أكد رئيس الوزراء رامي الحمدالله، سعي الحكومة الجاد في بناء القدرات وتعظيم الموارد الذاتية والنهوض بإمكانيات الشعب، والتصدي لمشكلة البطالة في المجتمع، وإطلاق طاقات وقدرات الاقتصاد، الذي يستهدفه الاحتلال بمحاولات التقويض والإضعاف، ويحاصره بالممارسات والقيود التعسفية، وباستيطان وجدار يسرق الأرض والموارد الطبيعية.
جاء ذلك خلال افتتاحه أعمال المؤتمر المصرفي الفلسطيني الدولي الخامس، الأربعاء، في رام الله، بحضور محافظ سلطة النقد الفلسطينية جهاد الوزير، ونائب رئيس مجلس إدارة جمعية البنوك الفلسطينية جمال حوراني، وممثل مؤسسة التمويل الدولية "اي اف سي" يوسف حبش، وعدد من ممثلي القطاع المصرفي والمالي في فلسطين، وخبراء من دول مختلفة، وتركز المؤتمر هذا العام على موضوع "الاشتمال المالي" (مدى قدرة المواطنين على الوصول إلى الخدمات المالية).
وشدد رئيس الوزراء على أن دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وضخ الريادية والإبداع هي أدوات رئيسية وفاعلة لتعزيز فرص تشغيل النساء والخريجين، وتوسيع القاعدة الإنتاجية، وتنويع مصادر الدخل، ومكافحة الفقر والبطالة، مؤكدًا دعم الحكومة لهذه المنشآت والمشاريع من خلال توفير البنية التحتية اللازمة، وتكريس منظومة تشريعية وقانونية ناظمة لعملها، وستواصل اعتماد المنتج الوطنيّ، وتعزيز قدرته على مواجهة ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وقيوده.
وأضاف الحمدالله أنه "بالاعتماد على مؤسساتنا الوطنية، الحكومية والأهلية والخاصة، تمكنا من مواصلة مسيرة البناء والمأسسة وصنع التغيير، فمن التنمية المستحيلة في ظل الاحتلال الإسرائيلي، انتقلنا إلى مرحلة تنمية مقومات الصمود والبقاء، التي ارتكز عملنا خلالها على تكريس بنية مؤسساتية موحدة قادرة على الاستجابة لاحتياجات أبناء شعبنا".
وتابع أننا "نتطلع في إطار الاستراتيجية الوطنية للاشتمال المالي، أن نتمكن من الوصول إلى النمو الاقتصادي والاستقرار الإجتماعيّ المنشودين، وستعمل الحكومة بأقصى إمكانياتها، للاستجابة لمتطلبات هذه الاستراتيجية وتنفيذ توصياتها وتقديم كل أشكال الدعم والمساندة لضمان تطبيقها".
وشدد على أن الاشتمال المالي سيزهو ويزدهر بالمزيد من تكامل الجهود بين القطاعين العام والخاص، وبالتسهيلات التي ستقدمها الحكومة، للوصول نحو اقتصاد وطني قوي مستدام، يستجيب لتطلعات الشعب، ويحمي إنجازاته ومشروعه الوطني التحرري.
وأشار الحمدالله إلى أن سلطة النقد الفلسطينية استطاعت بإنجازاتها وعملها الدؤوب، أن تكرس لفلسطين مكانة هامة ورائدة في مجال الاشتمال المالي، وأصبحت أول عضو من المنطقة في شبكة التحالف العالمي للاشتمال المالي، كما تم اختيارها لبلورة مبادئ تطوير استراتيجيات الاشتمال المالي في الدول العربية.
ونقل الحمدالله تحيات الرئيس محمود عباس، لسلطة النقد الفلسطينية لمواصلة نجاحها وتطورها وتقديمها صورة مشرقة لقدرة شعبنا على بناء وإدارة مؤسساته، مثمنًا تنظيم هذا المؤتمر وبالشراكة مع جمعية البنوك الفلسطينية ومؤسسة التمويل الدولية.
وأعرب عن اعتزازه بالقطاع المالي، بشقيه المصرفيّ وغير المصرفيّ، وبما وصل إليه من تميز ونجاح، مشددا على أن هذا القطاع بات يحظى بثقة محلية ودولية متنامية، ويشكل مقياس لمدى تطور قدرة المؤسسات الوطنية على إدارة ورعاية شؤون المواطنين وتحسين ظروف حياتهم.
وأوضح الوزير إن انعقاد المؤتمر يأتي في ظل ظروف صعبة وغاية في التعقيد، حيث الهجمة الإسرائيلية الشرسة على القدس والمسجد الأقصى وما نتج عنها من توتر وتصعيد وعدم استقرار على الأوضاع السياسية والاقتصادية في فلسطين، وكذلك الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة قبل فترة قصيرة وما نتج عنها من تدمير للبنية التحتية وشلل تام لكافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف أنه "رغم تلك الظروف، وفي ظل هذه التعقيدات دعت الحاجة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات لمعالجة الآثار السلبية للحرب على غزة آخذين بعين الاعتبار الموازنة بين مصالح المواطنين بشكل عام والحفاظ على استقرار النظام المصرفي بإدارة الأزمة وفق الأصول والمعايير الدولية ومتطلبات البيئة المصرفية الفلسطينية".
وأشار إلى أن هذا الإنجاز في إدارة الأزمة يأتي نتيجة للتعاون والشراكة مع الجهاز المصرفي في إطار منظومة متكاملة للمحافظة على استقرار النظام المالي وسلامة الجهاز المصرفي الفلسطيني بشهادة التقارير الصادرة عن المؤسسات المالية الدولية المتمثلة بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وأوضح محافظ سلطة النقد أن موضوع الاشتمال المالي أصبح ذا أهمية عالية إقليميًا وعالميًا، لاسيما بعد الأزمة المالية العالمية بثلاثة محاور رئيسة وهي: "تعزيز قدرات المنشآت الصغيرة والمتوسطة، إنشاء مكاتب للاستعلام الائتماني وتبادل البيانات عبر الحدود وتعزيز الاشتمال المالي لدى كافة فئات المجتمع المختلفة"، وقد تجسد هذا الاهتمام في قمة الـ G20 التي عقدت مؤخرًا في مدينة بريزبن في أستراليا.
وأكد ضرورة تعزيز اقتصاديات الدول النامية بتحقيق أقصى معدلات للنمو الاقتصادي من خلال تشجيع قطاع الأعمال ليصبح أكثر كفاءة، وتعظيم الإيرادات المحلية، وخلق فرص عمل جديدة للشباب والنساء، والاستثمار في البنى التحتية، وتعزيز إمكانيات المواطنين بالوصول إلى روافد التمويل.
وأضاف الوزير أنه رغم مفرزات الأزمة المالية العالمية وقساوة الظروف والبيئة التي نعمل بها وشح الموارد والإمكانيات، استطاعت سلطة النقد بعزيمتها وعملها الدؤوب المتواصل تبوء مراكز ريادية على مستوى الوطن العربي والشرق الأوسط في مواضيع عدة ومنها الاشتمال المالي.
ولفت إلى أنها باشرت العمل مع التحالف العالمي للاشتمال المالي منذ عام 2009، وإعلان التزامها بمبادئ المايا (Maya Declaration) في جنوب أفريقيا خلال العام 2012 لتعزيز وتطوير إمكانيات وقدرات فئات المجتمع الفلسطيني باستخدام المنتجات المالية لتحسين ظروفهم المعيشية، وقد تتوجت هذه الأنشطة بتوقيع وثيقة مبادئ في مطلع هذا العام مع هيئة سوق رأس المال الفلسطينية لإنشاء الاستراتيجية الوطنية للاشتمال المالي في فلسطين تبع ذلك تشكيل لجنة توجيهية لبناء الاستراتيجية تضم في عضويتها ممثلين عن القطاع العام من الوزارات المعنية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، حيث سيتم عرض الاستراتيجية الوطنية على الحكومة لنيل اعتمادها ودعمها.
وأوضح الوزير أن سلطة النقد خاضت خلال سنوات العمل السابقة العديد من التجارب والتحديات التي لا تخفى على أحد، ورغم ذلك تمكنت من المحافظة على استقرار وأمن الجهاز المصرفي باستخدام أدوات ومعايير السلامة الكلية في إدارة الأزمات وكذلك المحافظة على استدامة عملية تطوير البنية التحتية للنظام المالي.
ولفت إلى أنها أنجزت العديد من المشاريع الكبيرة رغم ضعف الإمكانيات المادية والإدارية، وهو ما يصب في مضمون وأهداف الاشتمال المالي الذي تسعى سلطة المقد لتحقيقه خلال مرحلتين وفق خطة عمل تمتد لعشر سنوات قادمة، فهي استراتيجية طويلة المدى للارتقاء بالمواطن الفلسطيني وتعزيز صموده على أرضه في المرحلة الأولى وتعزيز قدراته وإمكانياته في ظل دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
من جهته، أشار حوراني إلى الدور الريادي للقطاع المالي والمصرفي، ممثلًا بسلطة النقد الفلسطينية، وكذلك مؤسسة التمويل الدولية وجمعية البنوك، في تجميع طاقات الجهات ذات العلاقة في مسعى لتطبيق خطة وطنية متكاملة لتحقيق الاشتمال المالي.
وأوضح أن البنوك ومن موقع تبني مفهوم الاشتمال المالي، تضطلع بدور مفصلي في توسيع مظلة خدماتها المصرفية لتشمل فئات المجتمع كافة، وخاصة الفئات المهمشة من المجتمع، والتي تقطن في المناطق البعيدة عن مراكز الخدمات، الأمر الذي يمّكن من زيادة المستوى المعيشي لهذه الفئات وخفض البطالة ومحاربة الفقر.
وأشار إلى أن جمعية البنوك باعتبارها الحاضنة الأساس للعمل المصرفي في فلسطين، قد عملت بجد ومثابرة على مدار الأعوام الماضية لإسناد ورعاية وتطوير الصناعة المصرفية في فلسطين، مرتكزة إلى رؤيتها القائمة على الاهتمام بالصالح العام للبنوك الأعضاء ومنفعتهم المشتركة، وبما يضمن تطوير مستوى أداء الخدمات المصرفية وتحديثها، وترسيخ مفاهيم العمل المصرفي وأعرافه.
وأكد حوراني أن البنوك العاملة في فلسطين لن تدخر جهدًا في سبيل تحقيق الاشتمال المالي، وبما يترتب عليه من تطوير مجموعة من الخدمات المصرفية ذات التكلفة المعقولة، ومن تسهيل الحصول على تلك الخدمات من قبل شرائح المجتمع المختلفة وذلك ضمن الأنظمة والقوانين التي تحكم عمل المصارف.
من جهته، أعرب حبش عن تقدير "أي اف سي" لسلطة النقد على دعمها لجهود المؤسسة الدولية، وكونها شريكًا للمؤسسة في الأراضي الفلسطينية، مشيرًا إلى أن المؤسسة خلال السنوات السبع الماضية قدمت العديد من المبادرات لدعم القطاع المصرفي في فلسطين وبلغت استثماراتها في هذا المجال ثلاثمائة مليون دولار.
واعتبر حبش أن الاشتمال المالي في غاية الأهمية لأنه يوفر الفرصة للقطاعات المهمشة أن تساهم في التمية الاقتصادية والاجتماعية، ومن خلال هذا المؤتمر سيتم إلقاء الضوء على التحديات التي تواجه الاقتصاد الفلسطيني وتعيق الاشتمال المالي، مشيرًا إلى أن البطالة تأتي في مقدمة تلك المعيقات حيث إنها متفشية بشكل خاص في أوساط الشباب والنساء.
وأضاف حبش أنه "رغم حجم التحديات، إلاّ أنها تعكس حجم الفرص المتاحة للنمو الاقتصادي في ظل الظروف القائمة ومنها تحديات الوضع السياسي، وهناك دور مهم يقع على عاتق المؤسسات المالية ومؤسسات التمويل الصغرى".
وتناول أندرو مكارتني اختصاصي الأعمال المصرفية العالمية ضمن فريق الخدمات الاستشارية لمجموعة المؤسسات المالية بمؤسسة التمويل الدولية (IFC) تجارب ناجحة في مجال الاشتمال المالي للنساء والشباب وأدوات وطرق لتطوير الاشتمال المالي ومواجهة تحدياته.
وسلطت مدير عام منتدى سيدات الأعمال بفلسطين دعاء وادي، الضوء على التحديات الرئيسية التي تواجه النساء والشباب في نواحي مختلفة تتعلق بالاشتمال المالي في فلسطين.
وشهد المؤتمر انعقاد ثلاث جلسات تحدث فيها خبراء فلسطينيون وآخرون دوليون يتبعون لمؤسسة التمويل الدولية (IFC) ومؤسسة (GIZ)، ترأس أولاها وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابق صبري صيدم، بعنوان 'الآفاق المستقبلية للاشتمال المالي في فلسطين'.
وترأس مدير مشروع تطوير قطاع التمويل المتناهي الصغر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الهيئة الألمانية للتعاون الدولي حيدر البغدادي، الجلسة الثانية بعنوان: 'تعزيز الاشتمال المالي: مبادرات ومنتجات مالية'.
فيما ترأس مدير برنامج الخدمات الاستشارية المصرفية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمؤسسة التمويل الدولية هيرمان بندر الجلسة الثالثة، بعنوان 'تعزيز الاشتمال المالي: الأدوات والأساليب'.
وبحسب بيانات سلطة النقد، فإن 36% من المواطنين الفلسطينيين البالغين لا يمكلون حسابات مصرفية، في حين لا تتجاوز نسبة من تمكنوا من الوصول الى مصادر الاقراض واستخدامها 10% ممن يملكون حسابات مصرفية.
أرسل تعليقك