بهاء شاب من بيت ساحور شرق بيت لحم في الثالثة والثلاثين من عمره، خرج من فلسطين مهاجرًا إلى الولايات المتحدة قبل أسبوعين، ولن يعود إليها قريبًا!
وذكر بهاء "إنني أعمل في بيت لحم منذ أن تخرجت من الجامعة عام 2004 في تخصصات مختلفة، إلا إنني لم أجد وظيفة تعينني على الوفاء بالتزاماتي الأساسية، فقررت بعد هذه السنين الطويلة، أن أهاجر إلى أميركا، ولن استطيع العودة إلى فلسطين إلا بعد خمس سنوات، وللزيارة فقط !".
وتوجه مراسل "فلسطين اليوم" إلى رئيس مجموعة "ديار" ورئيس كلية دار الكلمة الجامعية للفنون والثقافة القس الدكتور متري الراهب، للسؤال عن أسباب الهجرة فأجاب الراهب قائلًا: أن هناك دراسة أجريناها قبل حوالي ثلاث سنوات، وسألنا فيها عن "أسباب هجرة المسيحيين بالذات"، فكانت الإجابات كالتالي: 32 % من الذين هاجروا أوعزوا السبب لعدم الشعور بحرية الحركة، وعدم الشعور بالأمان نتيجة وجود الاحتلال، و26% قالوا إن الوضع الاقتصادي هو الدافع الرئيس لهجرتهم، و20% أجابوا أن حالة عدم الاستقرار السياسي في المنطقة هي السبب الأقوى للهجرة، فالتاريخ القريب فرض حربًا جديدة كل 3-5 سنوات، تدفع الكثيرين للهجرة، وأجاب 12% أنهم هاجروا للبحث عن دراسة في الخارج، و6% بسبب ارتباطات عائلية، وحوالي 1% بسبب الهروب من التطرف الديني، وأقل من 1% بسبب الزواج أو أمور أخرى".
وأشار الراهب إلى أن قارئ هذه الدراسة يجد من نتائجها أن الوضع السياسي، من احتلال وجدار، والوضع الاقتصادي وحالة عدم الاستقرار، هو ما دفع النسبة الأكبر للهجرة، وهذا يدفع المسيحيين والمسلمين على الهجرة على حدٍ سواء، ولكن الظاهرة صبغت المسيحيين بشكل أكبر باعتبارهم الأقلية في المجتمع الفلسطيني.
وفي سؤال مراسل"فلسطين اليوم" عن احصائيات تبين أعداد المهاجرين، أوضح الراهب" أنه لا يوجد احصائيات عددية عن الذين هاجروا، ولا يوجد نسب دقيقة عن المهاجرين، لأن السلطة الفلسطينية لا تتحكم بالمعابر الحدودية، ولا يتم السؤال عن سبب المغادرة أو إلى ذلك".
واستطرد الراهب، "لكن ما استطعنا أن نجمعه أنه منذ عام 2000، وحتى اليوم، هاجر أكثر من 10 آلاف مسيحي، وهم يشكلون 15% من نسبة المسيحيين في فلسطين"، مضيفًا "وللأسف أن الاحصائيات والدراسات تبين أن " أكثر من نصف الشبان الفلسطينين- بغض النظر عن دينهم- يريدون ترك فلسطين، بسبب الضيقات التي يعيشونها مثل البطالة والحالة الاقتصادية والسياسية الصعبة".
وأردف الدكتور الراهب بالقول" أن هناك مؤتمرًا كبيرًا عُقد عام 2013، نشرنا من خلاله وثيقة عن أسباب الهجرة وخطورتها، ودعونا مسؤولين فلسطينيين لتدارك هجرة المسيحيين خاصة عن الوطن فلسطين، وأن هناك صعوبة في حل المشكلة، لأنه بدون حل شامل للقضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال، وبدون تقوية المجتمع المدني الفلسطيني والتعددية في هذا المجتمع، سيكون من الصعوبة إقناع الناس بالبقاء".
وأشار الراهب إلى أن " هناك معوقات في العودة، رغم أن حق العودة كفلته الشرعية الدولية، لكن الاحتلال الإسرائيلي، وقبلها الانتداب البريطاني، حالا دون عودة المسيحيين الفلسطينيين، خاصة أولئك الذين هاجروا في بداية القرن الماضي إلى أميركا اللاتينية، وحاولوا العودة في عشرينيات القرن الماضي، لكن الانتداب البريطاني رفض ذلك".
وأضاف الراهب" أن أحد أهداف مجموعة"ديار"- والتي هو رئيسها، والتي تأسست قبل 20 عامًا- هو جلب القدرات الشبابية من الخارج وعرض وظيفة عليهم، بهدف العودة إلى فلسطين، واستطعنا إرجاع من 20-25 كادر فلسطيني، يحملون شهادات وخبرات من أوروبا وأميركا، وعادوا لأنهم آمنوا أن مكانهم هو في فلسطين، وللبناء والعمل فيها".
ويتابع الراهب قائلًا إن موضوع الهجرة لا يهم فلسطين فقط، وإنما امتد لكثير من الدول العربية، فمثلًا العراق، قبل الغزو الأميركي عام 2003 كان هناك أكثر من مليون مسيحي، وبقى اليوم 300 ألف بسبب الغزو الأميركي، وحالة عدم الاستقرار، وأيضًا في شمال سوريا، مثل حلب، التي كانت عصب الاقتصاد السوري، هرب الناس منها وهاجروا وتدمرت المدينة"، مؤكدًا أن الهجرة هي للمسيحيين والمسلمين على حد سواء، لكن المسيحيين هم أكثر عرضة لما يحدث في الشرق الاوسط.
وواصل الراهب، "نحن عندما رأينا الأمور تسير بهذا الاتجاه السلبي أطلقنا في الأسبوع الماضي في العاصمة اللبنانية – بيروت، وثيقة بعنوان: "من النيل إلى الفرات نداء، العقيدة والمواطنة"، ودعونا فيها إلى إقامة دولة أساسها حكم القانون، وقائمة على الحقوق، لأنه من حقوقنا كعرب وساكنين في المنطقة أن ننهض بأوطاننا، وأن نبني الدولة التي تقوم على المواطنة والتعددية وأن يكون لنا حياة أفضل".
أرسل تعليقك