يُعدّ مرض السرطان من أهم أسباب الوفيات في جميع أرجاء العالم، بمعدل نحو 14 مليون حالة جديدة و8.2 ملايين وفاة متعلقة بالسرطانات عام 2012، وفقًا لما نشرته منظمة الصحة العالمية، التي توقّعت ازدياد حالات الإصابة بنحو 70% خلال العقدين المقبلين.
كذلك اعتبرت المنظمة أنّ سرطان الثدي يتصدّر لائحة الأمراض التي تصيب نساء العالم، إضافة إلى سرطان القولون والرئة وعنق الرحم والمعدة، وأرجعت الأسباب إلى عوامل سلوكية وغذائية رئيسة، هي ارتفاع نسب كتلة الجسم، وقلّة النشاط البدني، والتدخين، والكحول.
ووفقًا للجمعية اللبنانية لمكافحة سرطان الثدي، فإن امرأة من أصل 8 معرّضة للإصابة بسرطان الثدي خلال حياتها، في حين يعتبر هذا المرض الأكثر انتشارًا من بين أنواع السرطانات الأخرى لدى النساء، مشكّلًا 22% من الحالات، ولا تعدّ استثناء، إذ يكثر الحديث عن حالات الإصابة بسرطان الثدي، وغالبًا ما يتمّ الكشف في هذه الدول والدول النامية بشكل عام، عن الإصابة في مراحل متقدّمة لغياب التوعية.
وقالت الطبيبة النسائية في مستشفى ومركز بلفو الطبي، وفي عيادة Healthquarter Polyclinic في بيروت، د. غايل أبو غانم، إن "50% من حالات سرطان الثدي في المنطقة هن نساء دون الخمسين من العمر".
وقد باتت التوعية بشأن سرطان الثدي أكثر حضورًا في الأعوام الأخيرة في المنطقة العربية، لا سيما مع حلول شهر أكتوبر/تشرين الأول الوردي أو الحملة العالمية للتوعية بسرطان الثدي، التي بدأ العمل بها عالميًا عام 2006، والتي لا تقتصر على التوعية، بل توفّر أيضًا الدعم والمعلومات لمكافحة المرض.
وخلال أكتوبر، يكثر الحديث في الإعلام والفعاليات والجمعيات عن سرطان الثدي، في محاولة لزيادة الوعي والوقاية من هذا المرض، الذي يصيب العديد من السيدات والرجال أيضًا، فتشير أبوغانم إلى آخر تقرير أصدره السجل الوطني اللبناني للسرطان، عام 2013 بشأن عدد الإصابات في المستشفيات الحكومية، إلى أنه "من 16439 حالة لنساء مصابات بالسرطان، 7651 منهن مصابات بسرطان الثدي، و332 حالة لدى الرجال!".
وأضافت الدكتورة أن "وزارة الصحة اللبنانية مشاركة بقوة في حملة التوعية، وتوفّر الصورة الشعاعية Mammograms مجانًا في المستشفيات الحكومية، والصورة الصوتية Ultrasounds، مقابل نحو 26 دولارًا، أي بسعر مخفّض في عدد من المستشفيات والمراكز الطبية"، متابعة أن "المستشفيات الخاصة مثل مستشفى ومركز بلفو الطبي تسير على خطى الوزارة وتقدّم حسومات بنسبة 50% لهذه الفحوص".
وفي لبنان، لا يتوقّف الأمر عند هذا الحد، مع تكاثر المؤسسات والجمعيات التي تُطلق، سنويًا حملات توعية عملاقة خصوصًا على شبكات التواصل الاجتماعي، فتقود مثلًا الجمعية اللبنانية لمكافحة سرطان الثدي حملة "افحصي حالك كرمالك" للتركيز على ضرورة الخضوع لفحوص طبية، بالإضافة إلى صفحة "سرطان الثدي لبنان"، على Facebook التي تسعى لأن تكون منصة لنشر الوعي، من خلال منح المرضى وعائلاتهم فرصة مشاركة تجاربهم والحصول على مساعدة الآخرين، وهذه الصفحة تأتي ضمن الحملة الوطنية لسرطان الثدي، التي تنظّمها شركة "روش" في لبنان ووزارة الصحة. وهذا العام، أطلقت حملة "بحب ذكرك" لضرورة إجراء الصورة الشعاعية.
وفي الإمارات العربية المتحدة، تشارك الحكومة في مختلف الفعاليات والحملات الخاصة بـ"أكتوبر الوردي"، لعلّ أبرزها القافلة الوردية، التي تريد أن تجول في مختلف أرجاء الإمارات لإجراء الفحوص الشعاعية للنساء والرجال على السواء، والتي أطلقت عام 2011، وتعتبر مبادرة شاملة في الإمارات تحت مظلة مبادرة "كشف" لجمعية أصدقاء مرضى السرطان للكشف المبكر.
أما في المملكة العربية السعودية، فأطلقت الأميرة ريما بنت بندر آل سعود، ود. موضي بترجي 10 KSA التي تعتبر تجمّعًا اجتماعيًا في المملكة، وسعيًا للمشاركة في الجهد العالمي لنشر الوعي والتشجيع على ثقافة المجتمع، إضافة الى ذلك، تُموّل كل عائدات هذه المبادرة جمعية زهراء لسرطان الثدي، الملتزمة مساعدة النساء في رحلتهن الصعبة.
وقد تطول لائحة الجمعيات والحملات التي تسعى لنشر التوعية، والموجودة في العديد من الدول كـمصر والأردن، والتي لا تقتصر على حملات توعية، بل أيضًا على فعاليات لجمع التبرعات من خلال بيع الأشرطة والبطاقات، وغيرها من المنتجات لدعم هذه القضية.
ولا شك أن "أكتوبر الوردي" لم يحلّ إلا قبل أعوام قريبة على المنطقة العربية، ما قد لا يسمح بقطف ثمار حملات التوعية بعد، إلا أن العديد من الدراسات التي أجريت في دول أخرى، كشفت أن حملات التوعية تساهم في تغيير السلوكيات حيال الوقاية من السرطان، والكشف المبكر.
فبيّنت دراسة في اسكتلندا أنّ عدد النساء اللواتي توجّهن إلى الطبيب النسائي قلقات حيال سرطان الثدي بعد حملة التوعية، ازداد 50%، وأشارت دراسة أميركية، إلى تزايد عدد النساء اللواتي خضعن لصورة شعاعية خلال شهر نوفمبر بعد حملات التوعية، في حين كشفت دراسة أخرى أن عدد الزيارات على الإنترنت للبحث عن موضوع "سرطان الثدي" غالبًا ما تزداد خلال شهر أكتوبر.
علمًا بأن حملات التوعية زادت من عمليات الكشف المبكر، وهذا ما ساهم في إنقاذ حياة الملايين، وجمعت مبالغ كبيرة لدعم الأبحاث والدراسات، هذا الواقع يحثّ الحكومات والجمعيات على إطلاق حملات مماثلة بشأن أمراض أخرى بالخطورة نفسها، كأمراض القلب والبدانة وسواها.
وأكدت الدكتورة أبوغانم، أن هناك ارتفاع ملحوظ في عدد الصور الشعاعية والصوتية خلال أكتوبر حتى ديسمبر"، وأضافت: "هناك دائمًا مجال للتقدّم والتحسين، خصوصًا أن الثقافة الشرقية ما زالت تواجه صعوبة في الحديث عن السرطان بشكل عام، حتى أن كلمة "سرطان" لا تلفظ أحيانًا أمام المريض، وعليه، لا بد من تغيير عقلية الناس ليفهموا أن هذا المرض لا يعني الموت المحتّم، بل كلما كان الكشف عنه مبكرًا كان العلاج أفضل وأسهل".
أرسل تعليقك