أعلنت السعودية حربا مفتوحة على "حزب الله"، وتسلحت بقرارين خليجي وعربي يعلنانه منظمة إرهابية، في مؤشر إلى ذروة جديدة للأزمة المتفاقمة مع إيران والحزب اللبناني.
وبعد ساعات من إعلان مجلس التعاون الخليجي قراره اعتباره "ميليشيات حزب الله منظمة إرهابية"، أعلن وزراء الداخلية العرب من تونس الحزب جماعة إرهابية، واتهموه بزعزعة الاستقرار في المنطقة العربية.
وعزا الأمين العام للمجلس عبد اللطيف الزياني القرار الخليجي إلى "استمرار الأعمال العدائية لعناصر ميليشيات حزب الله، لتجنيد شباب دول المجلس للقيام بالأعمال الإرهابية، وتهريب الأسلحة والمتفجرات، وإثارة الفتن والتحريض على الفوضى والعنف، في انتهاك صارخ لسيادتها وأمنها واستقرارها".
وأكد الزياني أن دول مجلس التعاون "ستتخذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ قرارها، استناداً إلى ما تنص عليه القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب، المطبقة في دول المجلس والقوانين الدولية المماثلة".
ضغوط سعودية
ويبدو أن السعودية مارست ضغوطا كبيرة على عدد من البلدان العربية، وفي مقدمها مصر، حتى تستطيع فرض رؤيتها في الساحة العربية عبر إعلان وزراء الداخلية العرب "حزب الله" منظمة إرهابية. واللافت أن القرار يأتي عقب أنباء عن تحسن في العلاقات بين القاهرة و"حزب الله"، والحديث عن استقبالها لوفد من الحزب في الشهر الماضي.
ويأتي القرار السعودي منسجما مع التوجهات السعودية الأخيرة، المتمثلة في التخلي عن سياستها المحافظة، والتدخل بقوة للوقوف بوجه إيران والأطراف، التي تتهمها بالتبعية للجمهورية الإسلامية في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان.
ويكشف الضغط السعودي لتمرير القرارين أن الرياض سوف تذهب أبعد في التصعيد مع إيران في إطار الحروب بالوكالة، أو التدخلات المباشرة السياسية والعسكرية. ويجب عدم فصل الضغط السعودي الكبير لتمرير القرارين في هذا التوقيت عن التطورات الإقليمية، وبخاصة ما تشهده سوريا. فمن جهة، فإن السعودية تبعث رسالة مفادها أن اعتبار التنظيمات المسلحة الممولة من قبلها إرهابية يجب أن يقابله إعلان "حزب الله" والفصائل العراقية والأفغانية الممولة من إيران إرهابية.
وفي ظل الحديث عن خطط للتدخل البري، وزيادة مشاركة السعودية في الضربات الجوية، فهي تتسلح بقرار خليجي وعربي يشرعن لها ضرب أهداف "حزب الله" في سوريا من جهة. ومن جهة أخرى، فهي تنهي عمليا تفاهمات إقليمية ودولية ضمنية، تتمحور حول محاولة النأي بلبنان عن نيران الأزمة السورية، وعدم انتقال الشرارة إلى لبنان، المنقسم بشدة سياسيا وشعبيا على خلفية الأحداث في سوريا.
أبعاد داخلية إقليمية خطيرة
ويتجاوز الإعلانان المواقف الأوروبية، التي فصلت بين الجناحين السياسي والعسكري للحزب، ويتماهيان مع التصنيفين الإسرائيلي والأمريكي للإرهاب، ويتفقان مع دعوات واشنطن وتل أبيب إلى تبني قرار أممي يسم "حزب الله" بالإرهاب. ورغم الصمت الرسمي، فإن الصحافة العبرية رحّبت بقرار مجلس التعاون الخليجي ومجلس وزراء الداخلية العرب إعلان حزب الله منظمة إرهابية. وذهبت صحيفة "معاريف" إلى أن القرار بأنه "إنجاز لإسرائيل".
ويأتي إعلان "حزب الله" منظمة إرهابية في ظل استمرار الجدل، وتعمق الخلافات في لبنان بعد قرار السعودية وقف هبة بقيمة أربعة مليارات دولار، لتسليح جيش لبنان وقواه الأمنية.
ومن الواضح أن للقرارين أبعادا خطيرة من الجانب القانوني، ولا سيما أن "حزب الله" ممثل في مجلس النواب اللبناني بكتلة نيابية لها تحالفات، وأن الحكومة اللبنانية تضم وزيرين من الحزب. ويبدو أن القرار السعودي فاجأ أقطاب فريق "14 آذار" و"تيار المستقبل"، المدعوم من قبل الرياض. ورغم نأي كل من رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري ووزير الداخلية الحالي نهاد المشنوق بتيارهما عن القرار السعودي وتبعاته، فإن الحّد من تأثيرات الإعلان على الأرض لن تكون سهلة، في ظل حالة الاستقطاب الحادة والشرخ الشعبي والسياسي المتزايد على خلفية المشكلات الإقليمية. الحريري قال إنه "لا علاقة لي بالموافقة أو عدمها، "حزب الله" مصنّف منذ زمن منظمةً إرهابية، ونحن نتحاور معه؛ وما له علاقة بالوضع الداخلي لا يتغيّر بالنسبة إلينا. أما في ما يخص الأعمال، التي يقوم بها "حزب الله"، فتعرفون تماماً أننا ضدها، وأنا أصنّفها إجرامية وغير قانونية وإرهابية أيضاً". ودعا الحريري إلى مواصلة الحوار مع الحزب من أجل درء الفتنة.
والمشنوق بدوره اعترض في اجتماع وزراء الداخلية العرب على وصف "حزب الله" بالإرهابي، وقال إن الاعتراض يأتي "صوناً لما تبقى من مؤسسات دستورية في البلد". وفي الوقت نفسه، رأى المشنوق أن "قرار المواجهة السعودي هو بداية استعادة التوازن"؛ مشيرا إلى غياب التوازن قبل القرار "بين الجهد العربي وبين مشروع إيران".
وقال المشنوق: "لا خيار لنا ولا مستقبل لنا غير الهوية العربية، وأي خيار آخر هو سقوط في هاوية المشروع الآخر". ووجه وزير الداخلية اللبناني انتقادات ضمنية للتخاذل العربي بترك لبنان حتى وصلت الأمور إلى تقوية المشروع الإيراني فيه. ومن الواضح أن اعتراض الحريري والمشنوق على تصنيف "حزب الله" لا يرقى إلى درجة الاصطفاف مع الحزب في الحرب، التي أعلنتها السعودية صراحة.
وفي حين أن السعودية أعلنت حربا مفتوحة ضد "حزب الله"، فمن غير المعروف فيما إذا كانت تحضر لمعركة في سوريا بعد الحديث عن قرب انتهاء الحرب في اليمن، أم أنها قررت فتح معركة في لبنان من دون انتظار مآلات الحرب، التي طالت في سوريا.
وقد يدفع إعلان "حزب الله" منظمة إرهابية بعض أنصاره وداعميه من رجال الأعمال إلى التخلي عنه خوفا من قرارات خليجية وعربية يمكن أن تؤثر على أعمالهم التجارية. غير أن من المؤكد أن السعودية لن تفوز بضربة حاسمة في حربها مع "حزب الله"، حتى لو صدقت التوقعات بانسحاب إيران من سوريا؛ فالحزب يعتبر معركة سوريا وجودية ومصيرية.
وفي مقابل إصراره على رفض التدخل العسكري في اليمن، واستمرار دفاعه عن القيادة القائمة في سوريا، فإن بعض أنصاره من المحللين والخبراء يلوحون بـ"7 أيار 2008" بنسخة جديدة، نظرا لامتلاك الحزب ما يكفي من الأسلحة والمناصرين.
وأخيرا، فإن لبنان يعيش على صفيح ساخن بسبب الأزمات الإقليمية والصراع السعودي-الإيراني، في ظل برلمان ممدد لنفسه وشغور رئاسي واحتمالات انفراط عقد الحكومة.
أرسل تعليقك