شهد الإقبال السياحي على دول جنوب أوروبا زيادة ملحوظة في الأسابيع الأخيرة، معظمها من داخل القارة الأوروبية ومن دول شمالها على وجه الخصوص.
وذكر خبراء السياحة الذين تابعوا هذه الظاهرة، أن هناك الكثير من الأسباب التي أدت إلى هذا التحول من أهمها الانخفاض الأخير في قيمة اليورو مقابل الجنيه الإسترليني والدولار، مما جعل الدول الأوروبية التي تستخدم اليورو وجهات رخيصة للسائح من خارج منطقة اليورو.
وأضافوا أن هناك أيضًا الكثير من الأسباب الأخرى بعضها يعود إلى اعتدال الطقس الشتوي في جنوب أوروبا والاستقرار السياسي فيها مقارنة بالكثير من مناطق العالم الأخرى التي تعاني من اضطرابات سياسية أو تفشي حوادث الإرهاب فيها بحيث فضّل السيّاح الغربيين الابتعاد عنها في الوقت الحاضر.
وأوضح الخبراء أن من أهم دول جنوب أوروبا التي تجتذب سياح الشمال البارد في الوقت الحاضر، إسبانيا وخصوصا في منطقة الأندلس، وكذلك جنوب إيطاليا واليونان.
وبيّنوا أن لكل منطقة سياحية من هذه المناطق خصائصها ومزاياها، سواء في عوامل الجذب السياحي أو نوعية الأطعمة الشعبية فيها وضيافة أهلها وعنايتهم بالسياح عبر درجة وعي عالية تعترف بأن مستوى معيشة هذه المناطق ومعظم وظائف الشباب فيها يعتمد أساسًا على السياحة.
ويبرز هذا العرض السريع، أهم مزايا مناطق جنوب أوروبا التي تحولت إلى مناطق جذب سياحي أوروبيًا وعالميًا.
1 - الأندلس (إسبانيا): تتميز بسهولة الوصول إليها من أنحاء أوروبا بالطيران الرخيص خصوصًا عبر مطار مالاغا الذي تم توسيعه وتحديثه لكي يكون أحد أفضل مطارات جنوب أوروبا.
كما تتميز في داخلها بتوفر شبكة مواصلات عامة تربط كل أرجائها بحيث لا يضطر السائح إلى استئجار سيارة خاصة.
وتنتشر في المنطقة المنتجعات السياحية التي توفر خدمات متكاملة تشمل حمامات سباحة وملاعب تنس وغولف وحدائق للأطفال. وهناك من يذهب للمنطقة للاستمتاع بهذه المزايا داخل المنتجعات من دون الحاجة للخروج منها. ولكن الاستمتاع بالمنطقة يحتّم التجول فيها والاختلاط بأهلها وهم في أغلبهم يرحبون بالسياح ويوفرون لهم الضيافة اللائقة.
ومرّ على الأندلس وحكمها الكثير من الأجناس قبل أن تعود إلى الإسبان، وسكنها تاريخيًا الفينيقيون والإغريق والرومان والعرب.
ومرّت المنطقة في سبعينات القرن الماضي بمرحلة عشوائية من حيث تكدس المد الخرساني فيها والبناء بلا تراخيص وكان بعض السياح ضحايا عمليات فساد عقاري اشتروا من خلالها عقارات بلا تراخيص تعرضت للهدم فيما بعد.
وتحاول المنطقة استعادة مكانتها السياحية الآن بتشديد قوانين البناء.
ويوجد في الأندلس نحو 50 ملعب غولف والكثير من الحدائق النباتية والكهوف التاريخية.
ويميز التراث الأندلسي، المنطقة عن غيرها من مناطق إسبانيا الأخرى. فتجري المهرجانات السنوية التي تسمى "فيريا" في مدن الساحل على مدار العام، وأكبرها يقام في مالاغا في شهر آب/أغسطس من كل عام ويطير البعض إلى المدينة من أنحاء العالم لحضوره.
وتشمل المهرجانات مواكب الخيول لفتيات يرتدين فساتين "فلامينكو" وشباب في بدل سوداء تماثل ملابس مصارعي الثيران.
وتنتشر رقصات "الفلامينكو" نهارًا وملاهي الأطفال ليلًا في مناخ يشبه مناخ الموالد في مصر.
وتكفي الأنشطة العائلية الصيفية، شهرًا كاملًا من الزيارات اليومية. وهي تشمل حديقة حيوان محلية في "فوينخيرولا"، والحديقة المائية التي توفر الرياضات المائية بالقرب من توريمولينوس، وعالم "سيلوا" وهو يقدم منطقة سفاري يطوفها الزائر على شاحنات وحدائق أخرى لمشاهدة ألعاب الطيور واستعراضات الدلافين.
ويوجد هناك أيضًا حديقة أسماك تسمى "عالم البحار" بالقرب من "بن المدينة" التي تجاور مارينا مترامية الأطراف لليخوت تضارع مارينا ماربيا الشهيرة.
ويمكن زيارة حديقة التماسيح وحلبة سباق عربات الأطفال "كارتنغ" والذهاب إلى مدينة الملاهي "تيفولي وورلد" أو حتى التنزه على الشاطئ بعد الغروب، حيث الباعة الأفريقيين ينتشرون بالكثير من البضائع الرخيصة من الساعات والحقائب ولعب الأطفال.
ورغم الضغوط الأوروبية، لمنع رياضة مصارعة الثيران في إسبانيا، إلا أن الأندلس ما زالت تسمح بها ويمكن حضور مباريات مصارعة الثيران على حلبات بالقرب من توريمولينوس وفي مدينة روندا الجبلية الشهيرة.
2 - صقلية (إيطاليا): تتميز صقلية القريبة من الساحل التونسي بمناخ يماثل مناخ شمال أفريقيا مع اعتدال في الحرارة خلال فصل الصيف واعتدال الطقس الشمسي شتاءًا، ولذلك فهي تلقى الكثير من الإقبال السياحي في فصل الشتاء من دول شمال أوروبا ومن وجهات أخرى. وتقع صقلية جزيرة إيطاليا ثلاثية الأضلاع، جنوب إيطاليا وتمتد في أرياف مترامية الأطراف، بين المدن والآثار الرومانية، وتنتشر فيها أشجار البرتقال والليمون والزيتون والكروم.
ويقع جزء منها جغرافيًا على خط عرض أكثر جنوبًا من شمال تونس. وهي جزيرة سياحية من الطراز الأول وحصلت على لقب أفضل جزيرة في العالم من منظمة "كوندي ناست" السياحية في عام 2009، كما أن لها معجبين يذهبون إليها عامًا بعد عام لقضاء بعض الوقت فيها.
وتضم الجزيرة أكبر بركان في أوروبا وهو "ماونت إيتنا" وفيها الكثير من المنتجعات السياحية المعروفة أوروبيًا مثل تاورمينا وجيارديني وسيفالو. كما تضم الكثير من المدن مثل عاصمة الجزيرة، باليرمو، التي يأتي الزائر إلى الجزيرة عبر مطارها الدولي.
وتتوجه معظم الأفواج السياحية في صقلية إلى الساحل الشرقي الذي تمتد شواطئه ذات الرمال الناعمة لأميال طويلة.
وتقع مدينة تاومينا في مركز الساحل الشرقي، وهي مدينة سياحية ولكنها تحتفظ بشخصيتها الصقلية الفريدة، وهي تشتهر بميادينها التي تسمى "بياتزا"، وخلفيتها الجبلية الهائلة التي تضم بركان "إيتنا".
ورغم الإقبال السياحي الشتوي فإن صقلية، مثلها مثل مناطق جنوب أوروبا الأخرى، تعتمد سياحيًا على فصل الذروة في الصيف.
وتتميز صقلية بتنظيم الكثير من حفلات الأوبرا الإيطالية لزوّارها.
ولا بدّ من زيارة العاصمة باليرمو خلال العطلة في الجزيرة لأنها توفر فرص تسوق جيدة.
وتتميز بأحدث خطوط الموضة الإيطالية وبأسعار تقل عن تلك السائدة في مدن إيطالية أخرى مثل روما أو ميلانو.
وتبدو العاصمة مماثلة في معمارها للكثير من المدن العربية المتوسطية وتنتشر فيها الآثار القديمة ومباني العصور الوسطى.
وتطل صقلية على ميناء رئيسٍ للجزيرة يربطها ببقية أنحاء إيطاليا وبسواحل البحر المتوسط.
ويوجد الكثير من المعالم السياحية الخفية في الجزيرة منها الحديقة النباتية بالقرب من باليرمو، ومعاصر الزيتون التي تبيع الزيت طازجًا في زجاجات مختلفة الأحجام.
كما توجد بعض المطاعم الأصيلة في العاصمة باليرمو تقدم الوجبات الإيطالية لزبائنها عبر الأجيال منذ أكثر من مائة عام.
ويمكن اختيار نوع من الرحلات يسمى "تورنغ" يوفر الإقامة لعدة أيام في فنادق متعددة في أنحاء الجزيرة لكي تشمل الزيارة عدة مواقع أثناء زيارة واحدة للجزيرة.
3 - اليونان: من الصعب اختيار موقع واحد في اليونان لأنها بلد سياحي من الطراز الأول على رغم متاعبها الاقتصادية التي كانت سببها إتباع سياسة التقشف لعدة سنوات بسبب الانضمام لعملة اليورو بدلًا من "الدراخمة" المحلية.
وينتشر في الجنوب، الجزر اليونانية ولكن بعضها يغلق أبوابه السياحية خلال فصل الشتاء ويبدأ نشاطه مع كل ربيع.
ويوجد الكثير من المعالم السياحية في اليونان التي تشمل أكروبوليس وهو من أشهر الآثار اليونانية ويقع في وسط أثينا ويعود تاريخه إلى العصر الإغريقي القديم.
وللموقع عدة مداخل من أنحاء أثينا المختلفة. ويمكن زيارة ثلاث جزر يونانية خلال يوم واحد برحلات بحرية من أثينا وتنظم هذه الرحلات يوميًا شركات سياحية. والجزر الثلاث هي هايدرا وبوروس وإيجينا.
وتعد منطقة ديلفي من المناطق الجاذبة للسياح، إذ تنتشر فيها الآثار الإغريقية.
واعتبر الإغريق أن ديلفي هو مركز العالم القديم. ولمن يفضّل سياحة الشواطئ يمكنه زيارة جزيرة رودس التي تشتهر بأفضل الشواطئ السياحية اليونانية.
ويوجد أيضًا متحف كونوسوس في جزيرة كريت وهو يحتوي على التحف التي اكتشفها الرحّالة البريطاني السير آرثر إيفانز في عام 1900.
وكان المكتشف الألماني هنريك شليمان، مكتشف مدينة طروادة التاريخية، يشك في وجود موقع لمدينة أثرية في مكان المتحف، ولكنه فشل في التوصل إلى اتفاق مع السلطات العثمانية التي كانت تحكم كريت آنذاك. ولكن البريطاني إيفانز اشترى الأرض مما منحة حق التنقيب فيها واكتشف فيما بعد التحف الإغريقية التي تعرض في المتحف المقام على الموقع نفسه.
أما مسرح داينوسوس الإغريقي فيعود تاريخه إلى عام 342 قبل الميلاد، وعرضت عليه مسرحيات تاريخية إغريقية من تأليف سوفوكليس وأرسطو، وهو مبني من الحجر والرخام.
ويتسع المسرح إلى نحو 17 ألف متفرج ينتشرون على 64 صفًا من المقاعد الحجرية على شكل نصف دائري. ولم يبقَ من صفوف المقاعد الأصلية سوى 20 صفًا فقط.
وعلى استاد باناثينايك أقيمت أول دورة للألعاب الأوليمبية الحديثة وذلك في عام 1896.
وبني الاستاد الرخامي على آثار استاد تاريخي آخر يعود تاريخه إلى القرن الربع قبل الميلاد.
وأقيم على الاستاد الكثير من مباريات المصارعة حتى الموت والمصارعة ضد الحيوانات الوحشية. وظهر هذا الاستاد في خلفية دورة الألعاب الأوليمبية في اليونان التي أقيمت في عام 2004.
وفي تسالونيكي شرق اليونان، يقع معلم سياحي آخر هو متحف الحضارة البيزنطية الذي يضم ثلاثة آلاف قطعة مختلفة من اللوحات والأواني الفخارية والملابس من العصر البيزنطي الذي انتهى بسقوط القسطنطينية في عام 1453.
أرسل تعليقك