بنيت قرية بتير قبل نحو 5 آلاف سنة، وتحمل اسم كنعاني الأصل، يعني "بيت الطير"، حيث تملأ الطيور بأشكالها وألوانها المختلفة سماء القرية، الواقعة بين مدينة المسيح عليه السلام بيت لحم، ومدينة القدس مسرى النبي محمد (ص)، وتتميز بالمنازل الأثرية القديمة وبعض المقامات الدينية وقبور الأولياء والصالحين.
ومن أشهر معالم بتير التي تكاد تكتسي بثوبها الأخضر طوال العام، لتنوع مزروعاتها الشتوية والصيفية، الباذنجان البتيري والزعتر البري والنعناع والبقدونس، وتم بناء حاجز من رأس الجبل حتى نهاية الوادي، وذلك للحفاظ على الأتربة من الانجراف نتيجة تقلبات الظروف الجوية، وساعدها وجود 8 ينابيع للمياه في استدامة وتنوع زراعتها.
وقالت ناديا مصطفى لـ"فلسطين اليوم" إن والدها حسن الذي يعتبر رائد التنمية البشرية في فلسطين قام بإعادة بناء عين بتير للمحافظة على أقدم نظام ري في مسقط رأسه بتير، وللاحتفاء بخيرات المياه والتدليل على أهميتها في تأمين حاجة أهالي البلدة من الماء، وتوفير احتياجاتهم في الزراعة ومتطلبات الحياة.
وأضافت ناديا التي تشغل منصب مدير مؤسسة تحمل اسم والدها لمراسلنا بالقول: من أبرز الآثار في القرية وجود قلعة كنعانية وحمام روماني، والبئر التي شرب منها سيدنا إبراهيم "عليه السلام" في طريقه إلى مدينة الخليل، والمسجد العمري الذي صلى فيه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين فتح القدس.
وأجرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" عام 2007، العديد من الدراسات والأبحاث على تاريخ القرية، وأدرجت "اليونسكو" عام 2014 مدرجات بتير على لائحة التراث العالمي، ليتوقف بناء الجدار والزحف الاستيطاني من التهام أراضي القرية، واستحقت جائزة "ميلينا مركوري" الدولية عام 2011 لشدة جمال مدرجاتها الزراعية.
وقال رئيس بلدية بتير أكرم بدر لـ"فلسطين اليوم" إن أراضي القرية تنشطر إلى قسمين، وذلك لوجود سكة القطار التي بناها العثمانيون في أوائل القرن الماضي ضمن مشروع "قطار الحجاز"، وبعد خروج العثمانيين من فلسطين قام الانتداب البريطاني باستكمال المشروع، فبقي يربط القدس بالساحل الفلسطيني.
وأضاف "تنقسم أراضي القرية حالياً إلى جزأين، قسم تسيطر عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي، والآخر تحت السيادة الفلسطينية، ولا يروق أمر وصول المواطنين الفلسطينيين لأراضيهم خلف سكة القطار لقوات الاحتلال، التي تعمل جاهدة على تدمير الإرث الحضاري والإنساني والتاريخي والثقافي والطبيعي للقرية، خدمة لأهدافها الاستيطانية".
وطالب بدر الحكومة الفلسطينية بتوفير الدعم المطلوب لإنشاء بنية تحتية تلبي حاجة القرية، حيث يزور القرية بشكل يومي 2000 سائح تقريبا، وزارها العام المنصرم نحو ربع مليون سائح، وتعتاش نحو 70 عائلة في القرية من وراء الحركة السياحية في القرية.
ويشار إلى أنه بعد عام النكبة 1948، بقي في القرية 14 مواطنا، استطاعوا حمايتها ومنع الاحتلال من الاستيلاء على أراضيها، وعاد غالبيتهم بعد ستة شهور من الحرب إليها، ويوجد ثماني عائلات في القرية تتقاسم المياه للري وفق حصص محددة منذ قرون مضت، ولم يحصل أن حدث أي خلاف بينها على القسمة.
وتكمن أهمية بتير في أنها كانت الطريق أمام حركة القوافل المتنقلة ما بين أقطار بلاد الشام والحجاز، وهذا ما جعل منها نقطة جذب للسكان للإقامة على سفوح تلالها العالية، فجاء وجودهم بمثابة حماية مطلوبة للقوافل المارة من المنطقة، وكانت مقصد القرى المجاورة في تأمين سلات بيوتهم الغذائية.
وتبلغ مساحة قرية بتير 12 ألف دونم، ويقطن فيها نحو 7000 مواطن، ويمنع المزارعون من الوصول لأراضيهم الواقعة خلف سكة القطار إلا بالحصول على تصريح من سلطات الاحتلال، حيث يهدف الاحتلال من وراء إجراءاته على إجبار المزارعين على التخلي عن أراضيهم، وصرف أنظارهم عنها للاستيلاء والسيطرة عليها بصورة منظمة.
أرسل تعليقك