أبرز التقرير السنوي الثالث للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، حول "سجل القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان"، تصاعدًا بل وتسارعًا من قبل اليمين الإسرائيلي، في سن تشريعات تهدف إلى تكريس السيطرة الإسرائيلية على أكبر قدر ممكن من أراضي الضفة، حتى بلغ عددها خلال الأعوام الثلاثة للولاية البرلمانية لـ "الكنيست"، 185 قانونًا، من ضمنها 54 قانونًا أقرت، أو دخلت حيز التشريع.
وأظهر التقرير الصادر بدعم من دائرة المفاوضات في منظمة التحرير، وكشف عن معطياته خلال ندوة نظمها "مدار" في مقره في رام الله، الأربعاء، أنه منذ انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، شرع الائتلاف الحاكم في إسرائيل، بتعزيز ما سماه التقرير "دفع قوانين الضم الزاحف للضفة ومستوطناتها".
وعرض التقرير، بمشاركة النائب د. يوسف جبارين من "القائمة المشتركة"، ود. عمار دويك، المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، والباحث برهوم غرايسي، معد التقرير، إضافة إلى د. هنيدة غانم، المديرة العامة للمركز، وتولت إدارة الندوة.
ومن أبرز ما ورد في التقرير، أنه خلال الأعوام الثلاثة للولاية البرلمانية، عالج "الكنيست" 185 قانونًا عنصريًا وداعمًا للاحتلال والاستيطان، حيث تم إقرار ما مجموعه 32 قانونًا بالقراءة النهائية، من ضمنها 26 قانونًا رسميًا، علاوة على ستة قوانين تم إدراجها كبنود ضمن أربعة من القوانين الـ "26"، في حين أن أربعة قوانين تم إقرارها بالقراءة الأولى، و18 قانونًا بالقراءة التمهيدية، بينها 3 قوانين مجمدة، و131 مشروع قانون لا تزال مدرجة على جدول الأعمال.
وأورد التقرير أنه "في العام البرلماني الثالث وحده، تم إقرار، ستة قوانين، بالقراءة النهائية، يضاف إليها قانونان تم دمجهما بأحد القوانين كبندين، فيما أقر قانونان بالقراءة الأولى، في حين أقر الكنيست سبعة قانونين بالقراءة التمهيدية، أخطرها قانون "القومية"، وأدرج النواب 38 قانونًا في الفترة ذاتها، في معظمها قوانين عقابية ضد الفلسطينيين في الضفة والقدس، وتضيق العمل السياسي، وترسخ التمييز".
وبيّن التقرير استنادًا لتواريخ إدراج القوانين، ودخول بعضها إلى مسار التشريع، أنه "منذ ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، شرع اليمين الاستيطاني في دفع قوانين تندرج في إطار الضم المباشر، والضم الزاحف لمستوطنات الضفة، أو سريان ما يسمى "السيادة الإسرائيلية" على الضفة"، مشيرًا إلى أنه منذ بدء ولاية "الكنيست" الـ "20"، عالج 43 قانونًا لغرض الضم المباشر وغير المباشر للضفة المحتلة كلها، أو المستوطنات.
ولفت التقرير إلى "أن من أبرز القوانين التي أقرت نهائيًا: قانون سلب ونهب الأراضي بملكية خاصة في الضفة، وقانون تعزيز ضم القدس، الذي في نهاية المطاف اضطرت الحكومة إلى وضع بند يلغي ضمنًا البند، الذي يتشدد في منع أي تغيير في الوضع القائم في القدس، في حال وجدت أغلبية حد أدنى في الكنيست "61 نائبًا"، تطلب تغيير وضعية المدينة، موضحًا أن "الكنيست" أقر خلال الدورة الشتوية، قانونًا يقضي بسريان قانون التعليم العالي الإسرائيلي على معاهد المستوطنات، بمعنى "الجامعة" في مستوطنة "أريئيل"، وكليتين أكاديميتين أخريين.
وأبرز التقرير بخصوص قانون القومية، الذي يلغي الحق الشرعي للشعب الفلسطيني في وطنه وعلى وطنه، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، يضغط لتمريره كليًا في الدورة الصيفية المقبلة، التي تبدأ في اليوم الأخير من الشهر الجاري، وبشأن أداء المعارضة البرلمانية، أكد أن المعارضة الحقيقة تقتصر على كتلة "القائمة المشتركة" بنوابها الـ "13"، وكتلة "ميرتس" بنوابها الـ "5"، في حين ازدادت مشاركة كتلتي "المعسكر الصهيوني" "24 نائبًا"، وكتلة "يوجد مستقبل" "11 نائبًا"، في هذه الفئة من القوانين، وبالذات "يوجد مستقبل"، التي بات كل نوابها الـ "11"، متورطين بقسم كبير من هذه القوانين.
وقال غرايسي: إن المشهد السياسي بات يبرز شبه الإجماع الصهيوني حول القوانين التي تقضي على الحق الفلسطيني في وطنه وعلى وطنه، وهذا تعزز أكثر بعد وصول ترامب وفريقه إلى البيت الأبيض، إذ أن التوجهات السياسية الظاهرة هناك، ساعدت على محو بعض الاستثناءات التي كنا نراها لدى بعض النواب، وأضاف "أن هذه الاحصائيات التي يعرضها التقرير تسجل الذروة تلو الذروة، ويتبين أن لا قاع للحضيض، وما نراه اليوم وكأنها مشاريع قوانين ليست واقعية، ولا أمل لها بدخول مسار التشريع، فإن حالها سيتغير لاحقًا، لأن قسمًا كبيرًا من القوانين التي أقرها "الكنيست" في الولاية الحالية، كانت في اطار "غير المعقول" حتى أعوام قليلة ماضية".
وأشار جبارين إلى أن التقرير يكشف عن عمق تورط الهيئة التشريعية "الكنيست"، في ترسيخ البرنامج السياسي لليمين الإسرائيلي، وفرض تشريعات تهدف إلى ترجمة هذا البرنامج السياسي المتطرف إلى خطوات عملية على أرض الواقع، بدء بالتشريعات حول تهويد القدس، مرورًا بالتشريعات حول توسيع الاستيطان، ووصولًا للتشريعات المعادية للمواطنين الفلسطينيين.
واستدرك جبارين "يمكن بهذا السياق تشخيص نوعين من القوانين المتعلقة بالفلسطينيين: من ناحية، قوانين تهدف إلى توسيع الاستيطان وتكريس نهب الأراضي والخيرات الفلسطينية، بما في ذلك بالقدس، ومن ناحية أخرى قوانين تهدف إلى تشديد العقوبات والإجراءات على الفلسطينيين الذين تتهمهم إسرائيل بمقاومة الاحتلال، وبهذا فهناك سياسة واضحة لمجمل هذه القوانين هي: إسدال الستار على حقوق الفلسطينيين التاريخية، عبر توسيع مشروع الاستيطان والضم، واتباع عقوبات انتقامية شديدة ضد كل فلسطيني يحاول معارضة هذه السياسة الإسرائيلية.
أما دويك، فركز على القانون الدولي كأداة يمكن توظيفها في مواجهة سياسات واجراءات الدولة العبرية، لافتًا إلى أن هذا القانون والآليات المرتبطة به على أهميتها، ليس بديلًا عن العمل النضالي والسياسي، وبيّن أن موقف القانون الدولي واضح إزاء الحقوق الفلسطينية، لكن تظل هناك إشكالية فيما يتصل بالشق الإجرائي "التطبيق"، موضحًا أن ما يجري في "الكنيست" من تسارع في سن قوانين بخصوص الاستيطان، لا ينفصل تاريخيًا عما هو قائم في إسرائيل في هذا المجال منذ تأسيسها، وإن كان هناك تنام في كم القوانين، منوهًا بضرورة أن تقوم الحركة الوطنية الفلسطينية بتبني خطاب حقوقي يرتبط بالقانون الدولي، وتابع: ربط قضيتنا بالإطار القانوني الدولي لا يزال ضعيفًا.
وكانت أشارت غانم، في مستهل الفعالية، إلى "أن تقرير القوانين، يعكس عمليًا نهجًا قائمًا في حكومات نتنياهو الثلاث الأخيرة، لا سيما الأخيرة، التي تتيح هذا أكثر من سابقاتها، بفعل تركيبتها، وذلك بغية حسم الصراع وفق رؤية يمينية استيطانية، تهدف إلى إغلاق المجال أمام حل الدولتين بصيغة مقبولة على الجانب الفلسطيني، ومأسسة الهرمية الأثنية في إسرائيل، مقابل الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة منذ 1967، من خلال أدوات التشريع المباشرة".
أرسل تعليقك