يأمل الغزيون الذين فقدوا عائلاتهم خلال العدوان "الإسرائيلي" الأخير على قطاع غزة في مقاضاة المسؤولين "الإسرائيليين"، أمام محكمة الجنايات الدولية التي تنضم لها دولة فلسطين رسميًّا، الأربعاء.
وستتيح العضوية في المحكمة ملاحقة مسؤولين "إسرائيليين" لاتهامهم بارتكاب جرائم حرب أو أخرى مرتبطة بالاحتلال، رغم أن تبعات هذا الفصل الجديد من النزاع تبقى غير معروفة، لكن يؤكد حقوقيون أن إنجاز أمر ملموس في المحكمة قد يتطلب سنوات طويلة.
وتبقى فلسطين على موعد مع الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، عقب توقيعها ميثاق روما الخاص بالمحكمة.
ويشارك وزير الخارجية رياض المالكي، الأربعاء، في لاهاي في هولندا في مراسم قبول انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي تلاحق المتهمين بارتكاب جرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية.
وستتم مراسم دبلوماسية في لاهاي، حيث يقع مقر المحكمة وسيتسلم الجانب الفلسطيني كتابًا رسميًا يؤكد قبول فلسطين الانضمام إلى المحكمة.
وخلفت الحرب الإسرائيلية الدامية على قطاع غزة، الصيف الماضي، آلاف الضحايا، وخلفت أكثر من 2200 شهيدٍ فلسطيني غالبيتهم من المدنيين، و73 قتيلاً "إسرائيليًا" أغلبهم من الجنود.
ويذكر محمود القصاص، الذي فقد 10 أفراد من عائلته: "إسرائيل قتلت زوجتي وهي حامل وبناتي الأربع، إضافة إلى خمسة آخرين من العائلة، ويجب أن تدفع ثمن ذلك في المحكمة الجنائية الدولية".
ويؤكد الرجل الأربعيني، الذي تعرض منزل عائلته المؤلف من 5 طوابق للقصف غرب مدينة غزة، في 21 من تموز/يوليو الماضي، أنه تقدم بعدة شكاوى ضد "إسرائيل" لدى مراكز حقوقية في قطاع غزة.
ومثل القصاص، تقدم عاهد بكر (55 عامًا) بشكوى لدى مركز الميزان لحقوق الإنسان في قطاع غزة ضد "إسرائيل"، التي قتلت ابنه وحفيده وابني شقيقيه في غارة "إسرائيلية" على شاطىء بحر غزة.
وقتل هؤلاء الأطفال الأربعة في 16 تموز/يوليو الماضي، بينما كانوا يلعبون على شاطىء مدينة غزة في غارة شاهدها صحافيون مقيمون في فندق مطل على البحر.
وذكر بكر: "أطالب الرئيس الفلسطيني بأن يرفع قضيتنا في محكمة الجنايات الدولية ضد "إسرائيل" المتطرفة وأن يعيد لنا حق أطفالنا بالقانون الدولي".
كما يتابع وهو يراقب طفله منتصر وعددًا من أبناء أشقائه، الذين نجوا من الحادث وهم يلعبون على شاطئ البحر "إسرائيل قتلت اطفالنا عمدًا، لم يسقط صاروخ واحد بل 4، كل العالم رأى الحادث على الهواء مباشرة، لو أعطوني كنوز الدنيا لن ارتاح إلا حين أرى قادة "إسرائيل" ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في السجون".
وأكد نتنياهو أن "إسرائيل" ستقوم بكل ما في وسعها للدفاع عن جنود "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم"، بحسب وصفه.
وكلف الرئيس عباس الفلسطينيون بتشكيل لجنة وطنية من مؤسسات أهلية وحقوقييين وأكاديميين لجمع بيانات تدعم موضوع الشكوى المقدمة.
من جهته، يؤكد مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة، عصام يونس: "قمنا بتوثيق مئات القضايا التي تصلح كلها لملاحقة مجرمي الحرب "الإسرائيليين" جنائيًا عما ارتكبوه"، موضحًا أن "هذا العدوان تميز بارتكاب جرائم نوعية مختلفة في انتهاك مبادئ القانون الدولي".
ويرى يونس أن هذه الخطوة الفلسطينية قد تكون "نوعًا من الإجراء الوقائي والردع لـ"إسرائيل"، التي لم تتحمل المسؤولية يومًا ولديها شعور أنها فوق القانون".
لكنه يقر أيضًا بأن إنجاز أمر ملموس قد يتطلب سنوات طويلة، موضحًا أنه "لا يوجد سقف زمني لإصدار حكم في القضية بعد تقديمها".
ومن بين القضايا المتوقع تقديمها قصف "إسرائيلي" استهدف في 12 تموز/يوليو جمعية "مبرة فلسطين" لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، مما أدى إلى مقتل علا وشاحي (30 عامًا) وسهاد أبوسعدة (47 عامًا).
وتوضح مدير المركز جميلة عليوة: "أقمنا دعوى ضد الاحتلال عبر مركز الميزان لحقوق الإنسان ونحن نطالب بتعويض لكل الأشخاص التي تضررت وللجمعية التي دمر كل ما فيها، يجب أن نأخذ حقنا حتى لو أخذت القضية سنين، لسنا على عجلة".
أما الفتاة مي حمادة التي أصيبت بحروق في كل جسمها في القصف على الجمعية والتي تعاني أيضًا من بعض الصعوبات في النطق، فتذكر "أريد حقي من "إسرائيل" ومن الذين قصفونا".
من جهته، أكد المستشار القانوني للرئيس محمود عباس، المستشار حسن العوري أن طلب الانضمام للمحكمة تضمن طلب التحقيق في "جرائم" ارتكبتها "إسرائيل" ضد المدنيين في قطاع غزة في حربها الأخيرة في حزيران الماضي، وكذلك التحقيق في الاستيطان باعتباره جريمة حرب.
وأكد العوري أن الفرق الفنية التي تم تشكيلها تقوم بتجهيز الملفات وهي قطعت شوطًا كبيرًا في هذا المضمار، وستعرض هذه الملفات في القريب العاجل على اللجنة الوطنية المشرفة لإقرارها ومن ثم إحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وأكد العوري أن الانضمام إلى محكمة الجنايات يهدف إلى معاقبة كل من ارتكب جرائم بحق شعب فلسطين، لردعه عن فعل مثل هكذا جرائم، في المستقبل، فضلاً عن كونه استحقاق سياسي وقانوني في أعقاب أن باتت فلسطين دولة معترف بها تحت الاحتلال، فبالتالي يجب أن توقع على كل الاتفاقات والمواثيق، وتنضم للمنظمات والمعاهدات.
وتابع العوري: لا بد من معاقبة كل من ارتكب جرائم بحق شعبنا، فضلاً عن أن ذلك يشكل رادعًا لـ"إسرائيل" لمنع تكرار مثل هذه الجرائم، فعليها الآن أن تغير نهجها؛ لأن هناك محكمة جنائية في انتظارها، ولم تعد "إسرائيل" الآن حرة في القيام بجرائمها كما السابق، فالآن بيننا وبينها القانون الدولي، كوننا دولة عضو في محكمة الجنايات، أي جندي أو ضابط "إسرائيلي" الآن يتصرف كما في السابق من اقتراف جرائم، ويتصرف بهذه العنجهية والسادية، اليوم عليه أن يخشى أن يقع في قفص الاتهام وهذا سيحصل، وسيحصل عما حدث سابقًا، وهذا سيشكل رادعًا لهم، ومنعًا لهؤلاء من المضي في عنجهيتهم وإجرامهم.
وأضاف: لا يكفي أننا حصلنا على صفة الدولة، فنحن دولة تحت الاحتلال، وهذا لا يمنعنا على الإطلاق من ممارسة السيادة الفلسطينية بما في ذلك الانضمام إلى هذه المحكمة، وأن نكون عضوًا له كامل الحقوق وعليه كامل الواجبات والالتزامات.
وأكد أن الانضمام للمحكمة يوفر الكثير من الأدوات والوسائل القانونية لمواجهة الجرائم والانتهاكات "الإسرائيلية" بحق شعب فلسطين، وضمان حمايته من هذه الجرائم، لكنه أشار أيضًا إلى وجود محاذير من إقدام "إسرائيل" على رفع شكاوى ضد قيادات فلسطينية، رغم أنها لم توقع على ميثاق روما، لكنها تمتلك أذرعًا قد تقدم شكاوى تقنع بها المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية.
وأكد العوري أن ما يحدث هو إعلان قبول دولة فلسطين لهذه المحكمة وليس تحريك القضايا، لاسيما أن هناك تحقيق يجرى من قِبل المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، ولكن لم تصدر نتائج هذا التحقيق.
وبيّن العوري أن قبول فلسطين كعضو في المحكمة الجنائية الدولية يجعلها دولة لها ما لها وعليها ما عليها، موضحًا أن "إسرائيل" ستواجه مصاعب في رفع قضايا أمام هذه المحكمة الدولية، لاسيما أنها ليست عضوًا في هذه المحكمة ولم توقع على نظام روما.
أرسل تعليقك