في عصرنا الحالي، أصبح الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي مصدراً أساسياً لتبادل المعلومات والآراء، مما جعل المعلومات تنتشر بسرعة كبيرة. ومن بين المقولات الشهيرة التي تلخص هذا الواقع: "الأكاذيب تسافر حول العالم قبل أن ترتدي الحقيقة حذاءها"، وهي مقولة تنطبق بشكل خاص على ما نراه اليوم في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.
ومؤخراً، أعلنت مجموعة "ميتا"، المالكة لمنصات فيسبوك وإنستغرام وواتساب، عن قرارها بإلغاء برنامج تدقيق الحقائق على منصاتها في الولايات المتحدة، وهو القرار الذي أثار جدلاً واسعاً وأدى إلى مناقشات ساخنة حول تأثير هذا القرار على المستخدمين وعلى مصداقية المعلومات التي يتم تداولها عبر هذه المنصات.
من جهته، يعتقد بعض الناس أن تدقيق الحقائق هو أداة قمعية تحد من حرية التعبير، بينما يرى آخرون أن إلغاء هذا البرنامج سيؤدي إلى انتشار المعلومات المضللة بشكل أكبر، وقد يكون له آثار سلبية على المجتمع، حيث يمكن أن ينتشر خطاب الكراهية والتحريض على العنف. وهذا يطرح سؤالاً مهماً: ماذا يعني هذا القرار بالنسبة للمستخدم العادي؟ وهل سيؤثر على مصداقية المعلومات التي تصل إليه؟
في البداية، من المهم أن نفهم كيف كان برنامج تدقيق الحقائق يعمل في الماضي. فقد بدأت وسائل الإعلام التقليدية منذ فترة طويلة في اتباع ممارسات لتحري الدقة والوقوف على صحة المعلومات، حيث كانت الصحف الكبرى والمجلات تحرص على تصحيح الأخطاء وتقديم تقارير دقيقة للمواطنين. ومع بداية انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في العقدين الأخيرين، ظهرت تحديات جديدة في مواجهة المعلومات المغلوطة.
وكانت بعض المنصات، مثل فيسبوك، قد بدأت في الاعتماد على مدققي حقائق مستقلين لتحديد ما إذا كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم خاطئة. هذه التدابير تزايدت في السنوات الأخيرة، خاصة بعد أزمة الأخبار المزيفة التي ظهرت في الانتخابات الأمريكية عام 2016. واستمرت هذه الجهود في عام 2020، حينما تم وضع علامات تحذيرية على المنشورات التي قد تحتوي على معلومات خاطئة، سواء كانت تتعلق بالانتخابات أو وباء كوفيد-19.
ومع ذلك، قررت "ميتا" مؤخراً التوقف عن استخدام هذا النظام في الولايات المتحدة، مع استبداله بنظام "ملاحظات مجتمعية" يعتمد على رأي المستخدمين أنفسهم في تصنيف المعلومات. هذه الخطوة كانت محل انتقاد من العديد من الخبراء الذين حذروا من أن إلغاء تدقيق الحقائق قد يزيد من تفشي المعلومات الخاطئة.
من ناحية أخرى، أشار البعض إلى أن المدققين ليس لديهم السلطة لإزالة المحتوى المسيء أو تعليق الحسابات على المنصات، وأن تلك المسؤولية كانت تقع على عاتق "ميتا" فقط. لكن القرار الحالي يعطي مزيداً من الحرية للمستخدمين في تصنيف المحتوى بأنفسهم، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى نتائج متباينة. على الرغم من أن هذه الخطوة قد تقلل من الرقابة على المعلومات، إلا أنها قد تفتح الباب أمام تزايد المعلومات المضللة.
ويتوقع بعض الخبراء أن يؤدي إلغاء تدقيق الحقائق إلى تفشي المعلومات المضللة على المنصات الكبرى مثل فيسبوك وإنستغرام، خاصة في الدول التي لا توجد فيها صحافة حرة أو بيئة معلوماتية صحية. وتؤكد البروفيسورة رينيه هوبز، من جامعة رود أيلاند، أن الناس بحاجة إلى بيئة معلومات موسعة تشمل جميع الآراء والحقائق والخرافات على حد سواء، كي يتعلموا كيفية التمييز بين ما هو صحيح وما هو خاطئ.
على الرغم من هذه المخاوف، يجادل البعض الآخر بأن هذه التغييرات قد تتيح للمستخدمين فرصة للتعبير عن آرائهم بحرية أكبر دون تدخل من "ميتا" في تصنيف المحتوى. لكن هذا قد يؤدي إلى مشكلات في حالة وجود معلومات مضللة يتم ترويجها من قبل أفراد أو جهات ذات مصالح معينة، وهو ما قد يزيد من تعقيد المشكلة.
أما بالنسبة للمنصات الأخرى مثل "إكس" (تويتر سابقاً) التي تعتمد على "ملاحظات المجتمع"، فقد أظهرت الدراسات أن هذه الملاحظات قد تعتمد أكثر على الإجماع السياسي بدلاً من المعايير الدقيقة للتحقق من الحقائق، مما قد يقلل من فعاليتها في التصدي للمعلومات المغلوطة.
وفي النهاية، يبقى السؤال حول مستقبل المعلومات المضللة على الإنترنت في ظل غياب تدقيق الحقائق. قد يجد المستخدمون أنفسهم في وضع أكثر تحدياً، ويحتاجون إلى وعي أكبر بكيفية التعامل مع المحتوى المتداول، خاصة في ظل تضخم المعلومات المغلوطة.
ومن المهم أن نذكر أن بعض الخبراء يقترحون ضرورة تعزيز التثقيف الإعلامي وتعليم الأفراد كيفية التفكير النقدي من أجل مواجهة التحديات التي قد تظهر بسبب المعلومات المضللة. ويقولون إن هذا هو الحل الوحيد الذي سيساعد الأفراد على فحص المعلومات والتأكد من صحتها قبل اتخاذ أي مواقف أو اتخاذ قرارات بناءً على ما يتلقونه عبر منصات التواصل الاجتماعي.
أرسل تعليقك