القدس المحتلة - فلسطين اليوم
أحيت إسرائيل الذكرى السنوية السبعين لتأسيسها في ظل تخوفات على المشروع الصهيوني وما سيؤول إليه في السنوات والعقود المقبلة. ولم يكن من قبيل الصدفة أن تجري هذه الاحتفالات بأدوات عسكرية بارزة، وتركيز خطابات قادة هذه الدولة - خاصة رئيسها، رؤوفين ريفلين، ورئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، ورئيس أركان جيشها، غادي آيزنكوت – على إرسال تهديدات إلى فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة خصوصا، وإلى إيران. ويعتبر قادة إسرائيل هؤلاء، أو ما يظهرونه من خلال تصريحاتهم على الأقل، أن استمرار إسرائيل بالوجود يعتمد على "التفوق العسكري".
لكن هذا "التفوق العسكري" الإسرائيلي، على ما يبدو، ليس ضمانا لاستمرار وجود إسرائيل كما هي اليوم، أي كدولة تسيطر بشكل كامل ومطلق على المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط. وفي هذا السياق، يدخل خبراء الديمغرافيا على خط الصراع، ليحذروا من أن المستقبل ينذر بتغيرات من شأنها أن تكون مصيرية على وجود إسرائيل، إذا ما استمرت بسياستها الحالية تجاه الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
إذ نشر مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، هذا الأسبوع، معطيات حول عدد السكان بين النهر والبحر وتوقعات حول الوضع الديمغرافي بين النهر والبحر بعد ثلاثين عاما وكذلك حتى الهام 2065. ووفقا لمكتب الإحصاء، بلغ عدد سكان إسرائيل، في بداية العام الحالي، 8.8 مليون، بينهم 6.6 مليون يهودي (يشمل المستوطنون في الضفة الغربية) و400 ألف غير معرفين دينيا وهاجروا إلى إسرائيل بموجب "قانون العودة" وغالبيتهم من دول الاتحاد السوفييتي السابق. وبلغ عدد العرب 1.8 مليون نسمة، بينهم الفلسطينيون في القدس الشرقية المحتلة والسوريون في هضبة الجولان المحتلة.
هذه المعطيات إلى أنه في بداية عشرينيات القرن الحالي سيصل عدد سكان إسرائيل إلى عشرة ملايين، وسيصبح عدد السكان 15 مليونا في نهاية أربعينيات القرن الحالي، وإلى حوالي 20 مليونا في ستينيات القرن الحالي. ولفت الخبير الديمغرافي في الجامعة العبرية، البروفيسور سيرجيو ديلا فيرغولا، في مقال في صحيفة "هآرتس"، اليوم الجمعة، إلى أن هذه التوقعات الديمغرافية ليست نبوءة، وإنما "هي استقراء للأحداث المعروفة في مجتمع ولاتجاهات التغيير الحاصلة في أنماط العائلة ومستويات الصحة والهجرة". لكن هذه التوقعات، كما أشار ديلا فيرغولا، لا يمكنها أن تشمل أحداثا كارثية، مثل حروب عالمية وأوبئة فتاكة واصطدام نيازك بكوكب الأرض. ولعل أبرز مثال على أحداث تسببت بتغيرات ديمغرافية وغيرها من الفترة الأخيرة هو انهيار الاتحاد السوفييتي وتبعات ذلك على العالم وعلى إسرائيل أيضا، التي هاجر إليها أكثر من مليون من مواطنيه.
وأشار ديلا فيرغولا إلى بحث أجري في الجامعة العبرية في القدس، مؤخرا، وتبين منه أن عدد السكان سيزداد بسرعة بين اليهود وكذلك بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وربما يتضاعف عددهم، البالغ 13 مليونا حاليا، في منتصف القرن الواحد والعشرين. ووفقا لهذا الخبير، فإنه منذ الخمسينيات وحتى السبعينيات من القرن الماضي كانت وتيرة تزايد السكان اليهود سريعة (وبين أسباب ذلك تهجير الفلسطينيين والهجرة إلى إسرائيل)، وبعد ذلك كانت وتيرة تزايد الفلسطينيين أسرع، "وهذا الاتجاه يتوقع أن يستمر حتى ثلاثينيات القرن الحالي، وبعد ذلك يتوقع حدوث نمو أسرع قليلا للسكان اليهود. وسيعكس هذا التحول نسبة الحريديم بين مجمل اليهود في إسرائيل".
وتابع ديلا فيرغولا أن عدد اليهود بين النهر والبحر سيصل إلى 16 مليونا بحلول العام 2065، والعرب إلى 13 مليونا، ما يعني أن عدد السكان في هذه المنطقة سيصل إلى قرابة 30 مليونا. "لكن في حال أصبح نمو الحريديم أكثر اعتدالا نتيجة لزيادة اندماجهم في المجتمع وسوق العمل، فإن وتيرة نمو السكان اليهود ستتباطأ ونسبة السكان العرب سترتفع".
لذلك، رأى ديلا فيرغولا أن "هذه القضية معقدة، لأن سكان إسرائيل ليست مجموعة متجانسة. إنها مؤلفة من مجموعات مختلفة، ذات ملامح ثقافية وديمغرافية متنوعة ومعدلات نمو مختلفة... وتدل التوقعات الجديدة أن قسما آخذا بالتزايد من السكان اليهود يعكس النمو الأكثر تسارعا لفئة الحريديم. وسترتفع نسبة الحريديم بين السكان اليهود من 14% في العام 2015 إلى 28% في العام 2045 و40% في العام 2065. وسيحافظ السكان العرب في إسرائيل (داخل "الخط الأخضر") على نسبتهم، حوالي 21% من مجمل السكان".
بحلول منتصف القرن الحالي سيشكل اليهود أغلبية 80% مقابل 20% عرب داخل "الخط الأخضر". لكن ديلا فيرغولا حذّر من أن "هذه الصورة ستتغير إذا تم شمل المناطق الفلسطينية وسكانها" في إشارة إلى استمرار الوضع الحالي وعدم حل الصراع وفي حل فرضت إسرائيل سيادتها على الضفة الغربية. "إذا أضفنا كل منطقة الضفة الغربية وكل سكانها إلى دولة إسرائيل، فإن الأغلبية اليهودية ستتقلص إلى 60%، ما يجعل مصطلح ’دولة يهودية وديمقراطية’ فاقدا لمعناه عمليا؛ وإذا أضفنا سكان غزة، فإن الأغلبية اليهودية ستتقلص إلى 50% وسيصل مشروع الدولة اليهودية إلى نهايته".
وأضاف هذا الخبير أنه "سيكون للتحولات الديمغرافية الحالية والمتوقعة تأثير حاسم على الطابع الثقافي والاقتصادي والسياسي المستقبلي، وخاصة على التوازن المتبادل بين إسرائيل وفلسطين. وتستوجب التأثيرات المتوقعة للديمغرافية انتباه قادة دولة إسرائيل والمسؤولين عن التخطيط الإستراتيجي".
وخلص ديلا فيرغولا إلى لفت الانتباه إلى توقعات الزيادة السكانية للحريديم وتأثير ذلك على إسرائيل. وكتب أن "الحقيقة الجديدة الظاهرة من التوقعات هي الربط بين نمو السكان اليهود عموما ونمو السكان الحريديم. وإذا تزايد السكان الحريديم بشكل ضئيل، ستتراجع نسبة الزيادة السكانية اليهودية كلها وسترتفع نسبة السكان العرب. من جهة ثانية، سيسمح الوزن المتزايد للحريديم بالحفاظ على التوازن الديمغرافي الحالي، لكنه سيطرح أسئلة أخرى: هل سيتمكنون من الاندماج بشكل أفضل في المجتمع والاقتصاد وتحسين مستوى حياتهم بواسطة تحصيل استقرار أكبر وتراجع الفقر وتعلقهم بالمخصصات الحكومية؟ وهل سيقود ذلك إلى تقلص العائلات الحريدية؟ الأمر المؤكد هو أن مفتاح المستقبل الديمغرافي لإسرائيل موجود بأيدي الحريديم. ويوجد في ديمغرافية دولة إسرائيل ما يشبه حلف مقدس بين الأجزاء المختلفة للمجتمع اليهودي. والنتيجة، في جميع الأحوال، أنه سيكون هناك مجتمعا إسرائيليا مختلفا بالكامل في منتصف القرن الـ21".
أرسل تعليقك