يعاني فندق "ريو إمبريال مرحبا" في تونس من انعدام السياحة، لا سيما بعد أن أصبح شاغرًا من موظفي الاستقبال، وتفريغ المياه من حمامات السباحة، وتراكم الأتربة على الأجهزة في صالة الألعاب الرياضية، فضلًا عن عدم وجود مرتادين للشاطئ، وغلق أبواب الأجنحة الفاخرة، ويأتي ذلك بسبب هجوم شاب تونسي مسلح ينتمي إلى "داعش" لممرات الفندق، في العام الماضي، وارتكابه اعتداءً تعالت معه أصوات صراخ الموت.
ولكن فندق ريو إمبريال مرحبا لم يكن وحده الذي يواجه مصير الأبواب المغلقة والغرف الشاغرة، فبامتداد الشاطئ وعبر مختلف أنحاء تونس، هناك العديد من الفنادق التي تغلق أبوابها بسبب خوف السائحين من الذهاب إليها.
وتسبب هذا الحادث الأليم، الذي نفذّه المسلح المنتمي إلى تنظيم "داعش" سيف الدين رزقي اليعقوبي، وأسفر عن مقتل 38 سائحًا من بينهم 30 مواطنًا بريطانيًا خلال استجمامهم في عطلة صيفية، في انخفاض أعداد السائحين، بنسبة 25 في المائة، ليصل إلى 5,5 مليون زائر فقط. وبدأ هجوم رزقي الإرهابي الذي امتد لنحو نصف ساعة من الوقت قبل وقت قصير من منتصف النهار بالتوقيت المحلي عندما خطت قدماه الشاطئ في المنتجع الشهير في ميناء القنطاوي مع وجود بندقية من طراز AK-47 مخبأة أسفل مظلة.
وفي البداية، أخذ يمطر المصطافين المستلقين على الشاطئ بالطلقات النارية. ونظراً لكون العديد منهم متقاعدين، فلم يكونوا قادرين على الهرب، في ظل حالة الهرج التي اندلعت وتعالت معها الصيحات. ثم توجه بعدها نحو فندق إمبريال ليسقط المزيد من الضحايا الأبرياء، إحداهم كانت كارلي لوفيت البالغة من العمر 24 عامًا فقط.
وأوضح الناجون أن رزقي الذي كان متعاطيًا للكوكايين في ذلك الوقت أخذ يضحك و يبتسم وهو يحصد أرواح العشرات من الضحايا خلال الاعتداء الذي امتد لنحو 25 دقيقة. ونجح بول شورت من نورثمبرلاند في إنقاذ زميله أحد المصطافين بعد التأكد من أن زوجته سارة في مأمن. وقدم شورت الإسعافات إلى رجل كان ينزف بشدة عقب إصابته بطلقٍ ناري، واضطر بعدها الجندي الإقليمي السابق أن يخبر ذلك الرجل بمصرع زوجته. وقد قام بنقل جثتها و نزلاء آخرين في الفندق، بينما كان يلتقط المسلح صوراً لمسرح الحادث.
ووصف شهود العيان سماع الطلقات " بالأزيز المار فوق الرؤوس "، فيما صرح أحد العاملين في الفندق ويدعى حسام لصحيفة الميل بأن المسلح الذي كان حافي القدمين ويرتدي سروالا قصيرا ظل يضحك وهو يطلق النار غير مبالٍ بسقوط قتلى. وفي حوالي الثانية عشرة والنصف ظهرا بالتوقيت المحلي توجه إلى الشوارع خلف الفندق، ولكن الشرطة المسلحة أخذت تلاحقه. وقام أحد عمال البناء المحليين بإلقاء البلاط على رأس رزقي الذي بدأ في إطلاق النار بصورةٍ عشوائية، مع مبادلة الشرطة للنيران معه حتى سقط قتيلاً.
واكتشفت الشرطة بعد تفتيش القتيل أن رزقي البالغ من العمر 23 عامًا كان من الممكن أن يقتل المزيد من السائحين، نظراً لحوزته قنبلة لم تنفجر. وعلى الرغم من أن الصحيفة الجنائية له تخلو من الجرائم، إلا أنه كان معروفاً لدى السلطات " بتطرفه المحدود ".
ومن داخل منزل العائلة في قعفور حيث المنطقة الفقيرة داخل محافظة ساليانـا التونسية ، قال عمه علي بن محمد رزقي بأنه كان شاباً رائعاً يحب كرة القدم والرقص. كما يشهد زملاؤه بأن سجل حضوره كان جيداً جداً، ونتائجه في اختبارات الهندسة تعد من بين أفضل النتائج، ولكنه كان يخطط أيضاً لارتكاب عمليات قتل جماعي كجزء من خلية نائمة من خمسة رجال غير معروفين للشرطة على الإطلاق. وهناك مزاعم بذهاب أعضاء آخرين من الجماعة للقتال في سورية.
وراح ضحية هذا الاعتداء الإرهابي 30 بريطانيـاً إلى جانب ثلاثة مواطنين أيرلنديين و إثنين من الألمان و مواطن من بلجيكـا وآخر من روسيـا بينما الثالث من البرتغال. وشوهدت صور آثار الهجوم الإرهابي من كافة أنحاء العالم، والتي ظهرت فيها الجثث ملقاة على الرمال، وحمام السباحة ملطخ بالدماء، وكذلك اليعقوبي وهو يسير بطول الشاطئ مبتعداً عن مسرح الجريمة وهو يحمل بندقيته من طراز AK-47. وهو ما ألقى بظلاله على السياحة في تونس وأثر عليها بشدة.
وأبلغت وزارة الخارجية البريطانية مواطنيها بعدم السفر الى تونس إلا في حالة الضرورة، ما أدى إلى تراجع أعداد السائحين البريطانيين بواقع 94 بالمائة في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2016. ولم يكن مفاجئاً بعدها غلق ثلث عدد الفنادق في تونس أبوابها منذ حزيران / يونيو الماضي، وترك الآلاف من دون عمل. فهي بمثابة كارثة للبلاد التي تعتمد على السياحة في ثمانية بالمائة تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي، وذهب على إثرها المزيد من الشباب الفقير للانضمام إلى تنظيم "داعش".
ويبذل طارق العوادي مدير مكتب السياحة الوطني التونسي في المملكة المتحدة جهوداً مضنية من أجل تخفيف نصائح السفر وإعادة السائحين إلى البلاد. وقال بأنه لا ينبغي معاقبة تونس على جرائم الإرهابيين الذين يريدون الإضرار باقتصادها.
أما محرز سعيدي وهو المدير العام لفندق إمبريال، فقد أكد على أنه من الصعب نسيان الأحداث التي وقعت صباح يوم الجمعة من العام الماضي، والتي شهدت فقدان العديد من الأصدقاء في 26 حزيران / يونيو. مشيراً إلى أن العلاقة مع النزلاء كانت أشبه بالعلاقة ما بين الأصدقاء وليس فندق و نزلاء. وحاول فندق إمبريال إعادة فتح أبوابه في الخريف الماضي، والعمل على إزالة كافة المخاوف من التصرفات البغيضة لأحد الرجال ممن يحملون أيديولوجية مشوهة. ولكن بالكاد حضر نزلاء، حيث بلغت أعدادهم في مطلع تشرين الأول / اكتوبر 30 نزيلاً فقط، في حين ينبغي ألا يقل العدد عن 800 وبالتالي عاد ليغلق أبوابه من جديد. ومع احتمالية فتح أبوابه مرةً أخرى هذا الشهر، إلا أنه لا توجد إشارة على وجود حياة.
ويتفق سعيدي مع عوادي في أن الحكومات الأوروبية تحتاج إلى بذل المزيد لتشجيع المواطنين على السفر إلى تونس التي قامت بتوظيف ما يزيد عن 1,000 عنصر إضافي من ضباط الشرطة من أجل أن يجوبوا الشواطئ و المقاصد السياحية. وأضاف سعيدي بأن الاحتفال يوم الأحد بالذكرى السنوية سوف يكون للحياة ونبذ الإرهاب، وذلك إحياء لذكرى الأبرياء الذين راحوا ضحية للحادث. مؤكداً على عزمهم الاستمرار في بذل كافة الجهود اللازمة للخروج من هذه الأزمة.
أرسل تعليقك