كشفت الزيارة الأخيرة لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى سوق "محانيه يهودا" المعقل الأكبر لحزب "الليكود" سابقًا في القدس المحتلة، التراجع الكبير لشعبية هذا الحزب وزعيمه، إذ كان الاستقبال باهتًا ولم يحظ رئيس الحكومة بأي اهتمام جماهيري كبير. وتجوّل نتنياهو، في زيارة مفاجئة غير معلنة لوسائل الإعلام، في ممرات السوق الصاخب وبين الأكشاك المكدسة للسمك الرطب، والتوابل والمكسرات، وأحواض من الزيتون، وغاب عن الجولة هذه المرة "ملك المخلل" يارون تزيدكياهو.
وكان تزيدكياهو عضو حزب "الليكود" النشط الذي استمر في دعم الحزب لمدة 40 عامًا، بما في ذلك كعضو في لجنته المركزية، غير أنَّه قرر قبل بضعة أيام فقط عدم التصويت لنتنياهو، مشيرًا إلى أنَّه هذه المرة سيصوت لمنافس نتنياهو اليميني أفيغدور ليبرمان.
ولم يكن قرار تزيدكياهو حادثا فرديًا في الحملة التي اجتاحتها نفحة قوية من الذعر المنبثق ليس فقط من "الليكود" ولكن من نتنياهو نفسه، الذي بات يشعر بضيق الدائرة حوله إذ بات يعرف أنَّه سيخسر دعمًا قويًا مثل مناصره "ملك المخلل".
وأبرز تيزيدكياهز، الخميس الماضي، أسباب تركه الحزب، موضحًا "لقد نشأت في الليكود؛ ولكن هذه المرة لقد قررت دعم أفيغدور ليبرمان؛ ليس لأنني لا أحترم "بيبي" نتنياهو؛ لكنه خيَّب آمال الشعب لأنه لم يفعل الكثير فيما يخص القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الاحتلال الإسرائيلي".
وأضاف "في هذه الحملة أخطأ نتنياهو بكل الأخطاء الممكنة، وتجاهل قضايا الناس وتحدث فقط عن الأمن، حول إيران وحماس وداعش، إنَّه لشيء رائع الاهتمام بالقضايا الأمنية، ولكن هناك أمور أخرى أهم للإسرائيليين".
وأشار إلى أنَّه "يعلم ناخبي "الليكود" بخيبة أمل أخرى، إذ أنَّ هناك الكثير من الأعضاء سيصوتون لحزب آخر؛ ليس اليسار ولكن ربما لليبرمان، أو شخص مثل وزير الليكود السابق الذي انشق عن حزبه موشيه كاهلون.
وتابع "ملك المخلل"، "لقد فعل نتنياهو كل شيء بشكل خاطئ، كانت هناك جهود لإقناعه بتغيير رأيه؛ لكنه لم يسمح لأشخاص آخرين ليقولوا كلمتهم؛ الوحيد المسموح به بالقرب من الميكروفون هو نتنياهو".
واعترف نتنياهو باللقلق المنتشر على قدم المساواة في حملته الانتخابية، خصوصًا في ظل اتساع الهوة بينه وبين هيرتسوغ حول مسألة عمن يعتقد الناخبون سيكون الأنسب لقيادة "إسرائيل".
ودعا نتنياهو في لقاء إذاعي، مناصريه، قائلًا "لا تبقى في المنزل وتفرط في الأصوات الخاصة بك"، وأضاف "أنا لن أفوز في الانتخابات إذا لم يتم سد هذه الفجوة، هناك خطر حقيقي من أن تسيبي ليفني وبوجي هرتسوغ سيشكلان الحكومة المقبلة".
وأطلق "الليكود" رسائل كثيرة إلى مناصريه لتذكريهم بالعام 1996 عندما بقي الناخبون مؤمنين في لحظة مماثلة وانتخبوا نتنياهو للمرة الأولى، ويشدّد "الليكود" على أعضائه ضرورة الحشد الكبير يوم الانتخابات خوفًا من فوز "الاتحاد الصهيوني" الذي يمثل يسار الوسط بقيادة هرتسوغ وليفني.
وستحسم نتائج التصويت المقررة الثلاثاء المقبل، شعبية نتنياهو وقيادته وشخصيته، حتى لو كان يمكن أن يجد وسيلة لبناء تحالف آخر، وربما مع مقاعد أقل من حزب هرتسوغ، الذي يمكن أن يحدث في النظام السياسي في "إسرائيل، سيصبح نتنياهو صاحب الشخصية الرئيسية لمدة ربع قرن مثل البضاعة التالفة.
وأظهرت نتائج استطلاع الرأي الأخير أنَّ معظم الإسرائيليين يفضلون خروج نتنياهو، إذ أنَّ 72٪ من الإسرائيليين يريدون التغيير؛ بسبب أوجه القصور الملحوظة على الجبهة الداخلية، فقد تقلصت علاقة "إسرائيل" الرئيسية مع واشنطن إلى اقل معدلاتها تاريخيًا وزيادة عزلة البلاد على الساحة الدولية.
و قبل بدء هجوم وسائل الإعلام في اللحظة الأخيرة الأسبوع الماضي، حاول الإعلام استضافة نتنياهو سواء التلفزيون، والصحف والـ"فيسبوك"؛ لكنه قد تهرب إلى حد كبير من الصحافيين الإسرائيليين واتهمهم بأن ذلك جزءًا من مؤامرة معادية للإطاحة به من منصبه.
وكانت النتيجة حملة نتنياهو التي بدت تخلو في معظمها من أي مضمون، إلا في مسألة البرنامج النووي الإيراني وأمن إسرائيل، لكن استطلاعات الرأي اقترحت على الدوام أن المخاوف الرئيسية للناخبين الآن هي القضايا الاجتماعية و الاقتصادية.
وفي استجابة متأخرة وعلى مضض حاول نتنياهو تغطية هذه النقاط الرئيسية، في نهاية الأسبوع؛ لكن ليس عن طريق تقديم مقترحات ملموسة ولكن بوعده بأنه سيفعل أفضل في المرة المقبلة، كما أنه اعترف أخيرًا بأنَّ تكاليف المعيشة والارتفاع الشديد في أسعار المنازل "لم يتم التعامل معه بشكل فعال".
وأشار رئيس قسم المراسلين السياسيين في صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية جيل هوفمان، إلى أنَّ نتنياهو قد حكم سابقا بـ19 مقعدًا للحزب؛ ولكنه غير مقتنع بأنَّ زعيم حزب "الليكود" يمكنه أن يقود مرة أخرى ائتلاف بمثل هذه النتائج المنخفضة.
وبيَّن هوفمان أنَّه يشتبه في أن ريفلين يصر على الانضمام إلأى حكومة وحدة وطنية، وينظر إلى ذلك على أنَّه هزيمة لنتنياهو بقدر ما هو نجح للتحالف الذي يقوده هرتسوغ.
ومع الانتخابات، سيكون على "إسرائيل" الآن أن تنتظر حتى الثلاثاء المقبل، عندما ستخرج نتائج استطلاعات الرأي الأولى، لمعرفة ما إذا كانت هي نهاية "الملك بيبي" أو ما إذا كان سيبقى على قيد الحياة لقيادة الاحتلال لفترة أخرى .
أرسل تعليقك