يسعى حزب "العمل" الإسرائيلي، الذي وقع قادته اتفاق أوسلو، مع منظمة التحرير الفلسطينية، إلى العودة مجددًا لصناعة القرار الإسرائيلي، بعد أن غُيب عنها منذ عام 2001.
وأبرز مركز "أطلس" للدراسات الإسرائيلية، الخميس، أنه "منذ هزيمة حزب العمل، برئاسة ايهود باراك عام 2001، وانضمام الحزب لاحقًا إلى معظم الحكومات الإسرائيلية التي شكلها حزب الليكود، أو المنشق عنه حزب "كاديما"؛ لم يعد الحزب، وكل كتل ما يعرف بأحزاب الوسط، يشكل منافسًا انتخابيًا جديًا لتشكيل الحكومة أمام الليكود، والقوى اليمينية والأصولية، حتى أنه لم يعد يؤمن بقدرته التنافسية، وتغيب عنه الثقة الذاتية، ويظهر ترددًا وتلعثمًا وتباكيًا، والكثير من التلون والنفاق".
وأضاف "يبدو أن مهمة الحزب، الذي أقام دولة الاحتلال، تنحصر اليوم بدور ورقة تين كبيرة لليمين، الذي يستكمل المشروع الاستيطاني الذي بدأه حزب العمل، أشبه بتبادل أدوار مخطط ومرسوم، مفهوم ومتفق تلقائيًا، دون أن يكتب أو ينعقد عليه قرار".
واعتبر أنَّ "توقيع قادة حزب العمل على اتفاق أوسلو، وتبني مبدأ التسوية السياسية على أساس حل الدولتين، وعضوية الحزب في اتحاد الأحزاب الاشتراكية، وحصول قادة الحزب شمعون بيرس وإسحاق رابين على جائزة نوبل للسلام عام 1995؛ كل ذلك منح الحزب رخصة دولية لتبييض الجرائم الاحتلالية، بما في ذلك الحروب والاستيطان والتنكر لاستحقاقات التسوية، وقدرة كبيرة على تشريع وتسويق وتسويغ حكومات اليمين وسياساتها".
وأشار مركز "أطلس" إلى أنَّ "شمعون بيرس، الذي تمتع بحضور كبير في أوروبا، وبمكانة الراعي والأب الروحي لصناعة السلام، كان شريكًا هامًا لارائيل شارون في كل جرائمه وعدوانه، بما في ذلك تحويل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إلى لا شريك، واتهامه بالإرهاب، ولاحقًا حصاره وقتله، ولعب دورًا هامًا في تقديم شارون للعواصم الأوروبية على أنه يقاتل بشجاعة من أجل السلام، تلك العواصم التي امتنعت عن الالتقاء بشارون، عندما كان وزير خارجية نتنياهو، وكان لا يزال ينظر إليه على أنه المجرم المدان بمجزرة صبرا وشاتيلا، وبيرس بصفته رئيسًا للدولة نجح كأمهر المحامين للدفاع عن سياسات نتنياهو".
وأوضح، أنّ رؤساء حزب "العمل" الآخرين، بن اليعازر وعمير بيرتس وباراك، كانوا شركاء في كل حكومات شارون وأولمرت ونتنياهو (باستثناء رئيس الحزب السابقة يحيموفيتش التي رفضت لاعتبارات غير سياسية الدخول في حكومة نتنياهو الأخيرة)، وكانوا وزراء حرب، وشنوا حروبًا تعتبر الأشرس على الضفة والقطاع ولبنان (2002 و2006 و2008 و2009).
وبيّن أنه "في ظل حكومات ائتلاف (العمل – الليكود) تقدمت بقوة وتسارع مشاريع الاستيطان وتهويد القدس وسياسات فرض الأمر الواقع، بما يقطع الطريق عمليًا على قيام الدولة الفلسطينية، والأخطر في كل ذلك أنها تمت تحت غطاء المفاوضات وبصمت وقبول دولي، وهو ما غاب عن حكومة نتنياهو الأخيرة".
وتابع "على الرغم من أن الرئيس السابقة لحزب العمل يحيموفيتش عبرت في حملتها الانتخابية آنذاك عام 2012 عن توجهات سياسية يمينية، واعتبرت الاستيطان يمثل إجماعًا إسرائيليًا، وهمشت الأجندة السياسية لصالح الاجتماعية؛ فإن مجرد عدم دخولها ائتلاف نتنياهو كان له مردود سلبي كبير جدًا على سياسات نتنياهو في الساحة الدولية، وأثر إيجابًا على الموقف الفلسطيني من المفاوضات".
وأردف "هذا لا يعني أننا نقول أن السبب الرئيس للحراك الدولي الإيجابي تجاه القضية الفلسطينية، بما في ذلك حركة المقاطعة والاعتراف بدولة فلسطين والموقف الفلسطيني الرافض للعودة للمفاوضات بآلياتها ومرجعياتها السابقة وتبني خيارات جديدة، يعود لوجود حزب العمل خارج ائتلاف نتنياهو، لكنه شكل سببًا وحافزًا مهمًا؛ إذ لم يكن نتنياهو مضطرًا لتبني خطاب العلاقات العامة الخاص بحزب العمل، الذي يتصف بالخداع والتضليل وبيع الأوهام، وينجح في احتواء الأزمات وفي تنفيس حالات التوتر والاحتقان الناتجة عن السياسات الاحتلالية على الأرض".
ولفت مركز "أطلس"، إلى أنه يبدو أنَّ حزب "العمل" لا يريد أن ينافس اليمين حقًا على قيادة الدولة، فهو يشعر أنه استنفد دورة القيادي والريادي، وعلى اليمين أن ينجز استكمال توسيع وتأمين المشروع الإسرائيلي، وأن مهمته تنحصر في التغطية وكسب الوقت لمقاتلي اليمين على الأرض.
واستطرد "بعد أقل من أربعين يومًا ستجرى الانتخابات، في السابع عشر من آذار/ مارس المقبل، ويتضح من المؤشرات الانتخابية أنّ كتلة (هرتسوغ – ليفني) تراوح مكانها، قرابة الـ 23 مقعدًا، وإذا ما بقيت كذلك لأيام مقبلة، فإن المراوحة بالمكان ستتحول إلى تراجع، وفقدان بعض المقاعد. في المقابل فإن الليكود يحصد مقاعد جديدة، ويتضح أكثر فأكثر أن عددًا من الأحزاب يتجهون للتوصية على نتنياهو بمهمة تشكيل الحكومة".
وأبرز أنّه "يعترف قادة في حزب العمل أنَّ مهمة هرتسوغ في تشكيل الحكومة المقبلة باتت شبه مستحيلة؛ الأمر الذي يعني أن الحزب في اليوم التالي للانتخابات سيقف أمام السؤال الأهم، الذي يحاولون التهرب من الإجابة عليه اليوم، وهو (هل سيذهب الحزب للمعارضة أم سينتظر دعوة نتنياهو له للمشاركة في الحكومة؟)، والاحتمال الأكبر أنهم سيشاركون في حكومة برئاسة نتنياهو".
واختتم مركز "أطلس" للدراسات الإسرائيلية بأنَّ "المسؤولية (الصهيونية)، والرغبة الشخصية الكبيرة لقيادات الحزب في الاستوزار، والخوف من التفكك والانشقاقات في الكتلة، فضلاً عن تبريرات العروض السخية المقدمة من جانب نتنياهو؛ كل ذلك سيشكل مبررًا قويًا لتسويغ المشاركة في ائتلاف نتنياهو، الذي سيريدهم بقوة، فهو بحاجة ماسة لهم، بغية وقف تدهور مكانة إسرائيل في العالم، ولتحسين العلاقات مع البيت الأبيض، لكن الأهم من كل ذلك أن مهمة (ليفني – هرتسوغ) ستكون إجهاض الحلم الفلسطيني".
أرسل تعليقك