تعدّ مدينة نانجينغ أحد أهم وأكبر الموانئ النهرية الداخلية في الصين منذ إنشائها كعاصمة للدولة عام 229 ميلادية، وتعرف بأنها واحدة من العواصم الأربعة الكبرى في البلاد.
وعُثر فيها على حفريات للإنسان منتصب القامة يعود تاريخها إلى نحو 600 ألف عام، وما زالت الأسوار الحجرية التي أحاطت بالمدينة أثناء حكم أسرة مينغ (خلال الفترة بين عامي 1368 و1644) واقفة إلى جانب نصب تذكارية تخلد الجمهورية الأولى للصين وناطحات السحاب المعاصرة، مما يربط المدينة بشكل مستمر بماضيها المعقد والمتغير.
إقرأ أيضـــا: غوا تطل على شاطئ جميل تزينه الأكواخ المختبئة والمنتجعات الساحرة
وتقول فريا درو، وهي من شيفيلد بإنجلترا وتقيم حاليا في المدينة وتعمل في التدريس: "يوجد في نانجينغ تنوع معماري كبير جدا، بدءا من المباني منخفضة الارتفاع إبان الحقبة القومية حول بكين شي لو، وصولا إلى ناطحات السحاب حول شينجيكو وأزقة الأكواخ المتعرجة حول بوكو القديمة"، وبينما يبدو هذا التجاور للأنماط المعمارية المختلفة منفراً في مدن أخرى، فإنه يبدو جيدا في نانجينغ.
ويقول إيد كولام، وهو مدرس من أسكتلندا ويعيش في نانجينغ منذ 2018: "الطرق التي تصطف على جانبيها الأشجار ترتفع وتنخفض داخل المدينة، ويجري تحويل المناطق السكنية القديمة إلى مبان حديثة. وبينما تعتبر نانجينغ مدينة حديثة بلا شك، فإنك تشعر بقدمها خاصة عندما يجعل موقع المدينة التاريخي المباني منسجمة ومتسقة مع الطبيعة المحيطة بها".
وتقدم نانجينغ كمدينة جامعية سكانها الأجانب في تزايد مستمر، إيقاعاً حياتياً مختلفاً عن ضجيج بكين المزدحمة (التي تقع على بعد 1000 كيلومتر إلى الشمال)، أو عن شنغهاي المتقدمة والمتطلعة دوماً إلى المستقبل (التي تقع على بعد 300 كيلومتر إلى الشرق)، بكونها مدينة يقبل الوافدون الجدد على العيش بها للاستمتاع بأنماط حياة هادئة.
رغم أن نانجينغ تضم 8.3 ملايين نسمة فإنها تعد واحدة من بين عدد قليل من المدن الصينية الكبيرة التي توفر إمكانية العيش في هدوء وخصوصية.
يقول كولام: "في بوكو (وهي منطقة تقع في شمال غرب نانجينغ) تستطيع أن تصل إلى أطراف منطقة لاوشان ذات المناظر الطبيعية الخلابة بمجرد ركوبك الحافلة لمدة 30 دقيقة. هذه المنطقة الشاسعة من التلال المكسوة بالغابات يتخللها كثير من الممرات والدروب التي تسهل عليك الابتعاد عن ازدحام البشر".
وتوفر بحيرة شوانوو ملاذا هادئا في وسط نانجينغ، حيث تنتشر المعابد والمطاعم والمقاهي التي تقدم الشاي في حديقة بحيرة شوانوو.
وللتعرف أكثر على ماضي نانجينغ، يوصي كولام بالسير في شوارع لاو مين دونغ، وهي منطقة للمشاة أعيد تجديدها وتقع إلى الشمال مباشرة من نهر تشينهواي.
وتظهر في شارع لاو مين دونغ، الذي يعد أحد أقدم شوارع المدينة، مبان خشبية تقليدية (أعيد تجديدها لتبدو مشابهة للأصل) تضم متاجر لبيع التذكارات والتحف والمصنوعات السياحية، وكذلك مطاعم صغيرة تقدم أطباقاً محلية.
ولا يشبه سور نانجينغ القديم أسوار المدن الأخرى في بكين أو شيان، فهو ليس منتظماً أو على نسق واحد ويحيط بالبحيرة والمناطق الجبلية.
ونتيجة لذلك، تظهر المواقع الطبيعية في مناطق غير متوقعة من المدينة. وما يعشقه المواطنون هنا هو ذلك الشعور بالدهشة عند رؤية هذه المناطق الطبيعية، مثل نهر يانغتسي وسلسلة جبال جبل تشونغشان وبحيرة شوانوو.
ويقول كولام: "العيش في نانجينغ بالنسبة لي يعني الابتعاد عن الأماكن الرئيسية المزدحمة والتوجه نحو الأزقة القديمة حيث يمكنك الوصول للميادين أو حتى إلى مناطق المياه أو الأشجار الكثيفة. هذا التنوع الكبير هو الذي يعطي نانجينغ سحرها المميز".
يوجد في مدينة نانجينغ مجتمع طلابي كبير نظراً لكونها تضم جامعة نانجينغ التي تعد إحدى أفضل الجامعات الصينية، طبقاً لتصنيف التايمز الخاص بالتعليم الجامعي في آسيا لعام 2019.
وتقول درو: "هناك مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأماكن التي تقدم الكحوليات، سواء الرخيصة أو الغالية. ويوجد في نانجينغ حياة ليلية صاخبة، خاصة بين الوافدين. ففي كل ليلة هناك مناسبة أو حفل حول حي شانغهاي لو"، كما تضم المدينة عددا كبيرا من الحانات منخفضة المستوى والأماكن التي تعزف فيها الفرق الموسيقية ألحانها "لأولئك الذين يفضلون الابتعاد عن المستوى المعتاد،" كما يقول كولام.
وبالنسبة إلى أولئك الذين يشتاقون إلى طعام بلادهم الأصلية فلا يوجد هنا نقص في المطاعم الأجنبية والمقاهي التي تقدم الطعام للوافدين والطلبة القادمين من الخارج، أما التنقل في أرجاء المدينة فهو أمر ميسور، حيث توجد في نانجينغ شبكة أنفاق تتسم بالفعالية والكفاءة وتغطي معظم أرجاء المدينة، كما أن ركوب الدراجة الهوائية خيار قائم، حيث توجد طرق واسعة ومستقيمة مخصصة لذلك.
ويتحدث المواطنون في نانجينغ عن إمكانية العيش بتكلفة معقولة إلى حد كبير مقارنة بمدن صينية أخرى، خاصة فيما يتعلق بالسكن، حيث يمكن استئجار شقة مساحتها 85 متر مربع بأقل 50 في المئة من سعر استئجارها في بكين وأقل بنسبة 65 في المئة من شنغهاي، حسب موقع Expatistan.com المتخصص في الأمور المتعلقة بتكاليف المعيشة.
ورغم كل هذه المميزات، قد يكون الطقس قاسيا في الشتاء، وبخاصة أن غالبية المباني تفتقر للتدفئة المركزية.
ويقول كولام: "تشعر ببرودة أكبر في الشتاء بسبب الطقس الرطب، وبدون توفر تدفئة مركزية يكون البرد شديداً في الداخل"، أما الصيف فهو شديد الحرارة والرطوبة أيضا.
في عام 1937، أثناء حرب الصين واليابان الثانية، كانت نانجينغ موقعاً لهجوم قاتل على المدنيين، حيث قتل عدد كبير من المدنيين على أيدي الجنود اليابانيين في ما يعرف اليوم بمذبحة نانجينغ (العدد الإجمالي للقتلى ما زال مثار خلاف كبير بين البلدين وبين الباحثين).
كما وقع عدد كبير من الجرحى وحالات الاغتصاب أثناء الهجوم الذي استمر ستة أسابيع. ومازالت ذكريات ذلك الهجوم ماثلة في أذهان المواطنين.
ويقول كولام: "بالنسبة للكثير من الناس، لا يمكن نسيان أو غفران مآسي مذبحة نانجينغ والاجتياح الياباني، وهو شعور يجري توارثه جيلاً بعد جيل. إن تداعيات ذلك قد يكون له تأثير على الطريقة التي ينظر بها بعض المواطنين في المدينة للوافدين".
ويلاحظ كولام بصفة عامة أن المرء يشعر هنا ببعض الأمور التي تتسم بالتقليدية والمحافظة بشكل أكبر منه في مدن صينية أخرى، وهو ما يمكن أن يشكل صعوبة في تكوين أصدقاء محليين بسرعة.
وقد يساعد تعلم اللغة الصينية والحديث بها في عملية الإندماج مع المجتمع المحلي، الذي يعاني من الحواجز الثقافية واللغوية، لكن نانجينغ تستفيد من "المشهد الثابت والمتنوع للوافدين"، حسب كولام، لذا من السهل أن يصبح لك أصدقاء أجانب تجمعك بهم اهتمامات ومصالح مشتركة.
قد يهمك ايضا : 4 وجهات سياحية عليك زيارتها في القارة السمراء
أفضل المطاعم في إندونيسيا
أرسل تعليقك