كشفت أوساط قصر بعبدا انّ اللقاء سيُعقد بمن حضر، معتبرة انّ "من يقاطعه سيعزل نفسه عن ورشة الإنقاذ في لحظة مفصلية، وسيوحي بأنّه متضرّر من الإصلاح، وبالتالي فإّن المقاطعة في مثل هذه الظروف هي سخيفة وخطيرة في الوقت نفسه"، واعتبرت هذه الاوساط "انّ المقاطعة التي أعلن عنها البعض تعكس موقفًا مفتعلًا، لا مسوغ وطنيًا او دستوريًا له، وإنما يندرج في سياق مناكفات سياسية وحسابات ضيقة".
وفي المعلومات، انّ عون يرفض حضور ممثلين عن رؤساء الكتل، اي من ينوب عنهم، وهو وضع معيارًا للقاء قوامه، اما ان يشارك رئيس الكتلة شخصيًا واما لا يشارك بتاتًا ولو بممثل عنه، اما اذا كان هناك عذر شرعي او سبب اضطراري يبرّر عدم حضوره، فيتمّ تسجيل غيابه على هذا الأساس.
في غضون ذلك، اكّدت أوساط عين التينة، انّ بري سيشارك شخصيًا في الإجتماع الذي دعا إليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في بعبدا الأربعاء المقبل. واستهجنت هذه الأوساط ما أشيع عن انّ بري ممتعض من طريقة الدعوة إلى الإجتماع. مشيرة إلى أنّ شيئًا من هذا القبيل لم يصدر عنه، فضلًا عن أنّ رئيس المجلس هو مع كل لقاء حواري من شأنه أن يبحث في حلول ومخارج للازمة الراهنة.
ولفتت الأوساط، إلى أنّ الأولوية عند بري هي تحصين الموقف اللبناني، وإنجاح المفاوضات مع دائني "اليوروبوند" و"صندوق النقد الدولي"، وإنقاذ الوضع المالي والإقتصادي والإجتماعي في البلد. وقبل ساعات على صدور بيان "المستقبل" الاعتذاري، كشفت مراجع سياسية عن اتصالات مكثفة جرت بين بري والرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، لتنسيق المواقف والخطوات المواكبة لدعوة رئيس الجمهورية.
وكشفت مصادر انّ حزبي الكتائب والقوات اللبنانية سيبلغان رسميًا اليوم القصر الجمهوري، ما اذا كانا سيشاركان في اللقاء ام لا، علمًا انّ عددًا من رؤساء الكتل النيابية اكّدوا حضورهم، وفيما تحدثت مصادر مطلعة عن احتمال ان يمثل نائب رئيس الحكومة السابق غسان حاصباني رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، عُلم انّ كتلة "المردة" التي يرأسها الوزير السابق سليمان فرنجية كلّفت النائب فريد الخازن تمثيلها في اللقاء.
وفي انتظار قرار المكتب السياسي الكتائبي الذي يعقد اجتماعه الدوري الاسبوعي عصر اليوم، للبت بقراره النهائي بالمشاركة في اللقاء او المقاطعة، فإنّ رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل سيشارك فيه شخصيًا، او ان هناك من سيمثله. كذلك ستجتمع كتلة "اللقاء الديمقراطي" بعد ظهر اليوم للبت بمشاركة جنبلاط شخصيًا في اللقاء او انتداب من يمثله اليه، وهو الخيار المرجح، بحيث يحمل ممثله ملاحظاته على الورقة الإصلاحية.
الى ذلك، اكّد عضو كتلة "الوسط" النائب نقولا نحاس انه هو من سيمثل الكتلة في اللقاء "بسبب انشغال رئيسها نجيب ميقاتي بمواعيد مسبقة لم يستطع التحرّر منها". وأكّد "انّ دوائر القصر الجمهوري المعنية بالترتتيبات تبلّغت بهذا القرار". ولفت نحاس الى "انّ الكتلة ستصدر في الساعات المقبلة الفاصلة عن موعد اللقاء، بيانًا مفصلًا تحدّد فيها ملاحظاتها على الخطة، وتضاف الى الملف الذي يحمله الى اللقاء".
وفي السياق، قد يبدو لقاء بعبدا لرؤساء الكتل النيابية للاطلاع على خطة الحكومة الاقتصادية والمالية لقاء على سبيل المعرفة وإعطاء العلم اقله للأطراف غير المشاركة في الحكومة التي مالت الى المقاطعة على قاعدة ان الشكل والمضمون لا يتوافقان مع دورها ودورالمجلس النيابي أو أن شاهدًا “ما شفش حاجة”.
أما السؤال المطروح وبإلحاح في نظام برلماني مثل لبنان، أين دور المجلس النيابي من هذه الخطة؟ أما إذا كان القصد هو طاولة الحوار فإن صانعها هو رئيس المجلس نبيه بري ذاته الذي احتكم اليها يوم الشغور الحاد في سدة الرئاسة ويوم كانت القضايا السياسية والأمنية لا تقل خطورة عن الأزمة المالية.
قد ينسب البعض هذه الدعوة لنصيحة أوروبية لشرح أبعاد الخطة ولكن الثابت ان حجم الانقسام حولها كبير الى درجة يوازي حجم الأزمة ذاتها، فهل إن حوار الاربعاء سيكون لتسجيل موقف على أساس رفع العتب أم ان آلية فاعلة ستحصّن هذه الخطة التي ينقسم حولها اللبنانيون كما كل القضايا والأمور والتشتت المستدام بالتطلعات والرؤى؟
تفيد المعلومات أن الفكرة سبق وطرحها سفير دولة أجنبية عندما استفسر المسؤولون: كيف يمكن طلب مساعدات على خطة إقتصادية لا توافق عليها النقابات ولا جمعية المصارف ويعارضها الشارع وهل يمكن لصندوق النقد ان يصرف اموالًا لخطة تعارضها كل تلك الشرائح الاساسية؟ نصح الديبلوماسي المعنيين بخوض نقاش حول الخطة وأرتأت بعض الاطراف ان تتم الدعوة الى طاولة نقاش بشأنها يتولاها الرئيس بري الذي يمسك عصا الحوار مع كل الاطراف السياسية من الوسط وبإمكانه الدعوة إلى حوار تحت قبة البرلمان.
نالت الفكرة اعجاب رئيس الجمهورية لدى علمه بها وارتأى دعوة رؤساء الكتل النيابية الى بعبدا “للإطلاع على الخطة”. بالنسبة إلى أكثر من رئيس كتلة نيابية كان افضل لو تولى رئيس مجلس النواب تخريج الدعوة لكان أمّن مشاركة الكتل وسهّل للحكومة أي تشريعات لازمة لخطتها. مجرد دعوة كتل نيابية الى بعبدا خلّف امتعاضًا لدى كثيرين ومن بينهم رئيس المجلس، وانعكس سلبًا على تعاطي الآخرين مع هذه الخطة التي فسرت على انها مصادرة لدور المؤسسات. ولذا فليس مستبعدًا غياب مشاركة رؤساء الكتل السنة عن اللقاء وإرسال ممثلين عنهم من طوائف مغايرة.
واذا كانت كتلة “المستقبل” سارعت الى الاعتذار عن عدم تلبية الدعوة، فإن جهات سياسية اخرى تجد ان هناك متسعًا من الوقت لتحديد المشاركة من عدمها، وفضلت لو أن كتلة “المستقبل” تمهلت في إعلان موقفها تجنبًا لإحراج الاطراف الاخرى كـ”القوات اللبنانية” والحزب “الاشتراكي”.
لا تريد “القوات اللبنانية” كسر القصر الجمهوري بالامتناع عن تلبية دعوته لكن عتبها يتقاطع مع عتب الآخرين: كيف أقرّيتم خطة وارسلتموها الى صندوق النقد وتريدون إطلاعنا عليها؟ وهذا هو الاعتبار الوحيد الذي يحث على التروي بالمشاركة من قبل “الاشتراكي” والآخرين. فـ”الاشتراكي” لم يتلقف الدعوة بسلبية وقاربها بإيجابية وتقول مصادره: “لسنا ضد المؤسسات والمشاركة ممكنة كي ندوّن ملاحظاتنا على الخطة”.
غير أن اعتبارات عدة حملت كتلة “المستقبل” على “الاعتذارعن عدم المشاركة في الاجتماع الذي سيعقد يوم الاربعاء في القصر الجمهوري بدعوة من رئيس الجمهورية ميشال عون والمخصص لعرض برنامج الحكومة الاقتصادي”. ما الفائدة من الاجتماع؟ تبادر أوساط “بيت الوسط” إلى السؤال لتنساق منه الى تفنيد أسباب اعتذارها عن عدم المشاركة فتقول: “إذا كان المطلوب الاستماع الى رؤساء الكتل النيابية فهم موجودون في مجلس النواب”، فلماذا الاجتماع في قصر بعبدا وليس في مجلس النواب؟ في تفسير الاوساط عينها أنها “افكار جريصاتية هدفها بعد اعلان رئيس الحكومة عن الخطة استرداد المشهد الى رئيس الجمهورية واستدعاء الجميع اليه” ولذا فهي “خزعبلات بلا قيمة”، والا “لا يمكننا ان ندعو كل الطقم السياسي في البلد لإطلاعه على أمر أقر مسبقًا فهل المقصود الاستماع الى شرح المستشارين والفنيين والتقنيين؟”.
انطلاقًا من هذا الاعتبار ترى أوساط “بيت الوسط” ان “الدعوة من الاساس غير طبيعية”. كان يمكن أن تأخذ الامور مجراها الطبيعي بحيث تذهب الحكومة الى الشق التطبيقي من الخطة التي اعلنتها “ولشو العراضات التي لا لزوم لها؟”. هي إذا دعوة ملتبسة من الاساس “حتى المصطلح لم يتفقوا عليه، مرة يتحدثون عن خطة وثانية عن رؤية أو برنامج ومؤخرًا وصفته وزيرة الاعلام بأنه إطار”. السؤال الجوهري الذي تطرحه اوساط “بيت الوسط” هو “لماذا تذهب القوى السياسية الى بعبدا لتعطي توقيعها على أمر خاضع للإختبار وهو بمثابة اعلان نوايا وليس برنامجًا وهل يجب ان يجتمع كل البلد لتأمين تغطية على اعلان نوايا قالوا ان الدعوة اليه سببها “الاطلاع” وليس “الحوار” مثلًا؟”.
إقرأ أيضا :
جنبلاط في تسجيل مسرب يؤكد أن لبنان والجبل على مشارف الجوع
للمصطلحات في مثل هكذا ظروف اهميتها ودقتها ايضًا، إذ كيف نناقش خطة أقرت؟ ولو لم تقر مسبقًا لفهمنا ان المطلوب ابداء الملاحظات، لكن اما وانها اعلنت وقيل انها خطة تاريخية فاذا كانت كذلك فلماذا استدعاء رؤساء الكتل للاطلاع عليها. التشاور عادة ما يكون قبل الاقرار وليس بعده كي تستجمع له توافقًا. اما في الملاحظات على مضمون الخطة فتتوقف الأوساط عند نقطة إضافية وهي ان “الحكومة الحالية استفادت من حسنات برنامج عمل الحكومة السابقة واتجهت به عكس السير. “فما عدا ما بدا” حتى صار صندوق النقد باب الإنقاذ وجسر العبور للإنقاذ الإقتصادي والمالي في البلد فيما كان قبل شهرين لعنة من اللعنات هدفها وضع اليد على البلد، وكيف كان “سيدر” مشروع دين مرفوضًا وتمت عرقلته ثم صار الاعتماد اليوم على أمواله؟ لو حصل الامر قبل خمسة اشهر لكانت الاجواء مختلفة لان سعر صرف الدولار كان 1500 ليرة. هو مسار انحداري بالكامل يكون الحل فيه بالخروج من الكيديات. ثم كيف لخطة إقتصادية لم تحظَ بموافقة لا الهيئات الاقتصادية ولا جمعية المصارف ولا التجار ولا مصرف لبنان أن تنجح؟ وكيف لمشروع ان يخدم البلد ومن وضعه، كناية عن مجموعة خبراء لهم كيدياتهم الخاصة وهدفهم تسجيل النقاط؟”.
لا تنفي الأوساط ان المتهم الاول هنا العهد طبعًا، لكن رغم ذلك فالرئيس الحريري لم يتشاور بشأن موقف كتلته النيابية مسبقًا مع اي جهة سياسية لأن “الحريري لا يخوض معركة مقاطعة وتجييش نيابةً عن القوى الأخرى، وقد يجوز ان الحديث حصل لكن بعد إعلان موقف الكتلة وليس قبله”.
وعلى الجانب الآخر، يرى البعض أن الرئيس سعد الحريري نجح في تجريد رئيس الجمهورية ميشال عون من لقب “بيّ الكل” وإعادة موضعته في خندق الخصم لا الحكم في إدارة شؤون البلاد، أما في الجوهر فنجح رئيس مجلس النواب نبيه بري، ونجاحه كان باهرًا، في الوقوف خلف الكواليس حاملًا عصاة المايسترو إلى جانب “المستقبل” و”الاشتراكي” و”المردة” ليقود “حلفًا رباعيًا” في مواجهة محاولة سلب مطرقة “لقاء الأربعاء النيابي” من عين التينة وتجييرها “بالمونة” الرئاسية إلى قصر بعبدا.
فرئيس المجلس الذي كان قد “ابتلع موس” الدعوة الموجهة إليه من رئيس الجمهورية ميشال عون للمشاركة بعد غد في لقاء بعبدا النيابي، قرر أن يستجيب شخصيًا للدعوة بحيث سيحلّ ضيفًا الأربعاء على قصر بعبدا بصفته رئيسًا للمجلس النيابي ورئيسًا لكتلة “التنمية والتحرير”، غير أن طيفه كان حاضرًا بقوة في عملية “بنشرة” هذا اللقاء، سواءً من خلال قرار مقاطعته من جانب ثاني أكبر كتلة على المستوى النيابي وأكبر كتلة سنّية على المستوى الميثاقي، أو عبر خفض كل من “الحزب التقدمي الاشتراكي” و”تيار المردة” مستوى تمثيل كتلتيهما في هذا اللقاء.
وبحسب مصادر مواكبة لخريطة المواقف النيابية إزاء دعوة عون رؤساء الكتل والأحزاب إلى عقد لقاء الأربعاء في بعبدا لشرح الخطة الإصلاحية للحكومة، فإنّ المشهد استقر، إلى جانب مقاطعة “المستقبل”، على غياب رئيس “الاشتراكي” وليد جنبلاط ورئيس “المردة” سليمان فرنجية وإيفاد كل منهما من يمثله في اللقاء، فضلًا عن ترجيح أن يتمثل حزب “القوات اللبنانية” بوفد يرأسه نائب رئيس الحزب النائب جورج عدوان، في حين سيقاطع الرئيس نجيب ميقاتي اللقاء على أن يمثل كتلته أحد نوابها.
وبناءً عليه، رأت المصادر أنّ “اللقاء تحت وطأة هذه المواقف بات عمليًا فاقدًا لرونقه ولم تعد تنطبق عليه صيغة اللقاء الوطني الجامع كما أراده عون”، مشيرةً في الوقت عينه ربطًا بقرار كتلة “المستقبل” إلى أن الكتلة أخطأت في استدراج الرئاسة الأولى إلى “صراع على الصلاحيات” وكان من الأجدى أن تكتفي بما ضمنته بيانها من تصويب على وجوب أن يتحمل “العهد وحكومته” مسؤولية إقرار الخطة وتنفيذها أمام الداخل والخارج بدل أن تفتح بابًا للسجال مع رئاسة الجمهورية حول صلاحياتها بشكل قد يعطي موضوع المقاطعة طابع “كباش مسيحي – سني” بهذا الخصوص من شأنه أن يحرف الاختلاف في وجهات النظر عن جوهره المعارض لأداء الرئاستين الأولى والثالثة في مقاربة الخطة الإصلاحية ويأخذ بالتالي الأمور باتجاه استدرار العطف والتجييش المسيحي خلف رئاسة الجمهورية باعتبارها تدافع عن صلاحيات موقع الرئاسة الأولى.
وهذا ما حصل بالفعل من خلال ما بدا من ارتكاز صياغة البيان الصادر عن القصر الجمهوري على نقطة “الصلاحيات” ردًا على موقف كتلة “المستقبل”، التي سرعان ما استدركت الهفوة التي ارتكبتها ربما من خلال إصدار بيان آخر تنصلت فيه من تهمة “الالتفاف على الصلاحيات الدستورية للرئاسة الأولى”، وأعادت تصويب موقفها نحو التشديد على عدم جدوى اللقاء التشاوري في بعبدا لمناقشة خطة حكومية بعد إقرارها في مجلس الوزراء باعتبار أنّ “من لديه النية الصادقة بالأخذ بالآراء يشاور قبل إقرار الخطة وليس بعد إقرارها”.
قد يهمك أيضا :
الرئيس اللبناني يؤكد أن معالجة الأوضاع الاقتصادية من أولويات الحكومة
دعوات لبنانية إلى إعلان حال الطوارئ لمواجهة وباء "كورونا" المستجد
أرسل تعليقك