موسكو ـ حسن عمارة
شاع مصطلح "الخطط الخمسية" في روسيا إبان الحقبة السوفييتية، وكانت القيادة السوفييتية على يقين بإمكانية تحويل مسار الاقتصاد في غضون 5 أعوام، لكن إدارة بوتين جددت هذا المفهوم وغيّرته، ففي السنوات الخمس الأخيرة لم يهتم الكرملين بنمو الاقتصاد الروسي قدر اهتمامه بتعزيز نفوذ روسيا الجيوسياسي، وعقب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وتدخلها العسكري في شرقي أوكرانيا، بدت موسكو التي فرض الغرب عليها عقوبات اقتصادية، معزولة ومنبوذة.
وتسابق الزعماء الغربيون لانتقاد الرئيس بوتين، وكانوا على ثقة بأن انتقاداتهم والضغط الذي تتسبب فيه العقوبات على الكرملين ستغير سلوك الحكومة الروسية، وبلغ الأمر بالرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما الاستخفاف بروسيا ووصفها بأنها مجرد "قوة إقليمية"، الأمر الذي أغضب الروس الذين ينظرون إلى أنفسهم على أنهم قوة كبرى سابقة.
أقرأ أيضا :
قصف تركي استهدف نقطة عسكرية لـ "قسد" في رأس العين السورية والجيش يرد
واليوم تتنافس روسيا من أجل الحصول على نفوذ عالمي، فقد تدخلت في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة (في عام 2016) لصالح دونالد ترامب، حسب ما تقول أجهزة الاستخبارات الأميركية، كما تسعى إلى توسيع نفوذها في أفريقيا وأميركا اللاتينية وتستغل الانقسامات في أوروبا لمصلحتها
وسيط في الشرق الأوسط
التحول في النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط يعد تحولا صارخا، فبعد سنوات أربع من إطلاق موسكو لعمليتها العسكرية في سورية، نرى موسكو تستحوذ على الدور القيادي الذي كانت تضطلع به واشنطن في المنطقة، ففي غضون أيام معدودة فقط، تحدث الرئيس بوتين مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان ودعاه لزيارة موسكو، وتحدث أيضا مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حيث ناقشا "قضايا أمنية"، كما قام بزيارتين للسعودية ودولة الإمارات، كل هذه الأمور تشير إلى تنامي الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط.
تصف صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" الروسية الشعبية التغييرات الجارية كما يلي: "الوضع الحالي في الشرق الأوسط لم يكن متصورا في زمن هنري كيسنجر ونظريته حول "لعبة الشطرنج الجيوسياسية العالمية". فقد فقد العملاق الأميركي طريقه في وضح النهار، بينما تمسك الدبلوماسية الروسية بخيوط اللعبة".
ومضت الصحيفة للقول "تلعب روسيا الآن دور الوسيط الدولي وصاحب النفوذ، ولن تستطيع أي من القوى الإقليمية أن تتجاهل الدور الروسي".
فاجأ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسحب القوات الأميركية من المناطق السورية المحاذية للحدود التركية خبراء السياسات الخارجية الروس، فقد قال فيودور لوكيانوف، وهو محلل متخصص بالسياسات الخارجية وقريب من الكرملين، "إن ثمة يقين متجذر هنا بأن الأمريكيين يتميزون بالذكاء. وحتى إذا أقدم الأميركيون على اتخاذ قرار غبي، فإن هذا القرار ليس غبيا لكننا لا نتفهم أهدافهم البعيدة".
وقال "يصعب للكثيرين من الروس أن يتصوروا أن الأميركيين قد يقومون بتصرفات مجنونة، ولكن يبدو أن بإمكانهم فعل ذلك".
يقول فيودور لوكيانوف "تنظر الولايات المتحدة والقوى الأوروبية إلى الداخل أكثر مما كانت في السنوات الماضية. الذي نراه الآن أن أعداء روسيا والذين حاولوا عزلها في حالة تخبط. وعلى العكس من ذلك، أبدت روسيا قدرا كبيرا من المرونة في مواجهة الضغوط الخارجية وحنكة في تعاملها مع الوضع في الشرق الأوسط".
أرسل تعليقك