بغداد ـ فاطمة سعداوي
سيطر مقاتلو تنظيم "داعش" على مدينة الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، في وقت مبكر من حزيران/ يونيو 2014، ومع حلول الذكرى السنوية الأولى لسقوط المدينة في يد التنظيم روى سكان المدينة تجاربهم في ظل حكم التنظيم المسلح.
وأوضح طبيب أعصاب وأب لطفلين، فارس غالب، أنَّ الموصل كانت على حافة البركان قبل شهرين من دخول مسلحي "داعش" إليها، فطالما اعتبرت الحكومة الشيعية في بغداد، الموصل محور "البعثيين"، مشيرًا إلى أنَّ ذلك يعود إلى أنَّ أغلب كبار الضباط في عهد الرئيس الراحل صدام حسين كانوا من الموصل.
وبيَّن أنَّه عندما دخل مسلحو "داعش" إلى الموصل، عاملو السكان المحليين باحترام، وأخلوا كل نقاط التفتيش التي فرضها الجيش وفتحوا الطرق، ولم يكن بإمكان السكان أن يصدقوا أعينهم بأنه لم يكن هناك جيشًا شيعيًا في المدينة، ولا محتجزين ولا رشاوى.
وأضاف أنَّه وبينما كان في المسجد لأداء صلاة الجمعة، قال إمام من "داعش": بعد الصلاة ستتعهدون بالولاء للخليفة أبوبكر البغدادي، أميركم"، وتابع الإمام: الكثير من الرجال أرادوا أن يهربوا لتجنب قسم الولاء، لكن تم إيقافهم من جانب مسلحين كانوا يحرسون المسجد، وبدأ الإمام يتلو القسم وهم يرددون وراءه.
وتابع: في الجمعة التالية، قال الإمام إنَّ البغدادي حدد موعدًا لكي ينسحب المسيحيون من المدينة بحلول ظهر السبت، وأنَّه طلب من كهنتهم أن يأتوا ويناقشوا الجزية التي ينبغي أن يدفعوها لم، وهم رفضوا. وعندما سأل غالب أحد رفاقه المسيحيين لماذا يرفض كهنتهم الذهاب للقاء "داعش"، رد قائلًا: إنَّ لديهم تجربة رهيبة مع التنظيم في سورية، وعندما ذهبوا للتفاوض معهم في حلب، لم يعودوا أبدا، والأمر ببساطة أنه لم تكن هناك ثقة.
وجرى وضع المسيحيين في الاختيار بين التحول للإسلام أو الهروب من الموصل أو أن يقتلوا. وأوضح له صديقه المسيحي أنَّ كثيرا من العائلات المسيحية في إحدى مناطق الموصل تحولوا للإسلام لأنهم فقراء ولا يستطيعون تحمل نفقات الفرار إلى أربيل.
ونوه إلى أنَّ مراقبي التنظيم في المستشفى التي يعمل بها قالوا له إنَّه طبيب الأعصاب الوحيد في المستشفى، وسمحوا له بفحص الجنسين، لكنه رفض وأصر على الحصول على فتوى تضمن عدم إدانته، وقيل له إنَّه لا يوجد مثل هذه الفتوى، وأنَّ هناك عدد قليل من المرضى من الإناث ترجوه لفحصهن، ولكنه اعتذر.
وأشار إلى أنَّه لا يستطيع أن ينسى أنه عندما تركت طبيبة التخدير الأنثى الوحيدة في المستشفى وظيفتها وكان هناك نساء يحتجن إلى عمليات ولادة قيصرية، وطلبوا مساعدة من مستشفى أخرى، وأرسلت طبيب تخدير رجل من أجل إنقاذ حياة المرضى، عندما وصل طبيب التخدير إلى المستشفى، منعه التنظيم من ممارسة عمله لكونه ذكرا، وتوفيت امرأتان في تلك الليلة.
ولفت إلى أنَّه يعرف أستاذ في جامعة الموصل قبض عليه من قبل "الشرطة الدينية" التابعة لـ"داعش" في غرفة الامتحانات النهائية مع أنثى زميله له وهم يقومان بتصحيح الاختبارات، كانت العقوبة المفروضة عليه أن يتزوج زميلته أو يحصل على 30 جلدة، ورفض الأستاذ لأنَّه كان لديه بالفعل زوجة والأطفال، وقبل الجلد. واختتم فارس بالقول غادرت الموصل مع زوجتي وطفلين في الآونة الأخيرة، وتوجهت إلى أربيل.
ومن جانبه؛ اعتبر بشير العزيز، وهو في كلية الدراسات العليا، ويبلغ من العمر 26 عامًا، ويدعم "داعش"، أنَّ الموصل قبل "داعش" كانت مثل سجن كبير مرعب، كان الرهان يوميا، على من يصل إلى المحاضرة أولا في الصباح، طبقا إلى الرحلة الطويلة إلى كلية العلوم في الموصل، التي كانت تقريبا مثل السفر إلى محافظة أخرى، وكان على الحافلة أن تقف في عدد لا يحصى من نقاط التفتيش العسكرية حيث كانوا ينظرون إلى البطاقات الشخصية للرجال، في كثير من الأحيان، فإن الحافلة بأكملها تتكبد الانتظار لمدة ساعة أو ساعتين بينما يضرب جندي أحد الركاب الذين تصادف وجوده وهو لا يحمل هويته.
وأضاف: "الدولة الإسلامية هي حلم ورغبة قصوى لأي مسلم، نحن نتوق إلى أن نحكم بقواعد القرآن الكريم والسنة النبوية لنبينا محمد"، متابعًا: الآن، عند كل آذان، تغلق جميع المحلات التجارية، ويجب على الرجال أن يطلقوا لحاهم، ويتم التعامل مع أي فعل زنا إما عن طريق الرجم أو جلدة، بالإضافة إلى أن عقوبة السلب والنهب هي قطع اليد وسجن الرجال لمضايقة النساء علنا.
وتابع: أنشئت وزارات "داعش" أقسام للصحة، والشكاوى، والوعظ والمساجد، والتعليم، والصدقة، والخدمات، مشيرًا إلى أنَّ قسم الصدقة هو المسؤول عن جمع الضرائب لتقسيمها بين الأسر المحتاجة، وتتلقى كل عائلة 25 دولارا شهريا، وهو مبلغ سيتم رفعه إلى 50 دولارا مع موسم الحصاد، بالإضافة إلى جزء كبير من القمح والأرز والسكر والمخللات وزيت الطعام والوقود.
وأوضح أنَّ وزارة "الصحة" تدير جميع المستشفيات في الموصل، والرقة والأنبار، وأنَّ "داعش" لا يوظف أي طبيب إذا لم يتعهد بولائه للدولة، وبدأ في إرسال الأطباء إلى محافظات أخرى إذا كانوا يفضلون البقاء في مدنهم.
واستطرد: في الآونة الأخيرة، افتتح سوق الحصري للنساء في الموصل لتمكينهم من القيام بالتسوق الخاصة بهم بسهولة، ولا يوجد أي حظر على قيادة النساء للسيارات، وتبذل بلدية "داعش" قصارى جهدها للحفاظ على الطرق نظيفة ومعبدة، ووضع أعمدة الإنارة، وتوفير المياه والكهرباء وإصلاح الأضرار الناجمة عن الضربات الجوية لقوات التحالف.
واستكمل حديثه: أشعر بالفخر كوني جزءًا من "داعش"، فقد منح لي الحرية، نحن نعيش في المجد الآن باستثناء الضربات الجوية لقوات التحالف التي نشرت حالة من الذعر والخوف بين المدنيين.
ونوه إلى أنه لا يتفق مع الممارسات ضد المسيحيين والإيزيديين وغيرهم من الأقليات في الموصل، وأنه لازال على اتصال مع جيرانه المسيحيين ويتمنى عودتهم قريبًا.
وأضاف: هناك أزمة مالية حادة في الموصل بسبب انعدام فرص العمل، فقط أولئك الذين يحصلون على رواتب شهرية من الحكومة في بغداد على قيد الحياة في الموصل، الناس لا يعرفون ما إذا كان "داعش" سيستمر إلى الأبد، أم إذا كانت المؤسسة العسكرية ستأتي وتنتقم من أولئك الذين كانوا يعملون لصالح التنظيم.
ومن جانبها؛ أكدت شيماء يوسف وهي أرملة وأم لأربعة أطفال، وتبلغ 33 عامًا، وقطعت يدها بعد اتهامها بالسرقة، أنَّها لم يكن لدي مطلق الحرية لتحديد نمط حياتي الخاص، وأنها تنحدر من عائلة من الطبقة المتوسطة في واحدة من أقدم الأحياء في مدينة الموصل المعبأة بالناس الذين يعيشون في بيوت صغيرة متهالكة.
وأضافت: يعتقد والدي، الذي كان يعمل في محل بقالة في الحي الذي كنا نعيش فيه، أنَّ الدراسة "مضيعة للوقت والمال"، وبصعوبة سمح لي بإكمال التعليم الابتدائي، وكان والدي يصر على تواجدي في المنزل لمساعدة والدتي في الأعمال المنزلية.
وتابعت: جاء أحد أقارب الذين كانوا يعملون في متجر لإصلاح السيارات في مدينة الموصل لطلب يدي، وفي اللحظة التي وقعت عيناي عليه، شعرت بأنني لا أستطيع العيش مع مثل هذا الرجل الذي بدا تقريبا مثل والدي، حيث يكبرني بـ10 أعوام وبدا جافا وصعب التعامل معه غير أنه غير متعلم، ببساطة، لم يكن رجل أحلامي. قلت والدي: "آسفة، أنا لست في عجلة من أمري على الزواج". وكان رد والدي: "إننا في عجلة من أمرنا، أنت 18 عامًا. وأفضل الزواج لكي من رجل من ذوي الدخل الجيد".
وأوضحت أنَّها بعد أن اجتاح "داعش" الموصل وسيطر على المشهد في المدينة نصحته زوجها بترك وظيفته والفرار إلى تركيا، وأعرب عن اقتناعه تقريبا، ولكني علمت أنه سيقتل قريبا إذا لم يساعد "داعش" في إصلاح السيارات المحطمة من قبل الجيش العراقي لاستخدامها في العمليات العسكرية.
ونوهت إلى أنَّها لن تنسى أبدا ذلك اليوم، عندما هرع زوجها في وقت مبكر من صباح يوم إلى معسكر مهجور في ضواحي الموصل لإصلاح المعدات العسكرية المدمرة التي تنتمي إلى "داعش" حيث قتل في غارة جوية.
وأشارت إلى أنَّها ناضلت للتعامل مع مطالب أطفالها اليومية، وباعت أساور ابنتها في متجر المجوهرات، وعندما ضاق بها الحال سرقت خاتمًا، وهناك استوقفها محقق من تنظيم "داعش" وسألها: لماذا سرقتي الخاتم؟ وأجابت وهي تبكي: أنا أرملة الشهيد وعندي أربعة أولاد، أنا في حاجة إلى المال لإطعام أطفالي ودفع الإيجار، رجاءً أعطني.
وتابعت: استجوبت من قبل اثنين من القضاة، وفي اليوم الثاني ربطت بقوة، وجاء رجل آخر بسيف في يده، عندما رأيته، بدأت في الصراخ: الرحمة، ارحمني، متابعةً: صرخت وتوسلت إليه أن يتركني وشأني، ولم أستطع أن أصدق المشهد بأكمله، واعتقدت أني كنت في كابوس، الرجل لم يتردد قبل قطع يدي اليسري في المعصم، تحول العالم كله إلى أسود في عيني وتخدرت ساقي. وأضافت لا توجد كلمات في القاموس البشرية يمكن أن تصف لي الألم والشعور في تلك اللحظة المرعبة. أغمي على الفور.
ومن جانبه؛ كشف هاشم زكي (33) عامًا، قطعت يده لسرقته السجائر، عن أنَّ تهريب التبغ في المدينة لم يتوقف بعد استيلاء "داعش" على الموصل، متابعًا: في صباح أحد الأيام، رأيت بائع يبيع جوارب الرجال ويخفي علب السجائر في الأسفل، وبدأ البائع في الركض بأسرع ما رآه بعد أن شاهد دورية "الحسبة" قادمة تجاهه.
وأضاف هاشم نظرت إلى علب السجائر المتناثرة على الأرض. لم أستطع كبح جماح نفسي من التقاط خمسة منهم لوضع في جيوبي. في غضون خمس دقائق، امسك بي بتهمة سرقة بعض السجائر من البائعين.
وتابع: تم نقلي إلى المحكمة الشرعية، وبعد بضعة أسئلة، قال القاضي لي: "أنت لص، قررت المحكمة أن تقطع يدك اليمنى من الرسغ"، وقبل أن يكمل القاضي كلماته، شعرت أني تعرضت لصدمة كهربائية في جميع أنحاء جسدي، وبدأت أصرخ في رهبة، واطلب من القاضي الرحمة، وأني لدي عائلة، وقال القاضي: "قواعد الشريعة الإسلامية خارج أي نقاش".
وأكمل حديثه: بعد ثلاثة أيام، اصطحبت من قبل مسلحين الحسبة إلى حديقة عامة، وتم ربط قدمي إلى طاولة خشبية وكذلك يدي اليسري، وجاء رجل من "داعش" في ثوب أبيض أفغاني يجمل سيفا كبيرا وقال لي: "هل تريد شيئا؟" قلت: "الرحمة"، قال: "شيء آخر" قلت: "أنا المعيل الوحيد لأطفالي، يرجى أن يغفر لي "وكان جوابه: "ومنها يمكنك أن يصمت".
واستطرد: بعد ذلك مباشرة قام بقطع يدي وكنت أنزف بشدة. وعند سقوط عيني على يدي أغمي علي. وعندما استعاد وعيه، وجد نفسه في المستشفى، عندما وصلت إلى المنزل، استقبلني والدي بالبكاء وقال: "الحمد لله، أنها كانت يدك".
أرسل تعليقك