عمان : ايمان يوسف
كشف المستشار الأول للطب الشرعي والخبير من مواجهة العنف وأخلاقيات المهن الطبية الدكتور هاني جهشان، أن قانون الصحة العامة وقانون نقابة الأطباء، يمنع أي شخص من معالجة المرضى ما لم يكن حاصلا على شهادة جامعية بالطب، مشيرًا إلى أنّ "بعض الأشخاص لجؤوا إلى علاج المرضى بطرق غير علمية عبر التاريخ وفي مختلف مناطق العالم، من قبل المشعوذين والدجالين، وللأسف راجت أفكارهم وبضاعتهم، بسبب الجهل والبعد عن الدين، ويتقاضى هؤلاء الدجالين مبالغ خيالية ناهيك عن إلحاقهم الأذى والضرر بتفاقم المرض أو إحداث عاهة وتشويه أو حتى الوفاة، وتتراوح هذه الأنشطة ما بين الذهاب لمن يدعون السحر لرأب العلاقات الإنسانية بين الأزواج إلى علاج الصرع أو الفصام بالضرب والحرق وإلى علاج الأمراض السرطانية بأبوال الحيوانات".
وأشار هاني جهشان، في مقابلة خاصّة مع "العرب اليوم"، إلى أن الحل العملي لمواجهة هذه المشكلة للتخفيف من عواقب هذه الممارسات الضارة هو الترخيص والرقابة لأنواع محددة من الطب التكميلي أو الطب البديل ومنع أية ممارسات أخرى من مثل الكي، الفصد، الحجامة، تجبير الكسور، جلي الماء الأزرق من العين، وكل هذه الأفعال هي أفعال شعوذة وتدجيل وتضليل وخداع المرضى.
وعن الفرق بين علاج المشعوذين أو ما يسمى الطب البديل والطب التكميلي، أوضح جهشان، عدم وجود نظام طبي متكامل يعطي الإجابة المثالية لجميع احتياجات الإنسان الصحية، حيث أن طرق العلاج التقليدية وغير التقليدية تشمل مدى واسع من فلسفات العلاج، فيسمى العلاج "تكميلي" عندما يستخدم بالإضافة أو عقب العلاج الطبي التقليدي ويسمى العلاج "بديل" عندما يستخدم بديلا على العلاج الطبي التقليدي لافتا انه من الممكن أن يكون هناك بعض الجوانب الإيجابية بما يسمى الطب التكميلي أو الطب البديل، وعلى المهنيين أن يكونوا على معرفة كاملة بأنواع وقيمة وفاعلية كافة أنواع العلاج العلمية بالإضافة لأنواع العلاج التي تسمى البديلة أو التكميلية، ومن الممكن أن يستخدم العلاج التكميلي لخفض كرب وتوتر المريض، أو بهدف منع أو خفض المعانة من الأعراض والعوارض الجانبية للمرض أو للعلاج التقليدي، ولكنه ليس بأي حال من الأحوال بديلا عن العلاج التقليدي.
وبين جهشان أن العلاج البديل من الممكن استخدامه للوقاية من المرض، أو في بعض الحالات البسيطة، والتي لا تحتاج لعلاج تقليدي أساسي، ويجب أن يتم بمعرفة الطبيب المشرف عادة على حالة المريض منوها إلى أن الدراسات العلمية أثبتت فاعلية بعض طرق العلاج التكميلي أو العلاج البديل لبعض الحالات المرضية المزمنة مثل ألم الظهر، الحساسية، التوتر، والصداع، لكن يجب أن تقدم هذه الوسائل العلاجية تحت إشراف طبي مباشر وبعيدا على الشعوذة والتضليل، وبعد الحصول على التراخيص الضرورية لضمان الرقابة والمهنية وعدم التضليل.
وعدد جهشان بعض أساليب العلاج بالطب البديل أو الطب التكميلي منها المعالجة بالإيحاء الذي يعتمد مبدأ العقل فوق الجسم مثل المعالجة باللون، أو بالطاقة، أو التنويم المغناطيسي ويعتمد كل على الإيحاء الشفائي للمريض، أو المعالجة بالتدليك اليدوي وتقويم الجسم، تشمل الريفلوكسولوجي: ويعتمد على الضغط باليد على مناطق معينة من الجسم، الوخز الإبري، وقد يكون المعالجة بالأعشاب مثل الزيوت العطرية، كاستخدام خلاصة الزيوت المستخرجة من الزهور والنباتات لدهن الجلد أو للاستنشاق أوعن طريق الحمامات البخارية.
وأوضح جهشان أن بعض الدول قامت بترخيص الطب البديل أو الطب التكميلي على أن يمنع هؤلاء الممارسين من العمليات الجراحية أو أية مداخلات اجتياحيه لجسم الإنسان، كإعطاء الحقن أو المحاليل الوريدية، التوليد، سحب الدم، علاج السرطان، علاج الأمراض الإنتانية أو الأمراض المعدية، إجراء فحوص داخلية، إعطاء وصفات طبية، ويكون الترخيص تحت الرقابة من قبل السلطة الصحية في الدولة، وهذه خطوة عملية لمكافحة عواقب ما يسمى بالطب الشعبي للمشعوذين، الذي في أعم أغلب الحالات يلحق الضرر بالمريض، حيث أن الطب الشعبي يعتمد على ممارسات علاجية قائمة على موروثات ومأثورات شعبية وليس على أسس أو منهجية علمية ومنه نوعان، (1) الطب الشعبي المادي من مثل العلاج بالأعشاب والخلطات والكي والفصد والحجامة و(2) الطب الشعبي المعنوي يشمل العلاج بالتمائم والأحجية وتختلط هذه الأمور بشكل واضع مع السحر والشعوذة، ورغم هذا لا يزال كثير من الناس يؤمنون به بدرجة كبيرة.
واستعرض جهشان أهم وسائل علاج المشعوذين والتي تلحق أذى بجسم الإنسان منها الحجامة وهي استخدام الكؤوس المعدنية أو الزجاجية أو قرون الثيران أو أشجار البامبو بتفريغها من الهواء بعد وضعها على الجلد عن طريق الشفط، ويفرغ الهواء أيضا عن طريق حرق قطعة من القطن أو الصوف أو الورق داخل الكأس، هناك الحجامة الجافة بدون جرح الجلد والحجامة الرطبة بجرح الجلد وشفط الدم خارجا، وتختلف مواضع إجراء الحجامة باختلاف الهدف منها، فمثلا الحجامة تحت الذقن تجرى بهدف علاج أمراض اللثة ووجع الأسنان، وفي الرأس لعلاج رمد العين وحمرتها، والكي الذي يستخدم بشكل واسع للاعتقاد الخاطئ بأنه يقوي بعض أعضاء الجسم، وأنه يوقف النزيف، ويطرد البرد، ويسهل سريان الدم، وأنه ينشط نظام المناعة، ويمنع التلوث، ويستخدم أيضا لعلاج فقر الدم، ألام المفاصل وعرق النسا، ومن الممكن أن يجرى في مختلف مناطق الجسم، تبعا للأعراض التي يشكو منها طالب العلاج، ويستخدم الضرب أحيانا للاعتقاد بأن إبراء المصروع ودفع الجن عنه يحتاج إلى الضرب، فيضرب المريض ضربا كثيراً جدا وفي أغلب الأوقات يكون ذلك بعصا على مناطق الأكتاف والأرداف والأطراف، حيث تكون القناعة بأن الضرب إنما يقع على الجني ولا يحس به المصروع حتى يفيق ويخبر أنه لم يحس بشيء من ذلك ولا يؤثر في بدنه، ويستخدم بعض المشعوذين الكهرباء معتقدين أنهم يقوموا بتعذيب الشياطين داخل المريض نفسيا.
وتعتبر المعالجة بالأعشاب بحاجة إلى دراسة وبحث مستفيضان لكل عشبة، حيث أن بعض الأعشاب له مفعول صيدلاني على وظائف جسم الإنسان، وبعضها له مفعول سمي كبير، وللأسف فأن المعالجين بالأعشاب أغلبهم جاهلون تماما بأمور الأعشاب والقليل منهم من يتابع الفاعلية العلمية لها، أما العلاج بالرقية والتعاويذ والحجب فتستخدم لعلاج الأمراض النفسية والصرع للاعتقاد بأنها تطرد الجن من المريض، إلا أنه يجب العلم بأن أغلب الأمراض النفسية الذهانية تحدث بسبب اختلال في نسبة الناقلات العصبية في الجهاز العصبي للإنسان وذلك نتيجة عدة عوامل منها تأثير البيئة والتربية والوراثة وعوامل عديدة أخرى جاري البحث عنها، والمرض النفسي مثله في ذلك مثل الأمراض العضوية الأخرى له أساس عضوي ولا يحدث بسبب الجن، كذلك الصرع هو حالة عصبية ناتجة عن اختلال وقتي في النشاط الكهربائي الطبيعي للمخ لأسباب عضوية نستطيع التوصل إليها باستخدام التحاليل الطبية وأجهزة الفحص الحديثة مثل رسم المخ والتصوير المحوري والرنين المغناطيسي، فالصرع مرض مثل الأمراض العضوية الأخرى ولا يحدث بسبب الجن.
ومن عواقب العلاج من قبل المشعوذين بحسب جهشان فهي متعددة منها طمس التشخيص الطبي لحالة المريض وتفاقم مرضه بسبب عدم إجراءه التحاليل والأشعة وتقديم العلاج الملائم وخاصة في الحالات المرضية التي تحتاج لمتابعة حثيثة من مثل الصداع المزمن وحالات الآلام الروماتيزمية، تيبس أو تورم المفاصل المختلفة، ضغط الدم المرتفع، الشلل، الأرق، مشاكل الحيض، عسر الهضم، النقرس، والسرطان، وقد تؤدي طرق العلاج بالشعوذة لإغماء بسبب الألم الشديد واحتمالية الوفاة من الصدمة العصبية، وخاصة للأطفال وكبار السن، وقد ينتج عنها تمزق في العضلات أو إصابات في المفاصل وبتالي أعاقات حركية. كما ينتج عن الضرب الشديد المتكرر، كدمات واسعة بالجسم تحطم بروتين العضلات مما يؤدي لإخفاق كلوي وبالتالي الوفاة وقد ينتج عنه كسور وإصابات شديدة بالمفاصل، قد ينتج عن طرق الشعوذة المختلفة نزف داخلي بسبب تمزق الأوعية الدموية وخاصة بوجود الدوالي، أو معاناة المريض من إحدى أمراض الدم النازفة كما تمتد الحروق الناتجة عن الكي والحجامة، بعمق الجسم، للأعصاب والأوتار والعضلات والمفاصل.
وتسبب استخدام الأدوات الملوثة بنقل الفيروسات الخطيرة وخاصة أن الأدوات تستخدمه في تحجيم أكثر من شخص فلو كان شخص يحمل فيروس الكبد الوبائي أو فيروس الإيدز لا ينتقل الفيروس، كما أن هناك عواقب نفسية واجتماعية وتأثير نفسي سلبي للعلاج بالشعوذة، مثل التوتر والكآبة والتفكك الأسري، ويرافق العلاج بالشعوذة الإساءة الجنسية في كثير من الأحيان.
أرسل تعليقك