غزة ـ محمد حبيب
أصدر وزير "الأمن" "الإسرائيلي" موشيه يعالون الخميس كتابًا جاء تحت عُنوان "طريق طويلة قصيرة" الذي يقول فيه إنّه في العام 1982، بعد أنْ اجتاحت "إسرائيل" لبنان واحتلّت العاصمة اللبنانيّة بيروت، تمكّنت المُخابرات "الإسرائيليّة" من تحديد مكان تواجد الرئيس الفلسطينيّ الراحل، الشهيد ياسر عرفات، لافتًا إلى أنّه صوبّ البندقيّة باتجاه عرفات لقتله، وعندما أراد الضغط على الزناد لقتله، قال يعلون، الذي كان ضابطًا رفيع المُستوى في جيش الاحتلال، وصلت الأوامر من القيادة العليا بعدم اغتياله، على حدّ زعمه.
ويؤكّد وزير "الأمن" "الإسرائيليّ" في كتابه على أنّ عرفات، وعلى الرغم من توقيعه على اتفاق أوسلو مع الدولة العبرية في أيلول/سبتمبر من العام 1993، لم يتنازل ولو لمرّةٍ واحدة عن فكرته الأساسية للقضاء على "إسرائيل". وساق وزير "الحرب" قائلاً إنّ الراحل عرفات أراد أنْ يؤسس دولة فلسطين على أنقاض دولة "إسرائيل"، وأنّه كان من أشّد الفلسطينيين تزمتًا ومحافظًا على فلسطين، وهو الذي رفع القضية الفلسطينية عاليًا، وتمكّن من إقناع الرأي العام العالميّ بعدالة القضية الفلسطينيّة، على حدّ وصفه.
ويذكر يعالون أيضًا في كتابه، الذي جاء باللغة العبرية في 287 صفحة من الحجم المتوسط، إنّه راقب الرئيس عرفات منذ العام 1995، عندما كان رئيسًا لشعبة الاستخبارات العسكرية، وتبيّن له أن عرفات تمكّن عن طريق ما أسماها بالألاعيب من التحّول إلى زعيمٍ عربيٍّ مسلمٍ مشهورٍ في العالم، يقود ثورة شعب يرزح تحت نير الاحتلال، كما تمكّن بدهائه الشديد من إقناع الرأي العام العالمي، بأنّ الشعب الفلسطيني يُمارس المقاومة من أجل التحرير، ويرفض دائمًا الاعتراف بأنّه نفذ أعمالاً وصفها يعالون بالمتطرفة.
واللافت أنّه في الفصل الذي يتحدث فيه عن الرئيس الراحل عرفات، والذي جاء تحت عنوان "عرفات، الثورة هي أنا"، كشف النقاب عن العلاقات المشكوك في أمرها بين عرفات وبين عدد من قادة الأجهزة الأمنية "الإسرائيلية" سابقًا، مثل يوسي غينوسار، الذي كان نائبًا لرئيس جهاز الأمن العام "الشاباك"، ومن ثمّ تحولّ إلى مبعوثٍ شخصيٍّ لرئيس الوزراء "الإسرائيليّ" الأسبق ايهود باراك، وأوصل رسائل من قادة الدولة العبرية إلى الرئيس عرفات.
ويزعم يعالون في كتابه أنّ الرئيس عرفات استعمل مع غينوسار ومع غيره من القادة "الإسرائيليين" أسلوب الفساد والرشا، للحصول على مكاسب في الصراع مع "إسرائيل"، وأنّه نفذ هذه الأعمال مع "الإسرائيليين" بواسطة مستشاره الخاص محمد رشيد. وساق يعالون قائلاً "إنّ عرفات تمكّن من نسج علاقات فاسدة مع مدير ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرئيل شارون المحامي دوف فايسغلاس، ومع نجل رئيس الوزراء النائب الأسبق عومري شارون".
وأضاف "إنّ المحامي فايسغلاس، الذي يمثل المليونير النمساوي مارتن شلاف، صاحب الكازينو في مدينة أريحا الفلسطينية، وَعَدَ الفلسطينيين بإزالة جميع الحواجز عن مدينة أريحا، خلافًا للاتفاق الذي تمّ التوصل إليه في الحكومة "الإسرائيلية"، الأمر الذي أدّى إلى تفجر المفاوضات بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين، حول هذا الموضوع، ووفق يعالون فإنّ تصرف فايسغلاس نبع من أنّه أراد تقديم مصالح المليونير النمساوي صاحب الكازينو.
ولفت يعالون حول الضغوط الأمريكيّة على "إسرائيل"، إنّه يتحتّم على قادة "إسرائيل" التحرر منها، وانتهاج سياسة حرّة دون الأخذ بعين الاعتبار المصالح الأمريكيّة، ويؤكّد على أنّ الأمريكيين، خلافًا للادعاء "الإسرائيلي" لم يؤيّدوا خطة فك الارتباط أحادية الجانب عن الفلسطينيين في قطاع غزة والتي نفذّها شارون في آب/أغسطس من العام 2005، لأنّهم أعربوا عن خشيتهم من أنّ الانسحاب "الإسرائيلي" من قطاع غزة سيؤثر سلبًا على حربهم المعلنة على الإسلام الراديكاليّ والجهاد العالميّ، لافتًا إلى أنّ العديد من الحكام "الإسرائيليين" يستعملون ورقة الضغط الأمريكيّة لتمرير سياسات لا يُوافق عليها الشعب "الإسرائيلي"، على حد قوله.
ويتطرّق يعالون أيضًا إلى قوّة المجتمع "الإسرائيلي" ويقول إنّه بات مجتمعًا ثريًّا وهشًا، ولا يريد التضحية في الحروب، مشيرًا في الوقت عينه إلى أنّ هذا النهج أخذ منحى قويًا منذ العام 1992، وأنّ الكثير من القرارات لم يتم تنفيذها خوفًا من سقوط القتلى، وأنّ هذا النهج، نهج التردد، هو الذي أدّى إلى الخسارة في حرب لبنان الثانية، وهو الذي يجعل القيادة "الإسرائيليّة" اليوم تتردد في توجيه ضربة عسكرية لحركة "حماس" في قطاع غزة، على حد وصفه، لأنّها قيادة ضعيفة جدًا، كما جاء في الكتاب.
أرسل تعليقك