قرر رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، شن حملة إعلامية، ترمي إلى "نزع شرعية" المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، عقب إعلان المدعية في المحكمة فاتو بنسودا، في شأن إجراء دراسة أولية عن الوضع في فلسطين، في ضوء اتهامات لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب. وأعلنت صحيفة "هآرتس"، الإثنين، أنَّ "نتنياهو قرر، أثناء مداولات عقدها، الأحد، شن حملة إعلامية علنية، وهجومية، بهدف محاولة نزع شرعية المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، والمدعية بنسودا".
وأبرزت الصحيفة أنَّ "قرار نتنياهو هذا يأتي على الرغم من توصية وزارة الخارجية الإسرائيلية بعدم التعامل مع المحكمة، والمدعية، كعدو، وعدم مهاجمتهما بصورة مباشرة، لكن نتنياهو رفض هذه التوصية".
واعتبر نتنياهو، إعلان بنسودا، دليلاً على أنها "معادية لإسرائيل"، فيما قال موظف في مكتب رئيس حكومة إسرائيل، في ختام المداولات، إن "هدف هذه الخطوة كلها هو سلب إسرائيل الحق في الدفاع عن النفس، وتقييد يديها في الحرب ضد التطرف العنيف".
وشارك في المداولات، التي عقدها نتنياهو، وزير الحرب موشيه يعلون، وعدد من المسؤولين في جهاز الأمن ووزارة الخارجية ووزارة القضاء.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ "نائب مدير عام وزارة الخارجية جيرمي يسسخاروف، والمستشار القضائي للوزارة ايهود كينان، حاولا، أثناء المداولات، تهدئة الأجواء، وجعل رد الفعل الإسرائيلي معتدلاً. وأوضحا أنه رغم عدم رضا إسرائيل من قرار المدعية إلا أنه يحظر التعامل مع المدعية والمحكمة كأعداء. لأن تعاملاً كهذا لن يساعد في محاولة كبح الخطوة الفلسطينية في محكمة لاهاي".
ويعتقد المسؤولون في الخارجية الإسرائيلية أنّ "مهاجمة المحكمة والمدعية من شأنه إلحاق أضرار بمصلحة إسرائيل، ويجعل المدعية بنسودا تصر على مواقفها، وأوصوا بالعمل بطرق دبلوماسية هادئة، بغية إقناع دول بارزة في العالم بإصدار مواقف معارضة لتحقيق محتمل ضد إسرائيل".
في سياق متصل، طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) رسميًا، من طاقم قيادي فلسطيني، يضم مسؤولين سياسيين وأمنيين، البحث جديًا بوقف كل أشكال التنسيق الأمني مع إسرائيل في المرحلة المقبلة، واقتصارها فقط على "الأمور الحياتية"، على أن تبقى جهة الاتصال الوحيدة لدى هيئة الشؤون المدنية، كرد على عقاب إسرائيل بوقف تحويل عوائد الضرائب، وضمن استعداداته لتقديم طلب جديد لمجلس الأمن لإنهاء الاحتلال.
وكشف مصدر فلسطيني مطلع، أنّ "هناك تقييمًا يجريه مسؤولون فلسطينيون، بينهم مستشارون للرئيس وأعضاء في اللجنة التنفيذية ومسؤولون أمنيون، في شأن وقف التنسيق مع إسرائيل، لاسيما في مجال الأمن، والإبقاء على قناة اتصال وحيدة هي هيئة الشؤون المدنية".
وأوضح أنَّ "السلطة بات بإمكانها التوقف عن التنسيق الأمني، دون أن يكون لذلك ضرر عليها"، مبرزًا أنّ "اتخاذ هذه الخطوة بات قاب قوسين أو أدنى، وأن الجميع ينتظر في هذا الشأن قرارًا سياسيًا يصدره الرئيس عباس، وتلتزم به كل المؤسسات الفلسطينية الرسمية".
وبيّن أنَّ "السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية والمدنية، توقف أيّة عمليات اتصال، حال جرى اتخاذ القرار، إلا في إطار الخدمات الإنسانية"، لافتًا إلى أنّ "شيئًا من هذا القبيل أبلغ في وقت سابق لمسؤول إسرائيلي رفيع، لنقله إلى الحكومة الإسرائيلية".
وفي السياق نفسه، هدّد الرئيس عباس بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، في حال عرقلة التوجه الفلسطيني الجديد إلى مجلس الأمن الدولي بطلب الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية، وأشار إلى أنه "سيقوم بطرح الطلب مجددًا على مجلس الأمن، في الأيام المقبلة".
وأعلن الرئيس عباس، في تصريحات صحافية، "سنوقف التنسيق الأمني تمامًا في حال وضعوا العراقيل أمامنا مرة أخرى في مجلس الأمن، وسنحمل السلطة الإسرائيلية مسؤوليتها عن رام الله بالكامل، باعتبارها سلطة احتلال، وهو ما لن تطيقه لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة الأميركية".
ولفت إلى أنّ "خطوة وقف التنسيق الأمني ستكون في الأيام القليلة المقبلة"، نافيًا وجود اتصالات سرية بين السلطة وإسرائيل.
وبالتزامن مع بدء الخطوات الفلسطينية هذه، أفادت مصادر فلسطينية مطلعة أن مسؤولين فلسطينيين كثر، بينهم الدكتور صائب عريقات عضو اللجنة التنفيذية، أجروا اتصالات، في الأيام الماضية، مع مسؤولين دوليين، حذروا فيها من استمرار تعطيل عملية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، عبر تمرير المشروع الفلسطيني في المرة الثانية في مجلس الأمن.
وتم إخطار مسؤولين أجانب، لاسيما قناصل الدول الغربية، بأنّ الموظف الفلسطيني، ورجل الأمن، لن يستطيع القيام بدوره في ضوء تأخر دفع رواتبهم الشهرية، بسبب حجز الضرائب من طرف حكومة تل أبيب، وأن ذلك ينذر بانهيار السلطة الفلسطينية.
وكان المشروع الفلسطيني الذي قدمته القيادة لمجلس الأمن، في كانون الأول/ديسمبر الماضي، قد فشل قبل طرحه على مجلس الأمن رسميًا، لعدم حصوله على الأصوات التسعة، التي تدفع الولايات المتحدة إلى استخدام حق النقض "الفيتو".
ويطالب المشروع بإنهاء الاحتلال، خلال عامين، ويضع تصورًا لحل الصراع مع إسرائيل.
ولجأ الرئيس عباس، بعد الفشل الذي جاء بضغط أميركي إسرائيلي، إلى التوقيع على معاهدات دولية، منها الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، وعندها قررت إسرائيل معاقبة الفلسطينيين بوقف تحويل عوائد الضرائب الفلسطينية، ما أدخل السلطة في ضائقة مالية، تحول دون قدرتها على صرف رواتب موظفيها.
وفي إسرائيل، استمرت الهجمة على القيادة الفلسطينية، وتحديدًا الرئيس عباس، إذ طالب وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان بتفكيك السلطة بصيغتها القائمة، والبحث عن "بديل ملائم" لها بالتنسيق مع المجتمع الدولي.
وطالب ليبرمان، في تصريحات للإذاعة الإسرائيلية، بعزل الرئيس عباس، مستبعدًا تحقيق أي تقدم في مفاوضات السلام ما دام على رأس السلطة. ودعا لرد إسرائيلي على التوجه الفلسطيني إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، عبر تشجيع دول الغرب على وقف دعم السلطة الفلسطينية ماليًا.
وكان مسؤول ملف المفاوضات الفلسطيني الدكتور عريقات، قد أكّد أنَّ "ملف جرائم الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة، في الحرب الأخيرة والفترة السابقة، سيكون الأول الذي يعرضه الفلسطينيون على محكمة الجنايات الدولية، لمحاكمة قادة إسرائيل".
وفي ضوء تخوف حكومة تل أبيب من تعرضها وجنودها للإدانة، لاسيّما بعد ارتكابهم "جرائم حرب" في غزة، أجرى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اتصالاً هاتفيًا مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، طالب فيه واشنطن بالتدخل وإلغاء قرار فريق الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية مباشرة التحقيق التمهيدي في احتمال وقوع جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية، أثناء الحرب الأخيرة على غزة.
وكان نتنياهو قبل ذلك قد رفض القرار، وزعم أنه "ينطوي على فضيحة للمحكمة ذاتها، التي انزلقت إلى الدرك الأسفل من السخافة واللامعقول".
وأضاف "حركة حماس أعلنت في أعقاب قرار المحكمة الجنائية الدولية أنها ستقدم دعاوى ضد دولة إسرائيل"، مضيفًا "لن نستغرب إذا حذت منظمات إرهابية على شاكلة حزب الله، وداعش، والقاعدة، حذو حماس".
أرسل تعليقك