أثر تناحر الفصائل الفلسطينية المتواصل منذ انطلاق الثورة الفلسطينية على نجاح التجربة التحريرية للشعب الفلسطيني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والتخلص منه، فيما ساهمت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة في إظهار الكثير من الأزمات الفلسطينية الداخلية التي باتت مثار إحباط للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.
وفي ظل الأوضاع التي تشهدها الساحة الفلسطينية من إخفاقات ومن أزمات متداخلة ومتراكمة وفي ظل هذه الاحباطات والانتكاسات الفلسطينية؛ تداعت قيادات سياسية ومؤسسات وفصائل ونخب فكرية وكتاب ومراكز أبحاث لعقد حلقة نقاشية نظمها مركز "أطلس للدراسات " بعنوان "المشهد الفلسطيني: تخبط داخل الخزان أم قرع الجدار؟!"، وذلك يوم الخميس الموافق 28 نوفمبر 2014، حيث دار النقاش حول عدة محاور ونقاط تم مناقشتها، وخلصت إلى:
- إن الأزمة الفلسطينية ليست وليدة اللحظة، بل هي متداخلة وقديمة قدم القضية الفلسطينية، وان صيرورة الصراع والمواجهة مع عدو منظم ومسنود إلى خلفية دولية أعطته حق الوجود في "وطن قومي لليهود" في وعد بلفور، ومنحته شهادة الميلاد بقرار التقسيم، وحمته ومولته خلال سنين الصراع الطويل جعلت منه قوة كاسحة ومتفوقة على خصم ضعيف لا يستند إلا لخطاب عاطفي وغير متبلور ويخضع لحسن النوايا في أفضل الأحوال، وان الحرب الأخيرة قد كشفت اللثام عن العقد والتآكل في القدرة الفلسطينية على إدارة الصراع، حيث إن الكل الفلسطيني وصل إلى نهايته الطبيعية الغير مدروسة جيداً، إن كانت فصائل مقاومة أو سلطة وطنية لاهثة في الساحة الدولية.
- تغول إسرائيل في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ الصراع، والهرولة في سن قوانين يهودية الدولة، وما يصاحبه من قوانين تعزز العنصرية والتطرف كقانون "حنين زعبي"، قانون المواطنة وتهويد القدس، من خلال قوانين عنصرية متطرفة لا تقبل الآخر الفلسطيني، وحيث إن فلسطينيي الداخل في خطر شديد في ظل هذه التوجهات العنصرية، واعتبار دولة إسرائيل دولة الجماعة اليهودية، إن قانون يهودية الدولة ينهي فكرة حل الدولتين والبرنامج المرحلي حيث يركز على مفهوم "أرض أكثر وعرب أقل".
- إن الخلل البنيوي في الحركة الفلسطينية التحررية من حيث الوعي والدور المطلوب إقليمياً ودولياً لا يمكن الفلسطيني من إحقاق حقوقه، على اعتبار ان الفلسطيني يعبر عن حاله عشائرية قبلية في تكوينه السياسي المتجلي من خلال الفصائل السياسية المتناحرة التي تناقش قضية هوية الدولة والمجتمع قبل ان تنجز مشروع التحرير، وهذا الصراع والانقسام ما بين ما هو إسلامي وما هو علماني سابق لأوانه، وان كل الانقسامات التاريخية في مسيرة الحركة الوطنية والآنية لم تقدمنا شبراً باتجاه حقوقنا.
- إن الحرب الأخيرة، ورغم بسالة المقاومة وما حققته من بطولات مبهرة، قد أوجدت صيغه أخطر وأعمق لمفهوم المقاومة من خلال التحول إلى جيوش نظامية، وان الحرص على الحفاظ على شعبوية المقاومة لربما يكون أفضل من المقاومة المسلحة التي جاءت رداً على تغول العدو، ولكن لم تكن المقاومة الفلسطينية المسلحة الأكثر انجازاً والأقل خسارة.
- أما بالنسبة للخطاب التفاوضي الذي لم يعد خطاباً سياسياً فلسطينياً بامتياز، بل أصبح خطاب علاقات عامة، حيث على مدار عقدين من الزمان لم يبق شيء يتفاوض حوله، وان إصرار القيادة الفلسطينية على استخدام المفاوضات كوسيلة وحيدة دون ظهير استراتيجي مقاوم سيبقي الفلسطيني كسيحاً في المحافل الدولية، حيث لا مكانه لاستجداء الحقوق للضعفاء.
- إن خيار المزاوجة ما بين السلطة والمقاومة سيمكن القيادة الفلسطينية في تحسين شروطها التفاوضية، ولكن العقلية الفلسطينية الأحادية في إدارة المفاوضات وإدارة المقاومة لن تتطور في الشراكة والمزاوجة ما بين السلطة والمقاومة.
- إن عدم قدرة الفلسطيني على مغادرة الانقسام، والتوجه إلى مصالحه وحوار معمق، والارتهان إلى الخارج هو أحد أهم العقبات التي تبقي الانقسام كخبز يومي لمعاناة الفلسطيني، التي أصبحت مركبة تحت سطوة الانقسام وسطوة الحصار، إن الرهان على المتغير المعجز والمفاجئ الذي يخلص كل طرف فلسطيني من خصمه السياسي هي أحد رهانات المصالحة البطيئة والمتلكئة؛ حيث ان التغيير في الإقليم، وتحديداً مصر وسوريا، ألقى بظلاله على الحوار الفلسطيني – الفلسطيني الأعرج، هذا الحوار حوار الطرشان، نسمع طحناً ولا نرى طحيناً.
- حكومة التوافق إن لم تقم بدورها وتستلم غزة بشكل تدريجي ومدروس ستنفجر الأوضاع داخل قطاع غزة، الذي يعتبر إلى حد ما بؤرة للتطرف في المرحلة القادمة في حالة فشل الانتقال الهادئ للسلطة وحل مشكلة الملف الأمني.
- أما بالنسبة لفرص الحرب في غزة؛ فإن الفرصة ما زالت مهيأة لاستئناف جولة جديدة من القتال، على اعتبار انه وبعد ثلاثة أشهر مضت لم يحقق أي طرف مبتغاه من الحرب، فالمقاومة في حالة ترميم وإعداد، وهذا مزعج لإسرائيل، وما زالت المعابر غير مفتوحة والإعمار بطئ جداً، وحالة التسخين اليومي على طرف الحدود، والانتخابات في إسرائيل ربما تكون مبكرة على خلفية أزمات حكومة اليمين؛ كل هذه المؤشرات توحي بتجدد القتال عما قريب على حدود غزة، إن المخرج من تجنب ضربه جديدة إلى غزة، هو التسليم الفعلي والجدي لما اتفق حوله في اتفاق الشاطئ.
وخرجت الندوة بالتوصيات التالية:
- بناء رؤية وطنية استراتيجية شاملة تفكك كل الأزمات والتفاصيل "الشيطانية".
- الدعوة إلى حوار وطني استراتيجي من خلال تحديد برنامج كفاحي واحد، يحدد الأساليب والأهداف والغايات الكفاحية.
- مراجعات للحالة الفلسطينية بكافة أشكالها السياسية والتنظيمية، وبناء نظام سياسي يوحد الجغرافية والسياسة الفلسطينية من خلال نظام واحد وقرار واحد وسلاح واحد.
- إعطاء أولوية للعمل في الساحة الدولية، وتمكين الشعب في الداخل من الصمود، وان البعد الفلسطيني الداخلي لابد ان يكون رافعه للعمل في الساحة الدولية.
- تمكين فريق مختص ومقتدر من الاداريين والخبراء لإنجاز الانتقال الهادئ من الانقسام إلى الوفاق، والبديل عن الوفاق هو التطرف والفوضى في الساحة الفلسطينية.
- ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، وامتلاك خطاب إعلامي وسياسي موحد يخاطب العالم بعيداً عن الاتهامات والتراشق الإعلامي.
أرسل تعليقك