استيقظت في منتصف الليل على صوت ضجيج، وكان الأمر يبدو وكأنه حشد من الناس يصرخون في الشارع تحت شقتي، وبعدها تذكرت أنني لست في شقتي وأن هذا ليس صوت أشخاص بل هو صوت ضفادع. وقد ولدت هذه الضفادع في بركة واسعة وتركت بسبب الأمطار التي هطلت مؤخرًا ويبدو الأمر وكأن هناك الآلاف منها تصدر أصواتًا في الليل مدعومة بنشاز من الصراصير.
الصوت عالٍ جدًا لدرجة أنني ظننت ان جدران الغرفة مصنوعة من الورق وليس الطين، واسترقت النظر في الخارج ولم أستطع أن أتخيل كم هذه المخلوقات الكامنة في شبه ظلام كامل ومصدر الضوء الوحيد هو ضوء النجوم في الأعلى، فمرحبًا بكم في "كازامانس".
مرحبًا بكم في أكبر مكان يقصده السياح في السنغال، حيث يصل عدد السياح فيها الى مليون سائح في السنة ويتجهون إلى "بيتيت كوت" في جنوب داكار، وستجد هناك المنتجعات الفاخرة التي بدأت في الظهور في الآونة الأخيرة، ولم تكن المنطقة على هذا النحو في السابق. فبالعودة إلى عام 1970 كانت المنطقة مركزًا سياحيًا ناشئًا في البلاد في كازامانس جنوبي السنغال، ثم جاءت الحركة الانفصالية في عام 1980 وعلى الرغم من ان وجود الأجانب كان نادرًا وذلك بسبب الصراع المتقطع في المنطقة فقد توقفت خطوط الطيران الى هذه المنطقة وأغلقت الفنادق.
وقال سيمون فنتون والذي يعد للقائي في وقت متأخر من الليل: "أذكر الصراع الانفصالي في إفريقيا وذعر الناس بسببه".
وأضاف : "ولكنني أقول لك أنك هناك الكثير ما يدعوك للقلق عند الخروج في أجزاء من لندن ليلًا أكثر من هنا". فالوضع هادئ حاليًا في كازامانس، فبعد توقيع اتفاق سلام بين الحكومة السنغالية والانفصاليين يتوقع سيمون الذي ولد في أكسفورد أن تنتعش السياحة مرة أخرى في المنطقة، وأضاف سيمون بضعة أكواخ للزوار بعد بناء منازل تقليدية. وقد افتتح ليتل باوباب في عام 2013 مع زوجته السنغالية كادي ماني، ويقول سيمون إن مزيدًا من السياح سوف يأتون إلى أبيني كل عام.
وهذه المدينة ليست بعيدة عن الحدود مع غامبيا حيث تسبب التاريخ الاستعماري في فصل كازامانس عن بقية السنغال. وفي المدينة عدد قليل من الطرق الترابية مع عدة هياكل إسمنتية متناثرة على طول الطريق، وتجد غابة على الجانب الآخر وتصل في نهاية "الطريق الرئيسي" إلى مكان واسع عبارة عن شاطئ مهجور حيث أشعة الشمس البيضاء تقودني إلى أموا ج المحيط الأطلسي المتلاطمة، والعلامة الوحيدة على وجود بشر هو كوخ وبعض قواب الصيد على الشاطئ.
وتؤكد لي كادي أن أبيني تعجُّ بالحياة في ديسمبر/كانون الأول حيث تستضيف المدينة مهرجان Abene Festivalo والذي يبدأ من 26 ديسمبر/كانون الأول ويستمر حتى 2 يناير/كانون الثاني . وتزداد شعبية المهرجان بين الجماعات العرقية المختلفة الموجودة في السنغال حيث يعرضون موسيقاهم التقليدية ويرقصون، وفي حين أن معظم سكان أبيني هم من المسلمين إلا ان التقاليد القديمة لشعب الديولا لا تزال بالغة الأهمية، ومثل كثير من الأطفال يرتدي نجلي كادي وسيمون قلائد غريس وأساور لدرء الشر.
وقد قادتني كادي إلى الطريق الرئيسي للذهاب إلى "بانتام ورا" حيث شجرة أبيني المقدسة، وتمثل هذه الشجرة مزيجًا من العقيدة الإسلامية والوثنية مع أداء الرجال الصوفيين لاحتفالات متعددة وغامضة هنا. وبالنظر عن كثب فـ "سيبا العظيمة" تتكون في الواقع من 6 أشجار، وفي هذا الشأن فإن دليلا مقيمًا في المنطقة يدعى آمدو وهو على استعداد لأن يخبرك بكل ما تريد أن تعرفه عن "بانتام" مقابل قليل من الفكة. فيقول "تنمو الأشجار المختلفة معًا، السنغال أيضًا كذلك حيث "ديولا" و"ماندينكا وولف" ومسلم ومسيحي يعيشون جميعهم معًا ولا توجد مشكلة".
وبعد بضعة أيام انطلقت جنوبًا من أبيني لأصل إلى "سبت بليس" حيث توجد محطة عربات قديمة مثل تلك التي هي وسيلة النقل الرئيسية في كازامانس، وبعد أن حشرت مع 6 ركاب آخرين في السيارة لمدة ساعتين حيث الرطوبة في الخارج تقترب من 100 % وعبرت نهر كازامانس العريض لأصل إلى زيغينشور. وهناك قررت أن أكافئ نفسي بقضاء ليلة في أفضل فندق في العاصمة في واحة من الهدوء بعيدًا عن الصخب بشكل نسبي في فندق "كادياندوماجني" الذي يتمتع حديقة جميلة، وعدة خطوات تقودك إلى مسبح يطل على نهر تصطف عليه أشجار "المانغروف".
أما في اليوم التالي فقد قدت إلى الجنوب من زيغينشور متجهًا إلى ديولا وهي مسقط رأس الملك حيث رائحة النعناع والمانجو تفوح داخل السيارة، وتعج الغابة التي تقع على جانب الطريق بالطيور الاستوائية تطير في الأعلى، كما أن أسطح الأكواخ الطينية يمكن تغطيتها باستخدام غطاء نباتي خفيف، وأعتقد أن الألوان الخضراء مشعة لو كانت في أوروبا، بينما تحمل النساء المسنات على جانب الطريق سلالًا متوازنة فوق رؤوسهم ويختفي المراهقون بين النخل الرفيع.
ومثل أبيني فإن أوسوي تمتلئ بالأشجار حيث يوجد فيها مزيج من أشجار الكاجو والمانجو والموز وسيبا، ولا شيء أجمل من استكشاف المكان من خلال دراجة كما يقول المرشد المحلي كارلوس. وقضينا بعد الظهر نسير في الغابة وتوقفنا عند قرية معروفة بصناعة الفخار والنحت على الخشب، والأكثر إبهارًا في كل الأشياء هي "الأوثان" الدينية المعلقة على عديد من المنازل، وترى القرون المشؤومة معلقة فوق هذه المذابح المرصعة بالصدف وتستخدم لعدة طقوس ، وحسبما يقول كارلوس ففي شمال كازامانس يوجد عدد كبير من المسلمين وأوسوي ستجد الكاثوليك لكن المعتقدات الوثنية تنمو تحت غطاء مسيحي، وكما هو الحال في أبيني فالناس لا يرون تناقضًا في هذا على الإطلاق.
وسأعود قريبًا على ساحل المحيط الأطلسي في ديمبرينغ هذه القرية الهادئة وتبعد مسافة قصيرة بالسيارة إلى الشمال من كاب سكيرينغ حيث نصف الطبيعة التي استغلتها المنجعات السابقة ما عدا كلوب ميد الذي أعيد افتتاحه في عام 2010، وخلال مأدبة عشاؤء من السمك المشوي في أكيني لودج توضح مالكته الفرنسية آن جافييتو كيف تغيرت الأشياء منذ أن استقرت هنا منذ 14 عامًا مع زوجها السنغالي، وعلى الرغم من أنها لم تشعر أبدَا بالخوف أثناء الصراع إلا أنه يمكنك سماع أصوات بنادق الكلاشينكوف في بعض الأحيان في جوف الليل.
واستيقظت مبكرًا في اليوم التالي وأناعلى قناعة تامة أنني في شقتي وأنه بداية لحركة المرور الصباحية ويمكنني سماع صوت حركة في الخارج، وبدلًا من ذلك صوت تلاطم الأمواج عند رمي حجر من أكيني لودج، والسير إلى الساحة الرئيسية للذهاب إلى مطار زيغينشور.
وأتوقف لأعجب من قرص الشمس البرتقالي وقت الشروق وهو على حافة بحيرة خلف باوباب المزهرة وهو رمز السنغال الوطني، لا توجد مثل هذه الإطلالة عند العودة إلى الوطن.
أرسل تعليقك