ظهر الصحافي التركي كان دوندار في حالة معنوية جيدة بالنسبة لرجل يواجه إتهامات بالتجسس ويمكن أن واجه حكم بالسجن مدى الحياة، وعمل دوندار رئيس التحرير صحيفة جمهوريت التي تعتبر واحدة من المعاقل الأخيرة المتبقية لوسائل الاعلام المعارضة للرئيس التركي أردوغان, ومثل أمام المحكمة فيلم وثائقي أنتجه حول الفساد الحكومي، وهي واحدة من قضيتين مرفوعتين ضدته، وأطلق سراحه في شباط/فبراير بانتظار محاكمة للتجسس على خلفية نشره قصة الأسلحة إلى سورية, وصرح كان في مقابلة له " تركيا لم تكن أبدا جنة بالنسبة للصحفيين، ولكنها أيضا لم تكن جحيمًا مثل اليوم، فاليوم الصحفيون في خطر أكبر من أي وقت مضى ويحتاجون للكثير من الشجاعة والثقة بالنفس، فنحن نتعرض للمطاردة مثل فترة المكارثية في أميركا في الخسمينات."
ويُؤكّد الصحافيون أن وسائل الإعلام المحلية التركية تتعرض لواحدة من أسوأ حالات القمع ضد حرية الصحافة منذ حكم المجلس العسكري في الخمسينات، وفتحت النيابة العامة ما يقرب من 2000 قضية من الشتائم ضد الرئيس منذ توليه السلطة في عام 2014، وظهر بعض الصحفيين البارزين في المحكمة مرتين أو ثلاثة في الأسبوع، وضرب الصحفيين الاكراد واعتقلوا في جنوب شرق البلاد، فيما تعرض الصحفيون الأجانب الى المضايقة أو رحلوا من تركيا.
وتحتل تركيا المركز 152 من بين 180 دولة في المؤشر العالمي لحرية الصحافة الذي نشره مراسلون بلا حدود، واعتقل دوندار في تشرين الأول/نوفمبر مع رئيس صحيفة جمهوريت ارديم غول من مكتبهم في أنقرة، ووجهت لهم تهمة التجسس وإفشاء اسرار الدولة ووضعوا في السجن.
ونشرت قصة الأسلحة قبل ستة أشهر، وجاء فيها أن جهاز المخابرات التركية كان يرسل أسلحة للمتمردين الذين يقاتلون بشار الأسد في سورية تحت ستار المساعدات الإنسانية، ويتعرض أيضا الاكاديميون الى المحاكمات بتهم نشر دعاية الانفصاليين، ويحظر عمل حزب العمال الكردستاني، في مناخ من الخوف والترهيب الذي يصفه الصحافيون بمحاولة لإسكات الصحافة الناقدة.
وأشار مراسل يعمل لحسابه الخاص وممثل لجة حماية الصحفيين في البلاد أزعور أوغريت, "اغتيل عدد من الصحفيين، ولدينا كل أنواع المشاكل." في إشارة الى مقتل عدد من الصحفيين، وتلقى الصحفي المؤيد للأكراد قدري باغودو تهديدات عديدة بالقتل بسبب تغطيته، وتقل على أيدي مسلحين مجهولين في تشرين الاول/أكتوبر عام 2014، وقتل عدد آخر من النشطاء والاعلاميين السوريين في تركيا على يد عناصر في داعش.
وما يزال أردوغان يتمتع بشعبية ونفوذ كبيرين، وقد فاز حزب العدالة والتنمية الاسلامي بالأغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، ويشهد هذا البلد استقطابًا عميقًا حيث يحتدم التوتر مع الاكراد في الجنوب الشرقي والهجمات التي تنفذها داعش في أنقرة واسطنبول, وأضاف أوغريت " الشيء الوحيد الذي يوحدنا في هذا البلد و حبنا للقطط وكرة القدم، ولكن اذا ضرب أحدهم قطة فسيتعرض للتنكيل من الكماليين والإسلاميين والإشتراكيين."
ويشير صحافيون وخبراء إلى أن الهجمات على حرية الصحافة في تركيا هي علامة على تعصف أردوغان ضد الانتقادات واعراض صراع أكبر بين الرئيس وأنصار خلفه السابق فتح الله غولن، وهو سياسي يعيش اليوم في المنفى في ولاية بنسلفانيا، ويظن أردوغان أن العديد من مؤيدي خلفه في القضاء والشرطة يشكلون الدولة الموازية التي تسعى للإطاحة به.
واستطاع غولن بمساعدة القضاء التركي الاطاحة بمئات من أفراد المؤسسة العسكرية العلمانية، ولكن انقلب الأصدقاء على بضعهم فيما بعد، وترددت الأنباء عن قضايا فساد كبيرة في الدائرة المقربة من أردوغان منذ عام 2013، ويفترض أن مناصري غولن سربوا هذه المعلومات وخلقوا فضيحة أجبرت الكثير من المسؤولين الحكوميين على الإستقالة وسط اتهامات غاضبة بمحاولة الإنقلاب.
ويعتقد معارضو أردوغان أن مناصري غولن أقوياء لدرجة أنهم يستطيعون إسقاط الحكومة، أو ربما يستطيعون التخلص من المنافسين الآخرين الذين كانوا موجودين في تحالف أردوغان مع غولن السابق، وأيا كان السبب فان مجموعة غولن التي تسمى حزمت سرعان ما سقطت من دائرة المصالح، واتهمت الشركات الإعلامية المرتبطة بها بتمويل ودعم الإرهاب، واستطاع أشخاص عينتهم الحكومة الإستيلاء على أكبر هذه المؤسسات الاعلامية الموالية لغولن من بينها موزا ايبيك القابضة وفيزا التي تملك صحيفة زمان.
وكانت صحيفة زمان واحدة من أكبر الصحف المتداولة في تركيا، ولكنها أصبحت اليوم موالية للحكومة بعد غض القائمون عليها مبدأ الحياد، فيما أغلبية كتابها ومحرريها المعروفين يواجهون المنفى.
وبقي القليل من الصحافيين في هذا الصراع منهم صحفي زمان السابق ليفينت كنيز الذي يعمل محرر في الصحيفة الموالية لغولن ميدان، والتي انخفض عدد توزيعها في البلاد من 100 ألف الى 40 ألف بعد أن سيطرت الحكومة على الشركة الموزعة، وقطع المعلنون في الصحيفة بضغط م الحكومة علاقاتهم معها, ويوضح ليفينت " استيقظ كل يوم وأقول الحمد لله أننا سنتمكن من النشر اليوم، فهذه نفسيتنا اليوم."
وتسيطر الدولة الآن على معظم وسائل الاعلام البارزة في تركيا، وتابع دوندار, " يريد أردوغان أن يكون سلطانا، ليس على تركيا فقط بل على كل المنطقة، لذلك يريد منع أي انتقاد، هذا جزء أساسي من الصرع السياسي بالطبع، لوقف كل الانتقادات، ليس فقط في الصحافة ولكن في التلفزيون ولدى الفنانين والأكاديميين، فهو يكر النقد، لذلك فالسجون التركية ممتلئة."
وينكر الصحافيون الموالين للحكومة ووسائل الاعلام الحكومية أي هجوم على حرية الصحافة، ويعترفون بعملية استحواذ الحكومة على وسائل الاعلام ويعتبرونها محرجة لتركيا، ولكنهم يعتقدون أن الصحفيين المرتبطين بغولن ليسوا صحفيين حقيقيين، ولكنهم يشكلون طائفة غامضة عازمة على الاطاحة بالحكومة، ويصرون ان الصحافة المعارضة نابضة بالحياة، مشيرا الى صحيفة سوزكو التي تسخر منا لرئيس دائما، والتي تنشر أعمدة تنتقده.
ويبين أمين المظالم في صحيفة دايلي صباح الموالية إلى حزب العدالة والتنمية ابراهيم التاي " يريد موالي غولن أن يستولوا على كل شيء، وهناك الكثير من المؤامرات كي يصلوا الى هدفهم، وانشأوا حكومة ظل تأخذ الأمور من غولن، وهذا غير مقبول تحت أي ظرف من الظروف، أريد لبلدي أن تكون دولة علمانية."
وأوضحت محررة الرأي في الصحفية مريم أطلس أنه ما يزال هناك الكثير من العمل كي تصبح تركيا أكثر ديمقراطية وشفافية، ولكن الصحافة الدولية تبالغ في مشكلة تركيا، وتتابع أن بيئة الاعلام في البلاد تتسم بحرية أكبر مما كانت عليه أيام الحكم العسكري.
ويقول صحافيون معارضون في تركيا إن معركة سياسية مع أنصار غولن استخدمت كذريعة لإغلاق كل الانتقادات بما فيها الغير مواليه لغولن، من بينهم دوندار الذي يعتبر علماني قوي اتهم في البداية بالتواطؤ مع حزمت في قصة شحنة الأسلحة، إلا أن القاضي نفى هذه الإدعاءات، وما زال الرجل يواجه تهما بالتجسس وإفشاء اسرار الدولة.
وتعهد دوندار بمواصلة القتال على الرغم من المحكمة، وأضاف " اذا كنت صحفيًا في تركيا أردوغان، فهذا يعني اما أن أكون سجين أم مشتبه به أو عاطل عن العمل، وفي المستقبل سنجد صحافة تركيا من المنفى."
وصرح وزير العدل التركي في آذار/مارس خلال جلسة برلمانية أن وزارته سمحت لحوالي 1845 قضية اساءة لرئيس الجمهورية أن تصل الى المحاكم منذ أن بدأت فترة ولايته في عام 2014، وبموجب القانون التركي والملاحقة القضائية، يتوجب موافقة الوزارة على هذه القضايا قبل أن تصل القضاء، ويقول منتقدون أن انتشار هذه القضايا علامة على وجود حملة واسعة ضد المعارضة.
وتحدد المادة 299 من قانون العقوبات عقوبة بالسجن لمدة تصل الى أربع سنوات للإهانة في الصحافة، ووفقا للجنة حماية الصحفيين فان أغلب الذين حوكموا من النشطاء والصحفيين والأكاديميين والفنانين.
وأوضحت لجنة حماية الصحافيين, " وان لم تؤدي هذه القضايا الى السجن ولكنها تؤثر سلبًا على الصحفيين، وتظهر باستمرار في المحكمة ضد الدفاع عن الحق في إبداء الرأي مما يؤدي إلى عرقلة الأنشطة المهنية.
وطلب الشهر الماضي محامي أردوغان من ألمانيا أن تسمح بمثول غان بوهيرمن الممثل الكوميدي الألماني للمحاكمة بتهمة قراءة قصيدة تسيء لأردوغان، وقبلت المستشارة الألمانية الطلب، وقالت إن الأمر متروك للمحاكم للبت في حدود حرية التعبير عن الرأي.
وصرح رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في مؤتمر صحفي في غازي عنتاب الأسبوع الماضي, " لا ينبغي على الصحافة أن تنفي احترام كرامة الانسان، وستتمكن الصحافة من الازدهار اذا احترمت كرامة الانسان، وهل ستكون الاهانات الموجه لرئيس دولة جزء من حرية الصحافة؟"
وانتقد العديد من الصحافيين في تركيا الاتحاد الأوروبي لعد التحدث عن قضايا حرية التعبير، واتهموا بروكسل بتأخير تقرير عن حقوق الانسان في تركيا حتى لا تعرض علاقاتها مع أنقرة للخطر وسط اتفاق اللاجئين، ويشير أنصار أردوغان الى ارتفاع السياسية اليمينية والخوف من الاسلام في أوروبا كدليل على نفاق أوروبا عندما يتعلق الامر بانتقادها لحرية التعبير في تركيا.
أرسل تعليقك