يحتفل عُشَّاق الفنانة وردة الجزائرية اليوم الجمعة الموافق 17 من آيار/ مايو بالذكرى السابعة لرحيلها، فهي مطربة من العيار الثّقيل، أرغمتْ الكلّ على حُبّها والاستماع إليها، فحينما تشدو بكلماتها تلمس الإحساس، أثبتتْ وجودها سريعًا في مصر، بتواجدها في السّاحة الفنية على مدى 50 عامًا من المسيرة الفنيّة، الحافلة بالنّجاحات والإنجازات.
ونرصد بهذه المناسبة، أبرز ما مرّ في حياة وردة الغناء العربيّ.
بدايتها الفنيّة
ولدتْ وردة محمد فتوكي، الشّهيرة بـ"وردة الجزائرية"، بالحيّ اللاتيني بباريس في 22 من يوليو/ تموز عام 1939 لأب جزائريّ، وأم لبنانيّة.
ظهرتْ موهبتها، وهي في سنّ صغيرة، فقد بدأتْ الغناء في النّادي الليليّ، الذي كان يمتلكه والدها في باريس، وغنّتْ لأم كلثوم، وعبد الحليم، وأسمهان.
وسمعتْ وردة كثيرًا عن الملحن المبدع بليغ حمدي، فعندما لحّن أغنيته "تخونوه"، لعبد الحليم، أعجبتْ به كملحّن واعد.
زيجات وردة
وتُعدّ حياة الرّاحلة وردة، مثار جدل دائم، فلم تسلمْ من إشاعات الزّواج السّرّيّ، وفي الحقيقة لم تتزوجْ وردة، سوى مرتين، الأولى من وكيل وزارة الاقتصاد الجزائريّ، جمال قصيري، واعتزلتْ الفن من أجله، إلا أنها عادتْ وانفصلتْ عنه. وبعد سنوات، تزوّجت من الملحّن بليغ حمدي، بعد قصّة حبّ قويّة، ولكنّ هذه الزّيجة لم تكتمل.
سرّ ترحيلها من مصر
طالتْ وردة الكثير من التّحديّات، حيث تعرّضتْ لترحيلها من مصر، ولم تعدْ إلا في أوائل السّبعينيّات من القرن الماضي، بعدما تقلّد الرئيس السّابق محمد أنور السّادات، مقاليد الحكم.
وكشف الإعلاميّ وجدي الحكيم، في حوار له عن سرّ ترحيل الرّئيس جمال عبد الناصر للفنّانة الرّاحلة خارج البلاد، فقال: "الصدفة وحدها جمعتها بالمشير عبد الحكيم عامر في دمشق أثناء حدوث عطل في سيارتها على الطريق وعندما وصل الأمر إلى المشير الذي كان متواجدًا بدوره بالعاصمة السورية أمر بتوصيلها إلى المكان الذي تريد التوجه إليه ما جعل من الفنانة تقوم بشكره على هذا الموقف النبيل.
وأوضح "الحكيم"، أنّ الأمر انتهى لدى المشير، عند هذا الحدّ، ولكن عند الفنّانة وردة، لم يكن الأمر كذلك، فقد استغلّت تلك المقابلة بنشر إشاعة بأنّ هناك شيئًا ما بينها وبين المشير، وأنّه أعطاها رقم هاتفه الخاصّ.
وأضاف، "بدأت وردة في الترهيب والتحذير لكل من يحاول إيذاءها أو النيل منها وانتشرت الشائعة كالنار في الهشيم وعندما وصلت إلى الزعيم عبد الناصر وتأكد من كذب ادعاءاتها أمر فورًا بترحيلها خارج مصر".
كتب لها بليغ مقدّمات أغاني "أم كلثوم"
وجاءتْ وردة، إلى القاهرة وهي في سنّ الـ16 عامًا، وبالصّدفة البحتة، التقتْ ببليغ في منزل صديقه ورفيقه الفنّان محمد فوزي، فحدث بينهما انجذاب، ولحّن لها أغنيتها الرّائعة "يا نخلتين في العلالي".
قصّة حبّها وطلاقها من بليغ حمدي
كانت قصّة الحب بين وردة، وبليغ حمدي، حديث الوسط الفنيّ كلّه، حيث كان عشقه لها يرافقه في كلّ أعماله، ولظروف أسرتها، وعدم السّماح لها بالإقامة بالقاهرة، إلا في فترة محدودة، سافرت وردة عائدة إلى باريس، ولكن يظلّ الأمل يداعب بليغ في أنْ يجمعهما لقاء جديد.
وأحبّها بليغ حمدي، وتعلّق قلبه بها، وحاول بليغ أنْ يطفئ نار حبّه، وسافر لطلب يدها، إلا أنّ والدها رفض طلبه من الأساس، بل قام بطرده من على باب الشّقة.
موقف والدها الرّافض له، جعل من بليغ متمسّكًا أكثر بها، ويكتب لها أغنية "العيون السود"، والتي رفض إعطاءها لأيّ فنان حتى أتته الفرصة، وذهب إلى الجزائر للاحتفال بعيد الاستقلال، عندما طلب منه السنباطي حضور الاحتفال بدلًا منه.
شاهدهها بليغ هناك، وتجدّد الحبّ، واتفقا على ضرورة الزّواج وتعويض ما فاتهما، وصمّمت وردة، على الطّلاق من زوجها الضّابط جمال قصير، وتزوّجتْ من بليغ حمدي، ليكونا معًا أجمل ثنائيّ فنيّ؛ فقد قدّما لنا روائع الفنّ في عمر زواجهما، الذي لم يستمرْ سوي 6 سنوات، فقد قالت عنه وردة آنذاك، إنه يهتمّ بعمله على حساب بيته.
وصرّح بليغ في المقابل، بأنّ حرمانه من حلم الأبوّة كان أهمّ أسباب الانفصال، فقد أجهضتْ وردة نفسها مرتين أثناء زواجهما. ورغم حدوث الطّلاق بينهما إلا أنّ مشاعر الحبّ والمودةّ ظلّت بينهما، فعندما اتّهم بليغ في قضيّة مقتل الفنّانة المغربية سميرة مليان، ذهبتْ الى وزير الدّاخليّة زكي بدر، آنذاك، لتتوسّط لخروج بليغ من السجّن، وهددته بالاعتصام أمام السّجن، إذا تمّ سجن بليغ يومًا واحدًا.
لقاء نادر في باريس
وانتشرتْ حلقة نادرة للسّيدة وردة، تم تقديمها على إحدى الشّاشات الفرنسيّة عام 1995، وكان البرنامج في اليوم الأخير من شهر رمضان، وفي حوارها مع المذيع الفرنسيّ، فريديريك ميتران، ذي الأصول التّونسيّة، كشفتْ وردة تفاصيل عن حياتها، وروتْ حكاية ولادتها وشهرتها.
وعن والدتها اللّبنانيّة، التي لم تكنْ تتقن الفرنسيّة، وكيف اختار والدها تسميتها وردة بعدما كان اسمها جورجيت، إضافة إلى "ميولها" للفنّ العربيّ، بعدما غنّتْ وهي يافعة في فرنسا. وعن مطعم والدها إلى سفرها للقاهرة، وتفضيلها لأصوات سبقتها، من أم كلثوم، وأسمهان، وفريد الأطرش.
وأكّدت وردة، شغفها لـ"باديت بياف"، وغنّتْ لها وقالت: "واليوم صرت أُحب نيكول كروازي".
وجمعها هذا اللّقاء التلفزيونيّ بالموسيقيّ العالميّ، جورج موستاكي، صديقها، وقدّما معًا أغنية من الرّوائع الفرنسيّة les feuilles mortes.
قصّة هروب وردة من حكم الإعدام
ومن أخطر الأسرار في حياة وردة الجزائريّة، هروبها هي ووالدها من حكم بالإعدام، إذْ كشف ابنها رياض القصري، النّقاب عن تلك القصّة في أحد مقابلاته التلفزيونيّة قائلًا: "أصدرت إحدى المحاكم الفرنسية حكمًا قضائيًا ينص على إعدام السيدة وردة الجزائرية بسبب دعمها للمقاومة الجزائرية بالغناء ومساندتهم معنويًا".
وأشار، إلى أنّ المفاجأة أنّ الحكم نفسه صدر على محمد فتوكي، والد الفنّانة وردة، بعدما أكّدتْ التّحقيقات تستّره على مخازن سلاح تابعة للمقاومة، وهو الأمر الذي جعله يضطرّ للهرب، هو وابنته "وردة"، إلى بيروت، خوفًا من تنفيذ حكم الإعدام.
الأيام الأخيرة في حياتها
أكّدت فاطمة بكري، مصفّفة شعر الفنّانة وردة، أنّ جسد الفنّانة، لم يتحمّل الجهاز الذي تمّ تركيبه لضبط نبضات القلب في فرنسا، لأنّ حالتها الصّحّيّة كانت متدهورة، حيث رحلت في نفس الأسبوع، الذي قامت فيه بتركيب الجهاز.
وأضافتْ، أنّه منذ اليوم الأوّل، الذي وضعت فيه وردة الجهاز، لم يتحمّله جسدها، وأصيبت بالوهن الشّديد، وفقدان الشّهية والآلام الموجعة، لدرجة أنّ الأطباء منعوا عنها العديد من الأغذية.
وتابعت مصفّفة الشّعر، "في نهاية حياة الفنانة وردة كانت تتناول وجبة صغيرة في اليوم الواحد وازدادت حالتها الصحية تعقيدًا، ولم يكن هناك إشراف أو رعاية طبية في بيتها".
وواصلتْ فاطمة بكري، أنّ وردة، وهي على فراش المرض، كانت تشعر بقرب أجلها وقالت لها: "يا فاطمة خلاص باقي وقت قصير جدا فقط في حياتي".
"بوتفليقة" أرسل طائرة لنقل جثمانها
وفي 17 مايو/ آيار عام 2012، غيّب الموت الفنّانة وردة، فبعد أنْ قامت بعملية زرع كبد في أحد مستشفيات أمريكا، عادت إلى نشاطها وعملها الفنيّ مرة أخرى، إلا أنّه في يوم رحيلها، فاجأتها أزمة قلبيّة لتودّع الحياة، والفنّ، ويقوم الرّئيس الجزائريّ بوتفليقة، بإرسال طائرة عسكريّة تنقل جثمانها إلى مقرّ دفنها في الأراضي الجزائريّة.
قد يهمك ايضًا :
محطات جزائرية وعربية تحيي الذكرى الخامسة لرحيل وردة
وردة أرادت آمال ماهر وأنغام لتجسيد قصة حياتها
أرسل تعليقك