استوكهولم _ نانسي نجم
تعتبر مدينة لابلاند في أقصى الشمال السويدي، أحد أشهر الوجهات السياحية في العالم، فهذه المنطقة تضم في جنباتها كل ما هو مثير وغريب، فهي تتميز بمساحاتها الشاسعة ما يجعلها نقطة جذب لمحبي المغامرات والباحثين عن الهدوء والسكينة.
ويطلق عليها السياح اسم "ألاسكا الأوروبية"، لشهرتها بالطبيعة الباهرة والثلوج الخلابة، ولعل أشهر الأنشطة التي اشتهرت بها لابلاند، هي تمارين اليوغا على الجليد، وسط درجة حرارة تصل إلى 17 تحت الصفر. وتنفرد شركة الخدمات السياحية "أكتيف نورث" لصاحبتها ومؤسستها ريبيكا بوجورك، بتقديم رياضة اليوغا لكل القادمين إلى المدينة، وذلك تحت شعار "أكثر المغامرات الطبيعية خطفًا للأنفاس".
وتروي مراسلة صحيفة "الغارديان" البريطانية، إيما كوك، تفاصيل رحلتها إلى مدينة لابلاند الفنلندية، قائلة "لم أحظ بتجربة أكثر خطفًا للأنفاس كممارسة اليوغا، وسط درجة حرارة قارصة البرودة قبالة بحر البلطيق، وجميعنا نقف في دائرة وأيادينا مرفوعة، تحاوطنا أضواء الشموع بينما تحاول الشمس الغروب مخلفة ورائها سديم أرجواني خلاب، وتخبرنا ريبيكا أن سحر اليوغا لا يكمن في ممارستها بل فيما يحيط حولنا من موجودات. وأنها تمارس يوغا الجليد منذ أعوام.
ويشمل برنامجها المشي على الجليد والتأمل والنحت على الجليد. وفي الحقيقة أنا لست مقتنعة بفوائد يوغا الجليد الصحية التي تخبرنا عنها ريبيكا، والتي تتمحور بشأن تعزيز الدورة الدموية التي تجعلنا أكثر يقظة ونشاطًا. بالنسبة للحصول على العلاج المناسب هو الاستلقاء على الجليد والتحديق صوب السماء المرصعة بالنجوم، والاستماع إلى صوت ارتطام البحر المتجمد بالصخور".
وأضافت كوك "يتعاظم لدي الشعور المادي هنا. بل أن التنفس بعمق في كل وضعية لليوغا يخلق لدي شعورًا بالبهجة، وأن انغراس قدماي في طبقات الجليد السميكة وارتدائي للسترة الجليدية والحذاء المطاطي، جعلني أنسي مشقة وضعيات اليوغا المختلفة، والتي تتطلب وقتًا ومجهودًا شديدًا. وبعد تمرين استمر لنصف ساعة، جلسنا على الجليد لنحتسي شاي الأعشاب وما لبثنا أن رجعنا إلى كبائنا لتناول العشاء المنزلي، الذي سيطر عليه طبق السلمون اللذيذ والبرقوق والبرتقال وسلطة الشمندر، إضافة إلى اللازنيا المطبوخة مع جبنة الماعز". وتقول لنا ريبيكا إن أهم شيء في برنامجها هو قضاء أطول وقت ممكن في الخارج، وهو الأمر الذي جعلني أشعر بالحيرة في بداية الأمر، إذ كنت أعتقد أننا سنقضي بعض الوقت الحميمي، ونحن جالسين حول النار لنسرد بعض القصص المثيرة في حياتنا".
واستطرد "لم أكن اتخيل شعور الجلوس وسط درجة حرارة تبلغ 25 تحت الصفر، إلا أن حتى التفكير في ذلك أمرًا شاقًا للغاية، ولكني لم أكن بحاجة للقلق، فمن وجهة النظر السويديين أن التدفئة هي من قبيل الفن، لذا يرون أن أنسب وسيلة للحصول على التدفئة وسط الصقيع هي الاستمرار بالتحرك. لم يمر يومًا واحدًا حتى شعرت بأني محترفة، خاصة وأنا مقيدة بحذاء الثلج وعلى وشك ممارسة التزلج، وتوقفنا لتناول الغذاء على حافة غابة البتولا القديمة، وتعد لنا مرشدنا وليمة غذاء لذيذة مكونة من حساء الرنة والبطاطا الطازجة والفطر البري المطبوخ، مع الكريمة وصلصة ينجونبيري. ها نحن في البرية منذ يومين ولم أقابل متزلجًا واحدًا أو أي شخص على الإطلاق".
وأوضحت كوك أن مساحة لابلاند تعادل مساحة إنكلترا بينما عدد سكانها لا يتجاوز 250 ألف نسمة، ونادرًا ما لا تخلو المدينة من البشر فأكبر مدنها وهي العاصمة لوليلا لا يتجاوز عدد سكانها 70 ألف نسمة، فضلًا عن أغلب السكان هناك من الميسور حالهم لقلة عددهم، وتمتاز قرية سكيتلفتيا القريبة في منطقة تسوق في الهواء تعمل بنظام التدفئة الأرضية.
وفي شمال السويد، يسكن شعب السامي، وهو الشعب الأصلي للدول الاسكندنافية، ويبلغ تعدادهم في السويد اليوم بضع عشرات من الآلاف، واستوطن شعب السامي لابلاند قبل نحو 12 ألف عام. وعلى امتداد تاريخهم الطويل، استطاع الساميون ترويض غزلان الرنة وغيرها من الحيوانات على شكل مجموعات لتكون مصدر رزق لهم، وأخذوا يتنقلون بانتقالها قاطعين الجبال والأودية والأنهار في أرض لابلاند الشاسعة، وطوروا ثقافتهم الخاصة ولغتهم المميزة، ما جعلهم قومية مستقلة لا تزال تعيش اليوم مفتخرة بتراثها ومعتزة بأرضها السخية.
أرسل تعليقك