يحصل ملايين الأميركيين الآن على احتياجاتهم من الكهرباء، على الأقل جزئيًا، من ألواح الطاقة الشمسية التي انتشرت بسرعة البرق في جميع أنحاء الولايات المتحدة منذ عام 2010 نظرًا للوفر الناتج عن فارق الكلفة الكبير، فبالنسبة للمستهلكين، ومنهم أصحاب المنازل والأعمال والمرافق، وأيضًا للشركات التي تروج لها وتتولى إنتاج مولدات الطاقة الجديدة، فقد أثبتت ألواح الطاقة الشمسية جدواها إلى حد كبير، لكن بالنسبة للمصنعين الأميركيين، فتلك الألواح الرخيصة - خصوصًا التي جرى استيرادها بسعر زهيد من الخارج - لم تثبت نجاحًا، بل كانت سببًا في الدفع بعشرات المصنعين المحليين إلى حافة الإفلاس.
والآن، عاد المصنعون المحليون للنضال مجددًا في قضية تجارية غير عادية قد تكون سببًا في استصدار قرار نهائي بشأن التدخل الحكومي، أو التوصل إلى اقتراح بوصفة علاجية تكون في متناول الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
فقد أخذت الدعوى القضائية التي أقامتها لجنة التجارة الخارجية الأميركية في التبلور، لتصبح ضمن أول القرارات التجارية المهمة التي تتخذها إدارة الرئيس ترامب، وقد يكون للنتائج تأثيرها القوي الذي سيحدد ما إذا كانت صناعة الطاقة الشمسية الأميركية ستتمكن من المنافسة مع الوقود التقليدي، مثل الغاز الطبيعي والفحم، لإنتاج الكهرباء بكلفة أقل.
يذكر أن الصين - التي تمثل الخصم التجاري اللدود لترامب - لها مصالحها الخاصة مع طرفي النزاع، ووفق الدعوى المقامة، فإن المعدات زهيدة الثمن التي تصل الأسواق غالبًا ما تأتي من المصنعين الصينيين الذين قالت عنهم لجنة التجارة الأميركية في السابق إنهم يغرقون الأسواق بسلع زهيدة الكلفة، غير أن الشركة التي أقامت الدعوى الجديدة، ، هي الأخرى ذات أسهم غالبيتها مملوكة لشركة صينية، وتطالب الدعوى بفرض رسوم مرتفعة وضمانات تحدد الحد الأدنى لسعر البيع على بعض معدات توليد الطاقة الشمسية التي جرى تصنيعها خارج الولايات المتحدة.
ومن المقرر أن تصوت لجنة التجارة الأميركية على الدعوى قبل 22 سبتمبر "أيلول" المقبل، لترسل بالتوصيات إلى الرئيس قبل 13 نوفمبر "تشرين الثاني"، ورغم ذلك، بدأ الوضع الجديد في إعادة تشكيل السوق.
* زيادة الطين بلة
وارتفعت أسعار ألواح الطاقة الشمسية، في ظل الإقبال الكبير للمشترين قبل إصدار التعريفة الجديدة، وشعر مصنعو ألواح الطاقة الشمسية بالقلق من عدم قدرتهم على الوفاء بتعهداتهم بتوفير الطاقة بسعر "قد لا يكون اقتصاديًا"، في حال جرى تطبيق التعريفة الجديدة بأثر رجعي، وتسبب ذلك في رفع الكلفة عليهم.
ووفق شوان كرافتز، رئيس صندوق التحوط "اسبلاند كابيتال"، ومقره بوسطن، المعني بشركات إنتاج الطاقة الشمسية: "من شأن ذلك أن يزيد الطين بلة في السوق العالمية التي تعج بالمتنافسين، وسوف يكون هناك فائزون وخاسرون، لكن قائمة الخاسرين أطول".
وعلى الرغم من ثناء الإدارة الأميركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما ومديحها لشركة "سنيفا"، عبر صفحة البيت الأبيض على الإنترنت، حيث وصفت الشركة بأنها "قصة نجاح أميركية"، فقد أقامت الشركة الدعوى في أبريل "نيسان" الماضي، في ثاني مواجهة في الحرب الطويلة التي بدأت بين الولايات المتحدة والصين عام 2011. ويتركز النزاع في خلايا السيليكون البلورية التي تمثل المكون الأساسي لعملية إنتاج الكهرباء، وكذلك الألواح التي يجرى تجميع تلك الخلايا البلورية بداخلها.
وكانت شركة "سولار وورلد أميركاز"، التابعة لشركة ألمانية متخصصة في صناعة ألواح الطاقة الشمسية، التي أعلنت إفلاسها أخيرًا، قد أقامت دعوى تجارية مع 6 شركات محلية تعمل بالمجال نفسه، اتهموا فيها نظراءهم الصينيين باستغلال الدعم الحكومي دون حق في تمويل عملياتهم، ثم بيع منتجاتهم بسعر أقل من سعر التصنيع والشحن.
وفازت شركة "سولار وورلد"، التي انضمت إلى دعوى شركة "سنيفا"، بالدعوى، وبقضية ثانية ضمت تايوان، حيث تحول المصنعون الصينيون إلى استخدام الخلايا لتحاشي التعريفة المتوقعة.
خطط طموحة... ولكن
عند بداية فرض التعريفة الجديدة في 2012، التي تراوحت بين 20 في المائة إلى 55 في المائة لكبار مصنعي الخلايا والألواح، ارتفعت حظوظ المصنعين خارج الصين وتايوان، ومنهم شركات داخل الولايات المتحدة، مثل "سولار وورلد" و"سنيفا". وفي عام 2014، أعلنت شركة "سولار وورلد أميركاز"، ومقرها ولاية أوريغين، عن توسعات في مصنعها بقيمة 10 ملايين دولار أميركي، وعن خطط لتوظيف مئات العمال الإضافيين للوفاء بالطلبات المتزايدة على ألواح الطاقة.
ونشأت شركة "سنيفا" بفضل الأبحاث التي دعمتها الحكومة في معهد "جورجيا تك"، لتصبح أحد كبار المصنعين الأميركيين لخلايا الألواح الشمسية والمركبات الجاهزة، بيد أن المصنعين الصينيين الأكبر حجمًا الذين سيطروا على الأسواق العالمية استمروا في الضغط فيما يخص السعر، ونظرًا للحاجة الكبيرة لضخ المزيد من الأموال لتمويل التوسع المتوقع، باعت شركة "سنيفا" غالبية أسهمها عام 2015 إلى شركة "شانفنغ إنترناشيونال كلين إنيرجي" الصينية التي سعت للحصول على موطئ قدم لها فيما اعتبرته سوقًا أميركية رائجة.
بعد ذلك، جاء طوفان الألواح الجديدة زهيدة الثمن، بعدما شرع الصينيون في العمل وفي التعاقد مع مصانع في دول مثل ماليزيا وتايلاند وفيتنام، وهنا بدأت الدعوى القضائية، والعام الماضي، فكرت الحكومة الصينية في تخفيض الحوافز المحلية التي تقدمها لمشتري ألواح الطاقة الشمسية، مما أدى إلى تراجع الطلب عليها بدرجة كبيرة، وبالتالي إلى زيادة الكميات المعروضة، وفي المقابل، خفض المنتجون من أسعارهم، وهو ما انعكس على الأسعار عالميًا، ورغم أن الصين في النهاية قلصت من الدعم بدرجة ضئيلة، وانحصر التقليص على المصانع الكبيرة، فقد استمرت الأسعار في الانخفاض.
ومع تراجع أسعار الألواح لتصبح 40 سنتًا للواط بنهاية عام 2016، مقارنة بنحو 57 سنتًا عام 2015، ارتفعت معدلات تركيب الألواح الشمسية في الولايات المتحدة لتبلغ معدلات قياسية العام الماضي، مما جعل الطاقة الشمسية أكبر مصدر للطاقة الجديدة، لكن حصة السوق المحلية من إنتاج ألواح الطاقة التي تراجعت منذ عام 2013 واصلت الهبوط بواقع 11 في المائة عام 2016، مقارنة بنسبة 17.1 في المائة العام السابق، بحسب مؤسسة "آي بي آي إس وورلد" لأبحاث السوق.
منحنى الهبوط
في ظل هذه الظروف، لم تتمكن شركة "سنيفا" من المنافسة كمورد لألواح الطاقة، واضطرت إلى إغلاق مصنعيها في ولايتي ميتشغن وجورجيا، وسرحت نحو 250 عاملًا. وفي أبريل/نيسان من العام نفسه، لجأت إلى الفصل الحادي عشر من القانون التجاري بإعلان إفلاسها لحماية نفسها، وبعد ذلك بنحو أسبوع، حصلت الشركة على قرض من أحد دائنيها لمواصلة الدعوى التجارية التي أقامتها.
ونظرًا لأن مصير شركة "سنيفا" بات في يد محكمة الإفلاس، أعلنت شركة "شنفنغ" الصينية، في مايو "أيار" الماضي، عن توقفها عن مساندة القضية التجارية التي أقامتها "سنيفا"، بدعوى أنها "لا تصب في صالح صناعة الطاقة الشمسية العالمية"، وقالت شركة "شنفنغ"، في مارس "آذار" الماضي، إنها ستتولى إدارة استثمارات بقيمة 38 مليون دولار أميركي خاصة بشركة "سنيفا"، رغم أنها قد تستفيد لاحقًا في حال كسبت الشركة الدعوى.
وتتفق "سنيفا" على أنه نظرًا للأهمية العالمية لتجارة الطاقة الشمسية، فإن الصناعة الأميركية في حاجة إلى "غطاء واقٍ" لحمايتها من العمولات التجارية التي ستطبق على خلايا السيليكون البلورية، وعلى المركبات التي يجري تصنيعها في أي مكان في العالم خارج الولايات المتحدة الأميركية، وتجادل الدعوى بأن هذا هو السبيل الوحيد لحماية المصنعين من التعريفة و"الرسوم المراوغة" التي تستهدف دولًا بعينها، وذلك بعرض منتجاتهم في دول أخرى.
ووفق الدعوى المقامة، "فمن دون تعريفة عالمية، ستبدو الصناعة المحلية وكأنها تلعب لعبة الغميضة"، فالطريقة التي تعامل بها كبار منتجو العالم مع دعاوى مقاومة الإغراق ورسوم التعويض تظهر أن المساندة العالمية في هذا الشأن باتت مطلوبة.
الوجه الآخر للعملة
لكن الخصوم يقولون إن القضية تهدد الكثير من بين مئات الآلاف من العمال ممن باتوا مهددين بفقدان وظائفهم في ظل تباطؤ تلك الصناعة، ويشمل ذلك كل من يقوم بالتركيب والتمويل والإشراف على تطوير مشاريع الطاقة الشمسية الضخمة، وكذلك المصنعين للعناصر المساعدة في صناعة الألواح والأدوات التي تنظم تدفق الكهرباء من خلالها، وبحسب تقرير صادر عن مؤسسة أبحاث "جي تي إم" الاستشارية، التي تراقب صناعة الطاقة الشمسية وتوفر البيانات والتحليلات اللازمة للمجموعة التجارية الخاصة بتلك الصناعة، تحديدًا "اتحاد صناعات الطاقة الشمسية" الذي يتصدى بكل قوة لتلك الدعوى، ففي حال كانت نتائج التحقيقات في صالح شركة "سنيفا" فسوف يتراجع معدل التركيبات في السنوات الخمس المقبلة بواقع 50 في المائة.
والشيء الذي يضيف إلى عنصر الإثارة في هذه الصناعة هو الدور المرتقب للرئيس ترامب، الذي سيلعب دورًا بارزًا في تحديد كيفية الاستمرار حال توصلت اللجنة إلى أن الصناعة المحلية قد تضررت بالفعل من تدفق الواردات.
نقطة التكافؤ
ورغم أن الرئيس كان قد تعهد بزيادة فرص العمل في المجال الصناعي، فلم يكن الدعم الذي قدمه بالحجم الكبير نفسه الذي قدمه سلفه لقطاع الطاقة الشمسية، ويرى أنصار الطاقة الشمسية أنها سلاح مهم في معركة التغييرات المناخية، مما يضعف قدرتها على المنافسة العالمية اقتصاديًا في حال استمرت في توليد الطاقة باستخدام المصادر التقليدية، فيما يعرف بنقطة التكافؤ.
ووفق أبيغل روس هوبر، المدير التنفيذي لمجموعة الطاقة الشمسية التجارية: "تعد نقطة التكافؤ أمرًا بالغ الأهمية نظرًا لتركز المنافسة على السعر فقط"، مضيفًا: "لو أنك غيرت أساسيات تلك اللعبة، فمن شأن ذلك تعريض ما نفعله للخطر".
ولو أن الأمور سارت في صالح "سنيفا"، وفق المحللين، فستعود الفائدة على غيرها من المصنعين أيضًا، رغم أن حجم الصناعة قد يتقلص في السنوات القليلة المقبلة.
ويقوم مصنعون لخلايا السليكون الضوئية والألواح، تحديدًا شركتي "سنيفا" و"سولاريا"، بزيادة قدرتهما الإنتاجية بمصانعهما في كاليفورنيا. كذلك سيجري إنشاء مصنع "فيرست سولار" في مدينة تمبي، في ولاية أريزونا، الذي سيرفع من إنتاجه في مدينة بريسبغ، في ولاية أوهايو. وتعتمد الشركة بصفة أساسية على التصنيع في ماليزيا، لكنها تستخدم تكنولوجيا مختلفة، ولن تخضع للقيود التجارية، وفي حال تمكنت شركة "تسلا" من حل مشكلاتها، وتشغيل مصنعها في مدينة بفلو، وجعله يقف على قدميه بعد أن تعطل طويلًا، فسيعود النفع على تلك الصناعة.
وفي سياق متصل، أفاد أوشان يان، المدير التنفيذي لشركة "غريب سولار" التي تعمل في مجال توزيع الألواح، ومقرها مدينة إيغن في ولاية أوريغن، بأن كبار المصنعين الصينيين يدرسون بالفعل خيارات لافتتاح مصانعهم في الولايات المتحدة. وأضاف: "ما من سبيل آخر أمامهم لدخول الولايات المتحدة سوى عن طريق تصنيع الألواح داخل الولايات المتحدة، وأعتقد أن هذا هو الجانب الإيجابي".
أرسل تعليقك