رفعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي من وتيرة التوسع الاستيطاني في أراضي الضفة الغربية، وذلك لفرض أمر واقع، تحسبا لأي تغيرات قد تطرأ على الساحة الأميركية، عشية الانتخابات الرئاسية المرتقبة، والتي تشهد صراعا شرسا بين الرئيس الحالي دونالد ترمب، والمرشح الديمقراطي جو بايدن. فقد تجاوزت سلطات الاحتلال الكثير من الأوامر القضائية الصادرة عن محاكمها، في مسعى إلى فرض وقائع جديدة في ظل التغييرات الدراماتيكية في المنطقة، وهي بذلك تحاول كعادتها الالتفاف والتحايل على القوانين والمواثيق الدولية.
40 عاما مضت على وضع جيش الاحتلال يده على أرض محطة الباصات القديمة (الكراجات) بالبلدة القديمة في مدينة الخليل، وذلك تحت ذرائع وحجج واهية، وإقامته معسكرا لجنوده فيها، وذلك ترجمة لقرارات المستوى السياسي في دولة الاحتلال، القاضية بإقامة بؤر ومشاريع استيطانية في قلب مدينة الخليل، ومنها: مشروع بناء 31 وحدة استيطانية على أرض تم الاستيلاء عليها بأمر عسكري وبذرائع أمنية واهية، منها: ما هو تحت مستوى سطح الارض، تشمل وحدات سكنية، ومستشفى، وملاهي، ورياض أطفال، ومحال تجارية، بمساحة تصل في مجموعها الاجمالي ما يقارب 9000 متر.
وفي العام 1992، قامت السلطات الإسرائيلية بتوطين عائلات كاملة من المستوطنين في تلك المنطقة، بدعوى أنهم عائلات للجنود الذين يخدمون في المعسكر، والخطورة هنا تكمن في أن بناء هذه الوحدات سيتم في المنقظة ذاتها التي أغلقها الجيش الإسرائيلي مطلع تسعينيات القرن الماضي.ولتسهيل عملية التوسع الاستيطاني، قامت سلطات الاحتلال بنقل المعسكر المقام على تلك الأراضي إلى منطقة أخرى، تم أيضا الاستيلاء عليه بأمر عسكري، تقع بالقرب من مقر مفتشي بلدية الخليل، تعود ملكيتها لعدد من عائلات الخليل: شرباتي، والعمور، وعائلة شاهين، وغيرهم.
وللوقوف عن كثب على مخططات الاحتلال الاستيطانية في قلب الخليل، يقول مدير الدائرة القانونية في لجنة إعمار الخليل توفيق جحشن، إن الاحتلال يعتمد في تنفيذ مخططاته الاستيطانية وانتزاع الأراضي الفلسطينية على إصدار الأوامر العسكرية بذرائع أمنية واهية، في محاولة منه للالتفاف والتحايل على القوانين والمواثيق الدولية، وسرعان ما يحولها لأوامر بناء لصالح مشروعه الاستيطاني، وهذا ما يحدث على أرض المحطة المركزية للحافلات في الخليل "الكراجات".
ويضف جحشن "ان ما حدث في هذه المرحلة يمثل سابقة خطيرة، فنقل الثكنة العسكرية يعني زوال الأسباب الأمنية، التي من أجلها تم الاستيلاء ووضع اليد على تلك الأراضي، بالتالي يجب إلغاء ذلك الأمر، وإرجاعها وفق القانون لبلدية الخليل، باعتبارها صاحبة المنفعة والولاية القانونية عليها، وفي تطور خطير لم يحدث ذلك، وتم تحويل الأمر العسكري إلى قرار استيطاني لصالح بناء وحدات سكنية للمستوطنين".
وأكد "أن هذا الإجراء فيه خرق فاضح للقانون والاتفاقيات الدولية، وفيه اعتداء على مفهوم "السكن المحمي"، والذي يكفل بنص القانون عودة هذه الأراضي لبلدية الخليل صاحبة التصرف والمنفعة والولاية القانونية عليها".وتابع: في مطلع العام 2018 صادقت سلطات الاحتلال على رخص البناء في تلك المنطقة، وتقدمت بلدية الخليل عن طريق لجنة الاعمار بالتماس لمحكمة الاحتلال العليا ضد هذا القرار، وحصلنا في 10-2-2020 على أمر احترازي بمنع أي أعمال على ارض الكراجات، أو البدء بأعمال الرخصة.
وفي خطوة تثير الكثير من الشكوك، قامت وزيرة القضاء الإسرائيلية "ايليت شكيد" بنقل صلاحيات النظر بمثل هذه القضايا إلى ما يعرف بـ"المحكمة المركزية"، والتي تمتاز بكون جميع قضاتها من المستوطنين، علما أن محكمة الاحتلال العليا ومنذ العام 1967 وحتى تاريخ إصدار الأمر الاحترازي عام 2020 كانت هي صاحبة الاختصاص بمثل هذه القضايا، ومن المفترض أن تعقد جلسة المحكمة في 31-1-2021؛ للنظر في هذه القضية.
وفي تطور غير قانوني، وهو الأول من نوعه، أبلغت النيابة العامة لدولة الاحتلال "المحكمة المركزية" بتاريخ 27-10-2020 بأن السلطات الإسرائيلية عازمة على منح المستوطنين رخصة بناء تشمل 31 وحدة سكنية على أرض الكراجات خلال أسبوع، في مخالفة واضحة من قبل الحكومة الإسرائيلية، ونيابتها العامة لقرار المحكمة العليا لدولة الاحتلال، وتجاهل مقصود للأمر الاحترازي الصادر عن المحكمة المذكورة.
وهذا يشير إلى أن دولة الاحتلال تسرع بالإجراءات، ولا تريد الانتظار لحين موعد المحكمة، وتسعى إلى خلق أمر واقع ولو على الورق، يتمثل في تمليك المستوطنين رخصا للبناء في تلك المنطقة.وأوضح جحشن، أن المنحى القانوني يشير إلى أن سلطات الاحتلال ومستوطنيه لا يستطيعون مباشرة البناء، أو الشروع في أية خطوة عملية فيها بأي شكل من الإشكال، قبل صدور قرار المحكمة المركزية في دولة الاحتلال، معربا عن تخوفه من الضغط والتلاعب في القضاء، من اجل تقديم موعد الجلسة، وان يتم تسريب هذه الأرض من قبل جيش الاحتلال للمستوطنين بأوامر وقرارات من المستوى السياسي في دولة الاحتلال، بهدف مضاعفة أعداد المستوطنين في البؤر الاستيطانية في مدينة الخليل .
وعودة للوراء، فمنذ عام 1979 تم انشاء خمس بؤر استيطانية في قلب الخليل، لتشكل جيبا استيطانيا أسماه جحشن "مخطط الأفعى"، يمتد من تل الرميدة، بيت هداسا، مدرسة أسامة، سوق الخضار المركزي "الحسبة"، عمارة الرجبي وصولا لمستوطنة كريات أربع، في مسعى لسلخ جيب جغرافي عن محيطه الطبيعي، يضم تلك البؤر الاستيطانية، ويضمن ربطها مع مستوطنة "كريات أربع"، كخطوة أولى باتجاه تنفيذ قرار إنشاء مجلس للمستوطنات، الصادر في شهر أيلول عام 2017.
وأشار جحشن إلى أهمية الصراع الذي تخوضه بلدية الخليل مع سلطات الاحتلال التي تسعى إلى انتزاع صلاحيات البلدية عن تلك المناطق، لتسهيل استيلائها على الأملاك العامة والخاصة تحديدا في منطقة "H2"، معتبرا أن معركة الصلاحيات هي الجوهر والأساس، التي من شأنها أن تحدد مدى نجاح الاحتلال في سلخ الجيب الاستيطاني الذي يسعى إليه.
وفي هذا السياق، قال محامي بلدية الخليل سامر القصراوي، إن الاحتلال يدرك أن تحقيق أهدافه في سلخ الجيب الاستيطاني (تجمع المستوطنات الإسرائيلية) الواقع وسط مدينة الخليل، لا يمكن أن يتحقق في ظل بقاء الصلاحيات بيد بلدية الخليل، وبالأوامر العسكرية وبقوة الاحتلال يحاول نزع ومصادرة هذه الصلاحيات، خاصة ما يتعلق منها بصلاحية إصدار رخص البناء، وتحويلها لصالح ما يعرف بـ"الإدارة المدنية للاحتلال"، وتثبيت هذا التوجه كأمر واقع، ونقلها لاحقا لم يسمى بالمجلس الاستيطاني الذي يسعى لإنشائه.
وأضاف، ان مصادرة صلاحيات بلدية الخليل هدف أساسي تسعى إليه سلطات الاحتلال، لضمان نجاح مشروعها الاستيطاني في الخليل، فذلك يؤمن استقلالية تلك المناطق عن محيطها الجغرافي الطبيعي، ويلغي الوجود الفلسطيني بها، وتجعل من السكان الفلسطينيين هنالك عرضة بشكل مباشر لإجراءات تعجيزيه تفرضها عليهم سلطات الاحتلال، للضغط عليهم، ودفعهم لهجرة منازلهم وترك ممتلكاتهم.
وبذلك تصبح هذه المناطق من وجهة نظر الاحتلال مناطق إسرائيلية بالكامل، ويجرى بعد ذلك العمل على ضمها. وأشار القصراوي إلى أن ما تقوم به دولة الاحتلال من تغيير للقوانين ومصادرة للصلاحيات مخالف للقوانين والمواثيق الدولية، والتي تنص على انه يمنع على الاحتلال تغيير القوانين السارية عشية الاحتلال، مؤكدا أن بلدية الخليل وبالتعاون مع كافة المؤسسات المحلية والدولية تتصدى لهذه الإجراءات بكافة الوسائل القانونية، من اجل الحفاظ على حقوقنا الوطنية وحماية ممتلكاتنا.
وحول جدوى اللجوء للقضاء الإسرائيلي خاصة في ظل التفاف دولة الاحتلال الدائم على القوانين والأوامر القضائية، أوضح توفيق جحشن، "توجهنا للمحاكم الإسرائيلية ليس إيمانا منا بعدالتها، بل ثقة بقوة حقنا، ويأتي ضمن الإجراءات المحلية الواجب استنفاذها، ويعتبر قضاءً تكميليا، يشترط استنفاذه قبل اللجوء للمحاكم الدولية.
قد يهمك ايضا:
ماذا تعنى نتائج الانتخابات الأمريكية؟
«لا حرب ولا سلام» بانتظار الانتخابات الأمريكية المقبلة
أرسل تعليقك