بغداد – نجلاء الطائي
لا يخفى على أحد الوضع الأمني المتأزم في العراق الذي انعكس على الكثير من مرافق الحياة، ففي الوقت الذي يتفاخر فيه العالم بكثرة المستشفيات والجامعات، والمرافق الخدمية والاجتماعية، يتفاخر مسؤولو وزارة العدل ببناء سجون حديثة.
أكثر من 350 نزيلة تكتظ بهم قاعات سجن بغداد للنساء وزعن فيها تبعًا لنوع الحكم، فهناك محكومات بالإعدام والسجن المؤبد، وأخريات تراوحت أحكامهن بين المتوسطة والخفيفة ولأسباب شتى. بينهن من جاء بها القدر بعد أن تهاوت نفسها أمام الطمع، أو تلك التي دفعها الغيظ والحقد، أو من لم تصمد أمام نزوة من نزوات الدنيا فباعت نفسها بثمن بخس لمغريات الحياة وزخارفها. ففي حين أكدت منظمات نسوية وجود حالات اغتصاب في السجون، منتقدة بشدة عدم سماح السلطات لها بزيارة تلك السجون، سارعت وزارة العدل إلى نفي مسؤوليتها عن"أي انتهاك". وأعلنت في بيان أنها "غير مسؤولة عن تعرض سجينات للتعذيب والاغتصاب للحصول على الاعترافات"، لافتة إلى أن "عمليات التحقيق معهن تجري في سجون تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية.
وقالت هناء ادور سكرتيرة منظمة "الأمل" إن "وضع السجينات مأساوي وهناك مؤشرات كثيرة إلى أن حالات الاغتصاب أصبحت قاعدة وليست استثناء". مضيفة أن "وزارة العدل وإدارة السجون التفتت أخيرًا إلى ضرورة وضع كادر نسوي ليكون المسؤول عن المتهمات سواء أثناء التحقيق أو بعد الإدانة"، معتبرة أن "هذا الأمر لن يكون كافيًا؛ لأن بعض الشرطيات المسؤولات عن السجون قد يمارسن دور السمسرة.
وقالت إن "المطلوب أن تكون السجون مفتوحة أمام منظمات المجتمع المدني لتقدم خدمات تأهيلية إلى السجينات ولتراقب وضهعن".
وأكدت ادور أنها أثناء زيارة لها لسجن النساء في بغداد مع أحد موظفي وزارة العدل، دخلت السجن بعد أن جردوني من كاميراتي وجهاز التسجيل وبذلك فقدت جزءا من أسلحتي بصفتي صحافية، والحمد لله سمحوا لي باصطحاب قلمي وأوراقي ، المهم لدي هو أني الآن خلف القضبان لكن لمدة قصيرة قد لا تكون كافية لتدوين كل القصص لكنها كافية بالتأكيد لفتح الملف.
· نساء مخدوعات
تختلف وجوه النساء خلف القضبان الحديد عن تلك التي تعيش خارج القضبان؛ فوجوه النساء هنا يملؤها الحزن والتعب، وهي وجوه بلا أمل أو مستقبل ، والنساء هناك متعطشات للحديث رغم اختلاف نوع التعطش فهن معترفات ، متظلمات ، شاكيات ، باكيات ، متفاخرات ومتورطات. أولى محدثاتنا كانت ( ز) التي زرعت سكين المطبخ في جسد زوجها 16 مرة قبل أن يلفظ أنفاسه الخائنة على حد وصفها، فقد أخذ ما ورثته عن والدها وأحلى سِني عمرها ليخونها مع ابنة خالتها المطلقة التي آوتها وأطمعتها واعتبرتها أختها لتجازي الإحسان بالنكران.
لم تكن (ز) نادمة، بل أنها أقسمت أن عدد الطعنات لم يكن كافيا فهو يستحق أكثر مما جرى له لكنها نادمة أشد الندم لأن ابنة خالتها أفلتت من حد سكينها، لكنها لن تنجو من عدل الرحمن والكلام لـ (ز) .
وفي مكان ليس ببعيد عن (ز) كانت (ص) تبكي شاكية فهي لم تفعل شيئا يستحق السجن؛ لأن ما قامت به هو دفاعا عن النفس ضد ذئب بشري كان ينوي نهش عرضها، لكن القانون وقف بجانبه لأنه أحد عناصر الأمن؛ فحول الموضوع من تحرش جنسي إلى اعتداء على رجل أمن. وقصة (ص) بدأت منذ المراهقة مع ابن الجيران الفاشل دراسيا واجتماعيا لتدور الدوائر ويصبح أحد عناصر أمن هذا الزمان؛ فيتصور أنه أصبح بمقدوره أن يفعل ما تشتهي نفسه في بلد لا يزال القانون فيه يغط في نوم عميق، و(ص) لا ترغب في الخروج من السجن لأن سكين غسل العار تنتظرها كما أبلغها أخوها بعد أن طلقها زوجها خوفا من الفضيحة في بلد لا تزال الأعراف العشائرية عصية على بنود القانون.
· رؤوس مرفوعة
تقول (ع) أنها تشعر بالسعادة ورفعة الرأس لأنها قتلت جارهم الذي سبق أن كتب تقريرا أمنيا على أخويها الهاربين من الخدمة العسكرية في عهد النظام السابق؛ مما جعلهم قوتا لقانون أيام زمان؛ لذا انتقمت من قاتل أخويها وهي تقضي فترة سجنها بالتفرغ للعبادة وقراءة القرآن ولا تعتبر (ع) ما فعلته جريمة تغضب الله قائلة معللة العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص. وتختلف نظرة عائلة (ع) لها عن باقي زميلاتها في السجن فقد عقدت قرانها على أحد أولاد عمومتها الذي سينتظرها 10 سنوات أخرى قبل أن يتمكن من الزواج بها، والطريف أنها سمحت له بالزواج من خرى حتى تحافظ عليه من بنات الحرام (كما تعتقد).
ويبدو أن الرؤوس المرفوعة كثيرة في سجن النساء فها هي (أ) تؤكد أن ما قامت به لا يخالف الشريعة الإسلامية في شيء؛ فقد تزوجت عرفيا بتاجر عربي قبل 6 سنوات لكنه انقطع عنها لمدة سنتين دون أن يرسل لها فلسا واحدا، فما كان منها ألا أن سطت مع أخوتها على إحدى الشاحنات التجارية التي تعود للزوج الغني، لكن الشرطة كانت أقرب إليها من الحدود التي كانت تقصدها للهرب فزج بها للسجن وتقول (أ) لدي ورقة موقعة من طرفه تثبت أني زوجته، فهل تسجن المرأة لأنها أخذت شيئا من ممتلكات زوجها؟
· جرائم مجموعة
رغم ملامح الهدوء التي ترتسم على وجهها فإن (ب) موجودة في السجن لأنها قطعت زوجها إلى 5 قطع قبل أن ترمي بتلك القطع في نهر دجلة، معتقدة أن خيوط جريمتها محبكة إلى درجة لا يمكن اكتشافها، إلا أن عشيقها وشريكها في الجريمة كان رجلا مهزوزا ومدمن كحول؛ مما جعله يفضفض لزملاء الخمر بتفاصيل الجريمة ليعود مستنجدا باكيا على صدر الحبيبة قائلا لها إن أصدقائي يبتزوني فاستلت سكينها لتقضي على الأول بعد إغرائه بليلة حمراء في دارها، ودست السم للثاني أثناء وليمة عشاء في بيت عشيقها، لكن أمرها افتضح بعد القبض عليها وهي تحاول التخلص من أجزاء جسد القتيل الثالث؛ لتحكم بالإعدام قبل أن يخفف الحكم للسجن المؤبد لأنها مختلة عقليا بحسب اللجنة الطبية التي أخضعت لها، لكن زميلاتها يدعين أنها خدعت اللجنة.
· أصوات غير مسموعة
أسرت لنا بعض السجينات بأن السجن يخضع إلى متناقضات فكرية واجتماعية شتى؛ فالفكر الإسلامي المتشدد ينتشر بقوة مما يدفع ببعض السجينات إلى الانخراط بين صفوفه المختلفة للحصول على الأمان التي توفره بعض الأطراف داخل وخارج السجن بقوة الذراع تارة، وبقوة الجيوب تارة أخرى، بينما تنشط بشكل أكبر عصابات الدعارة المثلية التي تجبر بعض السجينات على أبشع وأشنع الأفعال، وتغرر بالبعض الآخر ناهيك عن تصوير الأفلام الخليعة بواسطة هواتف الموبايل المهربة إلى داخل السجن ليتم إخراجها بما تحتويه من صور خلال وسيطات إلى تجار أكبر خارج القضبان، كل هذا يحدث على مرأى ومسمع من إدارة السجن التي نخرها الفساد المالي والرشوة فأصبحت بلا حول ولا قوة.
وهناك عصابات المخدرات وهي تعمل بشكل مشترك مع عصابات الدعارة فيقايضون المخدرات بأجساد السجينات، ومن أكثر الأمور قسوة على مسامعي هو وجود ظاهرة زواج المثليات في السجن التي ترعاه عصابات الدعارة التي وسعت نشاطها بالتعامل مع عصابات الدعارة خارج السجن، فيتم إخراج بعض السجينات لأيام بحجج كثيرة وبالتعاون مع إدارة السجن. أما الفتاة (ج) فقصتها مختلفة عن الأخريات فيها من محافظة الأنبار مواليد 1995، وقد قضت نحو 5 سنوات في السجن وكانت مدة محكوميتها 10سنوات، تروي قصتها وهي مطأطأة الرأس تختلف عن السجينات التي تحدثت معهن، فهي خجول بالكاد تخرج الكلمات من فمها، سألتها عن قضيتها فقالت أنا متزوجة ولدي طفل الآن يبلغ الخامسة من عمره . هل كنتي حامل عند دخولك السجن؟ أجابت نعم، وبعد ولادتي بعام اضطررت لإعطاء طفلي إلى والدتي للعناية به ، وتستمر (ج) بالحديث في يوم جاء زوجي وطلب مني إيصال حقيبة عند إحدى السيطرات الموجودة في أطراف قضاء أبو غريب، فسألته ماذا توجد في الحقيبة؟ أجاب إنها أمانة لشخص، وقتها ذهبت مع زوجي إلى المكان المقرر وقرر الوقوف بعيدا بحجة وجود رجال أمن، واستمريت في السير حتى وصلت إلى المكان المتفق عليه ووضعت الحقيبة التي كانت ثقيلة جدا، وذهبت وبعد دقائق من ذهابي حصل انفجار كبير في مكان تركي الحقيبة ولم أعرف السبب حتى اعتقالي من قبل القوات الأمنية وكشف الحقيقة، سألتها عن زوجها؟ أجابت لم أعرف عنه شيئا حتى الآن وتتصور أنه ذهب إلى سورية.
وفي حادثة طريفة أدهشتني إجابتها، امرأة ذات الـ(50) من العمر، سعيدة من مكوثها بالسجن لتوفر الخدمات ومشاهدة التلفاز والمسكن. وتروي (س) مواليد 1990 قصتها بأنها مظلومة فقد كانت في زيارة إلى أقاربها في بغداد، وهي من سكان ديالي، وفي المساء فوجئت باقتحام القوات الأمنية المنزل وأخذ جميع ما في المنزل ، وبعد ذلك كشفت القصة التي كنت ضحيتها وهي أن أقاربي وكبير العائلة أحب فتاة فقرر الاثنان الزواج وهروبت الفتاة من منزلها ، علما بأن عائلة الفتاة ينتمون إلى أحد الأحزاب والمليشيات المتمكنة في بغداد، وسجن جميع ما في المنزل بحجة التستر على جريمة خطف.
· مطالب مشروعة
·
ملخص ما سمعناه.. تعيش النساء في سجون العراق تحت ظروف إنسانية صعبة وقاهرة من نواح عدة؛ فالوجبات الغذائية المقدمة لهن فقيرة وقليلة، وتفتقر السجون إلى أبسط الشروط الصحية والطبية، ناهيك عن انتشار ظواهر الإدمان والتحرش الجنسي المثلي، وحالات الحمل غير الشرعية، وتعرض السجينات إلى الضرب والتعذيب والعمل المضني في أعمال تجارية يدوية داخل السجن لا يعرف أحد أين تذهب مردوداتها المالية؛ لذا يطالب النساء بالنظر إليهن نظرة إنسانية فرغم كونهن قد اقترفن جرائم لكنهن يقضين فترة العقوبة القانونية؛ مما يجعلهن مواطنات مذنبات ولسن حيوانات يباح للجميع ضربهن وتعذيبهن واستغلالهن.
وقال السعدي الناطق الإعلامي لوزارة العدل في وقت سابق إن "عدد السجينات بتهم الإرهاب 300 سجينة، والوزارة مستمرة في عملها لنظر قضايا السجينات في أسرع وقت ممكن"، مضيفًا أن "هناك نحو 900 سجينة فـي السجـون العراقيـة التـي تشمـــل جميـــع محافظات العراق باستثنـاء إقليـم كردستـان".
متابع أن "التهم التي تشمل السجينات هي فساد إداري ومالـي وسرقـات واختـلاس أمـوال، وأخيـرا قضايـا إرهـاب". مضيفا أن "هذه الإحصاءات تشمل المحكومات والموقوفات على ذمة التحقيق"، مبينًا أن "وزارة العدل ماضية في إطلاق سراح جميع السجينات غير المتهمات بقضايا إرهابية، اللواتي ثبتت براءتهن من التهم المنسوبة إليهن، وتم نشر أسماء المفرج عنهن في الصحف المحلية مع تفاصيل تاريخ الإفراج ومحل سكناهن؛ لكيلا يكون هناك أي ذريعة بالتشكيك في الإجراءات المنفذة بإطلاق سراح". وبين السعدي أن "بعض سجون المحافظات تضم أقساما خاصة للنساء تكون مستقلة ومعزولة تماما عن السجن المركزي، مثل الأقسام الخاصة في سجن الناصرية المركزي، وسجن المعقل في محافظة البصرة، وقسم خاص للنساء في سجن السماوة".
وأكد الناطق الرسمي لوزارة حقوق الإنسان وجود 300 معتقلة بقضايا إرهابية في السجون العراقية.
موضحا وجود " ما يقارب 1000 سجينة في العراق، بينهن 250 - 300 محتجزة ومدانة بقضايا إرهابية"، مشيرا إلى أن "بقية القضايا تشمل قضايا إدارية وجنائية وقضايا شرف". لافتا إلى "توفر الخدمات في سجن النساء ولكن ليس بالمستوى المطلوب، إضافة إلى وجود مشاكل عدة من بينها أن العراق يوجد به سجن مركـزي وحیـد فـي بغداد مختـص بالنساء فقـط، والأمـر الذي يتطلب إنشاء سجون في عدد من المحافظـات الأخرى" .
وبين أن "هنالك 92 سجينة وموقوفة مشمولات بقانون العفو الخاص، رفعت طلباتهن إلى الدائرة القانونية في وزارة العدل، وهذا الأمر محط اهتمام لجنة المرأة النيابية، وأنها تجري متابعتها مع وزارة العدل لتسييرها بأقصى سرعة ممكنة". ونوه إلى أن "سجون المحافظات تحتوي أقساما خاصة بالنساء ولیست سجونا مركزية، ورغم اعترافنا بأن السجون معزولة ومستقلة فإن الأمر الأفضل يكون بإيجاد سجن خاص بالنساء مستقل تماما كإدارة وبناية وغيرها من الأمور".
وأكدت الناشطة النسوية تأميم العزاوي ضرورة الإسراع بحسم ملفات المحتجزات من النساء في أسرع وقت. مضيفة أن "ملفات المحتجزات من النساء يجب حسمها في مدة زمنية قصيرة وفق المعايير القانونية والإسراع في إصدار الحكم عليهن؛ لأنهن مرتبطات بظروف اجتماعية تتطلب من القضاء العراقي زيادة الجهد المترتب عليه وحسم تلك القضايا". مشددة على "وجوب إعطاء الأولويـة للنساء ذوات الظـروف الإنسانية والاجتماعية الملحة كالمصابـات بالأمـراض الخبيثـة"، وأشادت بالجهود والمعاملة التي يقوم بها كادر السجون وبالأخص مديرية سجن النساء في رعاية الموقوفات المريضات والتعامل الإنساني مع الجميع". مشيرة إلى "أهمية مراعاة حقوق الإنسان في التعامل مع السجينات وعدم الإطالة والمماطلة في القضايا؛ لأنها تكلف الدولة الكثير من الأموال والأعباء".
أرسل تعليقك