غادرت الفصائل الفلسطينية القاهرة، بعد جولة جديدة من محادثات المصالحة، لم ينتج عنها سوى بيان وصف بـ«الغموض»، وطرح عدة تساؤلات حول تسلم السلطة الفلسطينية مهامها بشكل كامل في قطاع غزة الأسبوع المقبل.
ولم يصدر عن هذه الاجتماعات، التي جرت الثلاثاء وأول من أمس الأربعاء وشاركت فيها 13 فصيلا، أبرزها حركتا فتح وحماس، سوى دعوة مبهمة إلى تنظيم انتخابات عامة قبل نهاية 2018، وتخويل الرئيس الفلسطيني محمود عباس تحديد موعدها بعد التشاور مع القوى كافة.
ووقعت حركتا حماس وفتح اتفاق المصالحة في 12 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث تسلمت السلطة الفلسطينية الوزارات والمعابر في القطاع بعدما كانت تخضع لسيطرة حماس لنحو عشر سنوات.
وفي بيان صدر أول من أمس، تجنبت الفصائل الفلسطينية الخوض في القضايا الشائكة التي تعرقل تطبيق اتفاق المصالحة، مثل السيطرة على الأمن في القطاع، أو إزالة الإجراءات العقابية التي فرضها عباس لإضعاف حماس على قطاع غزة. وقال بيان الفصائل إنها تدعو لجنة الانتخابات المركزية والجهات المعنية «لإنجاز جميع أعمالها التحضيرية لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني المتزامنة في موعد أقصاه نهاية 2018». لكن مسؤول ملف المصالحة في حركة فتح عزام الأحمد قال إنه ليس بإمكانه ضمان إجراء انتخابات في عام 2018، موضحا: «قلت بأننا وعدنا»، فيما اعتبر الوزير السابق غسان الخطيب، نائب رئيس جامعة بيرزيت قرب رام الله، أن الجانبين يسعيان «لإيهام» الفلسطينيين. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية إنه بعد أن «رفعوا سقف التوقعات في الجولة السابقة (من محادثات المصالحة)، ولم يحققوا أي تقدم في هذه الجولة، لم يكن بإمكانهم مواجهة الجمهور، فتحدثوا عن اتفاقات لتنفيذها لاحقا لإيهامه».
بدوره، قال ناجي شراب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة، إن بيان الفصائل «اتسم بالغموض والعمومية»، مؤكدا أن البيان «أظهر التباين الكبير في مفهوم تمكين الحكومة، فحركة فتح تريد تمكينا شاملا كاملا، ولم تحسم أو تحل أيا من الملفات حتى أبسطها، مثل إجراءات السلطة في غزة، ما يؤكد التباين، وهذا محبط للناس».
وفي شريط فيديو انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قال صلاح البردويل، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، إن السلطة الفلسطينية لم تقدم شيئا «حتى لا نغضب الولايات المتحدة وإسرائيل، وحتى لا نستفز أطرافا أخرى». وأضاف موضحا: «لقد خرجنا باتفاق ولكن بلا معنى، وبلا آليات تطبيق»، مبرزا أن حركته «عملت بكل ما لديها من قوة من أجل العودة بنتائج عملية تحقق ما يصبو إليه المواطنون من رفع للعقوبات، وفتح المعابر، والتقدم في مجالات المصالحة، ولكن لم تستطع تحقيق ذلك... واضح أن هناك تنكرا لما تم التوافق عليه والهروب، ووصلنا لهذه النتيجة الباهتة التي لا تلبي طموحات شعبنا».
وبعد انتشار الفيديو على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، ظهر البردويل في فيديو آخر اعتذر فيه عن الفيديو الأول، وقال إنه «التقط خلسة»، معتذرا عما وصفه بـ«حديث عاطفي».
من جهته، كشف عزام الأحمد، رئيس وفد حركة فتح للمصالحة، أن غالبية الوزراء واجهوا صعوبات كبيرة في تسلم مهامهم، موضحا أن هناك عقبات حقيقية تواجه عمل الحكومة.
ولفت الأحمد إلى أن اجتماعات القاهرة بحثت ملف تمكين حكومة التوافق لبسط سيطرتها بشكل كامل على القطاع، وفقا للقوانين الفلسطينية المعمول بها، ودون تدخل من أي جهة، مشيرا إلى أن اجتماعا سيعقد في الأول من ديسمبر (كانون الأول) المقبل في القاهرة مع حركة حماس من أجل مناقشة ملف تمكين الحكومة، وذلك اتفاق الفصائل على ضرورة أن تبسط الحكومة سيطرتها بشكل كامل على القطاع، داعيا الكل إلى مساعدة الحكومة للقيام بمهامها وواجباتها، كما تم الاتفاق على ذلك خلال لقاءات القاهرة خلال اليومين الماضيين.
وأضاف الأحمد أن حوارات القاهرة بحثت أيضا ملفات أخرى، منها ملف منظمة التحرير والمصالحة المجتمعية والحريات، مشيرا إلى أنه سيتم البحث في ملف المنظمة بشكل أكبر، إلى جانب ملفات الانتخابات، وتشكيل حكومة وحدة وطنية خلال اللقاءات التي ستعقد في فبراير (شباط) المقبل، وملف الموظفين. كما شدد على أن جميع الأطراف اتفقت على أن إجراء الانتخابات يجب أن يكون بتمكين الحكومة من مهامها للإشراف على عملية الانتخابات وتمويلها، وتأمين مراكز الاقتراع، معتبرا أن تمكين الحكومة يشكل 90 في المائة من خريطة الطريق لهذه الملفات.
وبخصوص رواتب موظفي حكومة حماس سابقا، لفت الأحمد إلى أن هذا الأمر مرتبط بتمكين الحكومة وفقا لاتفاق الثاني عشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في القاهرة، مشيرا إلى أن هناك بحثا عن حلول لهذه المسألة المرتبطة أساسا بالتمكين وحصول الحكومة على الجباية والضرائب وغيرها.
وتوافقت بعض الفصائل على أن الاتفاق لا يلبي الحد الأدنى من التطلعات للمصالحة، إذ قال فهد سليمان، نائب أمين عام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، إن البيان الختامي جاء محكوما بالظروف والسياقات السياسية التي انعقد الحوار في ظلها، فلسطينيا وعربيا ودوليا، وقال في تصريح صحافي: «ما تحقق خطوة مهمة يجب البناء عليها وتطويرها في جلسات الحوار المقبلة، وقرار العودة إلى الحوار مرة أخرى في فبراير المقبل لمراجعة ما تم تحقيقه يشكل في حد ذاته ضمانة لتسيير الأمور بما يخدم مصالح سكان القطاع والمصلحة الوطنية الفلسطينية العليا بشكل عام».
من جانبه، قال جميل مزهر، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، وعضو وفد المصالحة في القاهرة، إن الفصائل لم تحقق أي تقدم واضح بملفات المصالحة التي جرى بحثها في العاصمة المصرية، مشيرا إلى أن العقبات لا تزال تعترض الطريق، والأمور بحاجة إلى خطوات أكثر جدية وطرق مختلفة للنقاش والحوار لتحقيق المصالحة.
أرسل تعليقك