"يا رب يقدروا يبنوا مركز "سعيد المسحال الثقافي" قبل العيد لأني اشتريت تذكرة لمسرحية العيد. أمنية طفلة لوالدها بعد قصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي للصرح الثقافي وسط غزة!" تغريدة نشرها ناشط فلسطيني عبر "تويتر".
في حدود السادسة من مساء اليوم، 9 آب 2018، دمر الاحتلال مقر مؤسسة سعيد المسحال للثقافة والعلوم، بعدة صواريخ أطلقتها طائراته الحربية، التي قصفت في منتصف تموز/ يوليو الماضي، قرية الفنون والحرف وسط مدينة غزة.
لم يجد شعراء وكتاب القطاع، سوى صفحات التواصل الاجتماعي، منصة للغضب والبكاء ونثر الذكريات التي عاشوها في المؤسسة.
الكاتب محمود جودة: "ها هو العدو يضرب في الذاكرة، يضرب في الحب والأغنيات والأفلام، يكتم قلوبًا تعلقت في الكراسي عنابية اللون، وشاشات العرض، والمسرح الدافئ الجميل".
"كان أحد الأماكن التي تدعونا لأن نتمسك بهذه المدينة الصعبة المملة، يساعدنا في التقاط الأنفاس، والتماس الضحك، والتقاء الأصدقاء ممن عزت مواعدتهم وباعدت بينهم المسافات"، يقول جودة.
مئات النقاشات، مئات النصوص، مئات الكتب، وآلاف المواعيد الحلوة، والغمزات، وخفقان القلوب، والدموع التي انسكبت على الأفلام، والمسرحيات والقصائد.
لم يكن مؤسسة، أو قاعة، أو مسرح، كان عالما صغيرا لمثقفي وكتاب وشعراء وفناني غزة، عالم يرون من خلاله ما تيسر من فرح .. "إننا نبكي الأحياء من لحم ودم، ونبكي أيضًا على المسارح ورائحتها، ونرثي حجارتها .. اليوم قطف الاحتلال زهرة هذه المدينة، قطف الذكريات والذاكرة، إنه ينجح دائمًا في ذلك"!
الشاب إيهاب حسن، قال: "قبل أن يكون مبنى سعيد المسحال، كان مبنى تابعا للهلال الأحمر، وضم طابقه الثاني مكتبة جميلة، نقرأ فيها حد الملل، تربينا هناك على القراءة والثقافة".
الصحفية انصاف حبيب: "كانت لي هنا ذكريات عظيمة، بين أروقة مؤسسة سعيد المسحال للثقافة والعلوم، خلف المايك ترجلت وقدمت ندوة ثقافية، وحفل توقيع كتاب لروائي عزيز، وجلنا حضرنا في قاعاته أفلاما ثورية واحتفالات فنية في الذكريات والمناسبات الوطنية الفلسطينية، صفقنا عاليا عندما سمعنا "أنا دمي فلسطيني"، واليوم نبكي كثيرا لفقدان هذا الصرح الثقافي العريق".
الشاب هيثم كلاب، قال: "اسرائيل هدمت ضحكات وذكريات آلاف الأطفال، حين هدمت مبنى الثقافة والفنون والمكان الوحيد في قطاع غزة، الذي يعبر فيه العديد من الشباب والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة والمؤسسات عن طريق المسرح الاستعراضي والدبكة والفنون والمهرجانات الثقافية، عن أنفسهم وطموحاتهم وحياتهم".
الكاتب مجد أبو عمر: "كُنّا نقول أوّل ما غادرنا غزّة، إنّه ليس لنا فيها سوى العائلة، ثم بدأت العائلة رحلة شتاتها، وصار كلٌ منّا في منفاه. وكنّا نقول إنّه ليس لنا فيها غير الذكريات، وإنّ هناك مسرحا اسمه سعيد المسحال، وفيه نشاهد السينما خلال أيام مهرجان السجادة الحمراء، وربّما نحظى بمسرحية في العام، خاصةً لو كانت لغسان محسن، وهناك كُنّا نلقي الشعر، ونُدخن في الكواليس، وهناك كنّا نغني مع فرقة دواوين، ونُصفق لنور بينما يعزف على الكاخون. وهناك استمعت أوّل مرّة لشاعر اسمه نضال الفقعاوي، وهناك كان يرحب بنا أشرف سحويل، كأنّه الحارسُ الأمين للمكان، وهناك وقفنا على المسرح مرّة وضحكنا للكاميرا، وكان يقفُ معنا الشاعر عثمان حسين، وهناك كانت أمسية "لم يكن ضوءنا"، وكانت عينا يسري الغول تلمعان فرحًا.. والآن لم يبق شيء".
الفنان التشكيلي سليمان شاهين: "بالأمس سمعنا عن استهداف قرية الفنون والحرف، واليوم نرى بأن مؤسسة سعيد المسحال للثقافة والعلوم تم استهدافها من قبل الاحتلال الإسرائيلي، بأي حق يتم استهداف هذه الأماكن الثقافية".
"فعلا أصبح كل شيء تحت الاستهداف أرواحنا وأهلنا وأصدقائنا حتى تلك الأماكن التي لم يبقى شيء منها إلا ذكرياتنا.. أصبح هدف هذا الاحتلال طمس كل معالمنا الثقافية والتاريخية والحضارية..
في هذه اللحظة لا يسع قلبي إلا الحزن على دمار هذا المكان الذي أقمت فيه معرض عام 2016 بعنوان "طيف الحرية" ولكن على ما يبدو أن هذا الطيف أصبح رمادا"، يقول شاهين.
الشاعرة هند جودة: "مؤسسة ومسرح سعيد المسحال، كانت وكم توجع كلمة كانت، حين نتحدث عن مسرح ومنصة عرض وشاشة سينما وأروقة شهدت العديد من الورش والمعارض الفنية وحلقات التدريب على مختلف الفنون، من تمثيل ودبكة ورسم وعروض لفرق محلية بدأت بحناجر هواة وانتهت بهم محترفين، لقد كانت مؤسسة المسحال إحدى طرق غزة الواضحة في إعلان جدارتها بالحياة، هذا الأمر الذي سيظل مستمرا وعالي الصوت، وهذا ما سيقوم به فعلا المسرحيون والشعراء والموسيقيون في غزة. على أنقاض المكان قررنا أن نستمر حتى يعاد بناؤه مرة أخرى وسنستبدل الركام بخيمة كبيرة إن لزم الأمر. لقد كان الجرح غائرا لكن أهل غزة كعادتهم ينفضون الركام ويواصلون الصعود".
الشابة إيمان اياد: "ركن كامل في قلبي يحترق الآن وجثة مبنى سعيد المسحال أثقَل من أن نحمِلها جميعًا وداعًا لكل التفاصيل التي تحت الركام ".
الشاب داوود أحمد: "مبنى سعيد المسحال، المبنى الذي حملنا بأرواحنا التي سلبها بؤس هذه المدينة، مسرح الموسيقى، الحُب و الخيال.. انهار كلياً و قتل الأرواح فينا".
وعلى "تويتر" غرد صديق للمؤسسة: "مرة واحدة دخلته، كان فيه نشاط موسيقي ومسرحي، بعد إلحاح الأصدقاء، يومها توقعت أنه شبيه بمؤسسات ثقافية كثيرة، هدفها أبناء البرجوازيين، الذين يذهبون لالتقاط الصور لبعضهم البعض، لكن وجدت الكثيرين هناك يشبهونني، يتدبرون المواصلات بالعافية، ويذهبون للقراءة والغناء".
وفي 14 كانون ثاني/يناير 2004، افُتتح مقر مؤسسة سعيد المسحال للثقافة والعلوم، الخطوة الرائدة التي قام بها رجل الأعمال سعيد المسحال، المتمثلة بدعمه للمشهد الثقافي الفلسطيني، ودعوة أصحاب رأس المال الفلسطيني إلى الحذو حذوه.
المؤسسة التي أسست عام 1996، لتقوم على برامج متعددة، كان أهمها برنامج توثيق التاريخ الفلسطيني، وضمت مسرحا وقاعة مؤتمرات، ومكتبة الكترونية وأخرى تقليدية، ومركز للدراسات والأبحاث، وقاعات معارض للفنون التشكيلية، ومختبرات حاسوب.
حينها قال المهندس المسحال: "إن الثقافة التي ستقدمها المؤسسة هي التي تحوي كل أسس ومسببات الحضارة، والتي فيها كل مقتضيات الحكمة، إن أهم أهداف المؤسسة، العمل على المساهمة في نهضة المجتمع ومساندة المثقف والمبدع الفلسطيني".
أرسل تعليقك