أنه يتعين على الأوروبيين حفظ ماء الوجه. وهكذا، بذريعة وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا، اختار الاتحاد الاوروبي التعامل مع النظام السياسي الاستبدادي في تركيا، ضارباً بالمعايير الأوروبية وبحقوق الانسان عرض الحائط.
أرسل تعليقك