رام الله - فلسطين اليوم
كانت المياه تتدفق بقوة كالشلال من بين التلال وتسير في قنوات على طول مجرى نبع عين العوجا شمال شرق أريحا والذي يمتد على نحو 12 كيلومتراً ليصب في نهر الأردن، في مشهد جعل من هذه العين مركز جذب للسياح ممن كانوا يلتقطون الصور التذكارية بالقرب منها.
وبحسب الباحث البيئي خالد أبو علي، فإن هذه العين تعد مصدرا أساسيا للثروة الزراعية والحيوانية لقرية العوجا "12 كلم" إلى الشمال الشرقي لمدينة أريحا، ويحيط بمجرى الماء المتدفق منها شجر القصب والنخيل وأشجار الزينة الجميلة التي يستظل بها المتنزهون بالمئات والقادمون من الشمال والجنوب الفلسطيني.
إلا أن مياه هذه العين، كما قال أبو علي، تنحصر صيفا وسرعان ما تجف بسبب إقدام سلطات الاحتلال على تحويل مسار المياه نحو العديد من المستوطنات الجاثمة على الأراضي الفلسطينية المصادرة في الأغوار، عبر قنوات خاصة ومضخات كبيرة.
وأشار إلى أن حجم القدرة الإنتاجية التاريخية لعين العوجا، تتراوح بين 1800 متر مكعب في الساعة إلى 2000 متر مكعب وهي مياه نقية وصالحة للشرب، لكنها تجف خلال فصل الصيف، حيث لا تعد هناك أية قطرة ماء في أكبر عين فلسطينية، كمثل باقي الثروات الفلسطينية التي تغتصب من قبل قطعان المستوطنين.
ويختفي "النهر الهادر"، كما يصفه كثيرون خلال الشتاء، بسبب تحويل مياه الينابيع والآبار الارتوازية عبر محطات تحوي محركات ضخمة مرتبطة بشبكة أنابيب تغذي المستوطنات القريبة وبشكل خاص مستوطنات "تومر" و"نعران"، و"نتيف هجدود"، و"يتاف".
ولسنوات طويلة، شكلت عين العوجا التي تحمل اسم القرية الكنعانية القديمة "العوجا" بينابيعها المتدفقة من بين الجبال والتلال، والواقعة على الطريق التاريخية التي تربط الأغوار الجنوبية بالشمالية حيث مدن بيسان وطبريا المحاذية لنهر الأردن، مركز جذب للسياحة من شمال فلسطين وجنوبها.
ووفق دائرة المحميات الطبيعية في الأغوار، فإن "العوجا" بلدة صحراوية ذات مناخ حار وجاف في منطقة الأغوار، ويقطنها نحو خمسة آلاف نسمة، ويحيط بها البدو الرحل الذين تعود أصولهم إلى عرب الكعابنة، ويعمل أهلها وسكانها بالزراعة والرعي، وتميزت أراضيها الصحراوية ببعض النباتات البرية النادرة التي تكاد تنقرض.
وأكدت أن الكثير من النباتات الصحراوية الطبية كادت تنقرض بسبب أعمال التجريف والحفريات التي يقوم بها جيش الاحتلال في منطقة الأغوار عامة وشمال شرقي أريحا على وجه الخصوص، بدعوى أعمال عسكرية وأمنية، مثل شجيرة الرتم، والسدر والسلط ونبق الصحراء والزنبق الجبلي.
وأشارت، إلى أن بلدة العوجا تحتضن في أوديتها وتلالها بقايا حيوانات برية مهددة بالانقراض مثل الغزال الجبلي والنيص والشيهم والثعلب الأحمر والضبع المخطط وبعض الذئاب، إضافة إلى الطيور التي تتجمع حول أشجار القصب وشجر الخروع والنخيل المحيطة بالعيون وينابيع الماء، كاللقلق الأبيض والأسود والكركي، والنسر الأسمر وطير الرخمة المصري وطائر العويسق المهدد بالانقراض والحجل الأسود والصقر الأحمر.
وحذرت في تقرير لها، من أن هذه المحمية الفلسطينية تكاد تودع أزهارها وطيورها وحيواناتها بسبب التدريبات العسكرية التي يقوم بها جيش الاحتلال كونها تعد منطقة عسكرية محاذية للحدود الأردنية، إضافة إلى مكبات النفايات الصناعية التي يقوم المستوطنون بدفنها في المنطقة.
وبعد إغلاق قوات الاحتلال لشواطئ السهل الساحلي الفلسطيني المطلة على البحر الأبيض المتوسط أمام الفلسطينيين وخاصة أبناء الضفة الغربية، لا يجد هؤلاء ملاذا أمامهم للتنزه سوى مناطق محددة من أهمها عين العوجا المتدفقة بالمياه الغزيرة شتاء والتي تكاد تكون المكان الأكثر حيوية بسبب طبيعتها الجغرافية وموقعها المتوسط بين الشمال والجنوب، إضافة إلى طبيعتها الخلابة حيث المياه المتدفقة من بين التلال والتي تسير في قنوات لولبية على طول مجرى عين العوجا.
وأكد أهالي العوجا، أنها منطقة منكوبة بسبب أعمال المستوطنين العدوانية وحربهم على مياه العوجا، حيث أقاموا على بعد 300 متر بئر ارتوازية خاصة بهم يجمعون من خلالها المياه المسروقة من نبع العوجا لري مزروعاتهم التي قاموا بزراعتها في أراضي الفلسطينيين في منطقة العوجا البالغة أكثر من 400 دونم.
وتخضع تلك المنطقة الحيوية، للسيطرة الإدارية والأمنية من قبل سلطات الاحتلال التي أحيانا تقوم بإغلاقها، رغم أن جميع أرضيها المحيطة بها مملوكة للفلسطينيين ويملكون وثائق صادرة عن دوائر تسجيل الأراضي المختصة تؤكد ملكيتهم الشرعية والقانونية لها، فمنعت سلطات الاحتلال مجلس قروي العوجا من إقامة استراحات ومتنزهات وشاليهات في تلك المنطقة وحول القناة لخدمة آلاف المتنزهين الذين يؤمونها من كافة الأراضي الفلسطينية، حيث يعاني المتنزهون من عدم وجود مرافق وخدمات.
وكانت مياه نهر العوجا قبل نكسة حزيران عام 1967، تضخ على مدار السنة دون انقطاع، وكانت تعد المصدر الأساسي والأول للمزروعات، ولكن في الوقت الحالي تدوم لغاية أيار ثم تبدأ بالجفاف، بعد قيام المستوطنين بحفر آبار ارتوازية، ليكون عمق البئر أدنى من الحوض المائي للنبع، فيتم سحب المياه لتوزع على المستوطنات التي تحيط بالنبع من جميع الجوانب.
ولسنوات طويلة، كانت منطقة العوجا تشكل مصدرا غنيا للغذاء في فلسطين، ولكن بعد سرقة مياه العوجا، لم تعد هناك أراض قادرة على الإنتاج فاقتصر إنتاج أراضيها على النخيل، وذلك بسبب مناخها وتربتها الحارة، فيما كانت معظم أراضيها هدفا للمصادرة من قبل سلطات الاحتلال لصالح المستوطنات التي تزرع فيها أشجار النخيل، وتنتج كميات كبيرة من التمور التي يتم تصديرها للخارج.
وغالبا ما يقوم المستوطنون بالنزول إلى نبع مياه العوجا بذريعة السياحة والسباحة، إلا أن هدفهم الرئيس التخريب في المنطقة، ومضايقة المواطنين المتواجدين من المتنزهين لإخلائهم من محيط النبع.
قد يهمك ايضاً :
نزال يُؤكّد وجود استنهاض للموقف الأوروبي لصالح خلق جبهة موازية للانحياز الأميركي
اسرائيل تعتزم بناء 9 آلاف وحدة استيطانية شمال القدس
أرسل تعليقك