استقر الاقتصاد الصيني في أيار/ مايو الماضي وسط ارتفاع إنتاج المصانع وتوسع إنفاق المستهلكين، وأظهر تعقب "بلومبيرغ" الشهري لنمو الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعًا بنسبة 6.9% لشهر أيار/ مايو الماضي دون تغيير يذكر عن نيسان/ أبريل الماضي، وهو مستوى مريح ضمن الهدف السنوي لعام 2016.
وأظهر المكتب الوطني للإحصاء ارتفاع الإنتاج الصناعي بنسبة 6% في شهر أيار/ مايو الماضي على أساس سنوي، بما يتطابق مع تقديرات الاقتصاديين. وارتفعت مبيعات التجزئة بنسبة 10% خلال أيار/ مايو الماضي، بينما زادت استثمارات الأصول الثابتة 9.6% في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2016. وجنبًا إلى جنب مع تحسن معدلات التصدير وإنتاج المصانع، تشير البيانات إلى أن وضع السياسات الجديدة عزز من التوقعات الإيجابية على المدى القريب مع مزيد من الحوافز النقدية والدعم المالي، وسط مبادرات إعادة الهيكلة في بعض الصناعات التي بدأت تُظهر بعض التقدم.
ويقول هاو كونغ كبير الاستراتيجيين في شركة «Bocom» الدولية القابضة "لا يزال نمو الاستثمار الخاص في الصين مستمرا في الانخفاض، ولكن عموما، يتم تعويض ذلك عن طريق الاستثمار العام"، مشيرًا إلى أن البيئة الاقتصادية العامة لا تزال صعبة. وأرجع إيريس بانغ كبير الاقتصاديين في "الصين الكبرى" في "ناتيكسيس" SA في هونغ كونغ، التباطؤ في الاستثمار في الأصول الثابتة خلال أيار/ مايو الماضي في معظمه، إلى تراجع استثمارات الفحم والمعادن الحديدية من قبل الشركات المملوكة للقطاع الخاص.
وقال دينغ شوانغ رئيس وحدة الدراسات الاقتصادية في بنك "ستاندارد تشارتارد" في هونغ كونغ "الخطر الرئيسي هنا هو كيفية تحقيق الاستقرار في استثمارات القطاع الخاص للحد من خطر الهبوط". مضيفا "إذا كانت الصين تريد تحقيق النمو المستهدف على المدى القصير، فإن الحل الوحيد يمكن أن يكون في زيادة الإنفاق العام بما يعوض التراجع في استثمارات القطاع الخاص". وأظهرت البيانات الاقتصادية الرسمية الصادرة عن وزارة التجارة الصينية أن نمو صناعة تعهيد الخدمات في الصين تسارع قليلًا في الأشهر الخمسة الأولى.
ووقعت الشركات الصينية على عقود لتعهيد الخدمات بقيمة 349 مليار يوان (53 مليار دولار أميركي) خلال هذه الفترة، بزيادة 24.8% على أساس سنوي، أسرع من الزيادة المسجلة بـ23.9% في الأشهر الأربعة الأولى. ومن بين الصفقات، بلغت قيمة عقود تعهيد الخدمات إلى خارج الصين 237.6 مليار يوان، بزيادة 37% على أساس سنوي، وفقا لوزارة التجارة. وفي مايو وحده، بلغت قيمة العقود الخارجية 40.5 مليار يوان، بارتفاع 32.8% عن العام السابق.
وأعلنت الحكومة الصينية الأسبوع الماضي أن الاستثمارات برأس المال الثابت في الصين التي تشكل مقياسًا مهما يعكس النفقات العامة في البنى التحتية، ارتفعت بنسبة 9.6% في الأشهر الخمسة الأولى من 2016. وقال المكتب الوطني الصيني للإحصاءات إن الإنتاج الصناعي ارتفع في أيار/ مايو الماضي بنسبة 6% على مدى عام، وإن النسبة نفسها سجلت في نيسان/ أبريل، بينما ارتفعت مبيعات المفرق التي تعكس استهلاك العائلات بنسبة 10% في الفترة نفسها، وهو رقم مطابق تقريبا لما سجل في نيسان/ أبريل.
وأعرب كبار الخبراء الاقتصاديين عن التفاؤل بشأن الاقتصاد الصيني، وتوقعوا أن يظل النمو الاقتصادي السنوي في البلاد عند 6.5% خلال عام 2016. وقال مايكل هايس رئيس الشؤون الاقتصادية في شركة البحوث الاقتصادية، Allianz Dresdner خلال مقابلة حصرية مع "شنغهاي سيكيوريتيز نيوز": إن اقتصاد الصين لن يكون سيئا كما يزعم البعض. ويشير هايس إلى أن الاقتصاد الصيني سيستقر عند "حالة طبيعية جديدة" رغم التوقعات بتباطؤ الناتج المحلي الإجمالي في الصين إلى 6.5% من 6.9% خلال عام 2015. يأتي ذلك في ظل عملية الانتقال من نموذج النمو المدعوم بالاستثمار والتصدير، إلى الاقتصاد القائم على الاستهلاك المحلي.
وقال هايس إن هذا الانتقال لا يمكن أن يتحقق في خطوة واحدة. مُضيفًا "وفي ظل الأدوات السياسية الجاري اتخاذها من قبل الحكومة والبنك المركزي، فإنه من المتوقع أن يضمن الاقتصاد الصيني نموا مستقرا؛ وبالتالي يتجنب التباطؤ الحاد". بالإضافة إلى ذلك، فإن "الاتجاه نحو الاستهلاك الشخصي يعطينا مزيدا من الثقة في آفاق الصين على المدى القصير، وفي الوقت نفسه، لا تزال معنويات السوق إيجابية".
وقال صندوق النقد الدولي (IMF)الخميس الماضي: إن الصين أمام منعطف حاسم في مسار التنمية، وتحتاج إلى إبداء مزيد من الاستعجال في إصلاح اقتصادها. وأشاد الصندوق بالنتائج الأولية لالتزام بكين بالإصلاحات الهيكلية الرئيسية، بما في ذلك تعزيز الاستهلاك وحماية البيئة، لكنه حذر من "التقدم المتفاوت"، ودعا إلى مزيد من الاستعجال في تنفيذ تدابير تصحيحية.
وقال ديفيد ليبتون النائب الأول لمدير إدارة صندوق النقد الدولي "إننا نرى تقدمًا كبيرًا في التحول من الصناعة إلى الخدمات، ولكن بدرجة أقل على صعيد معالجة نمو الائتمان، ولا تزال بعض نقاط الضعف قائمة في السوق المالية وميزانيات الشركات". وأشار ليبتون إلى أن هناك حاجة إلى خطة شاملة للتصدي لهذه المخاطر، لذلك يجب أن تنظر بكين في إنشاء مجموعة واضحة لتعزيز وتنفيذ عمليات إعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة ومعالجة الآثار المصرفية المرتبطة بها.
ومن ناحية النمو، يتوقع صندوق النقد الدولي تباطؤ النمو إلى 6% عام 2017، مقابل تقديراته للنمو بـ6.5% خلال العام الحالي. وقال الصندوق إن السياسات البيئية المتبعة من قبل بكين يُمكن أن تُضيف مزيدا من الزخم إلى النمو الاقتصادي. ورفعت الصين الضرائب على الوقود الأحفوري (على سبيل المثال، الكربون، أو ضريبة الفحم)؛ الأمر الذي من شأنه أن يساعد أيضًا في زيادة الإيرادات جنبًا إلى جنب مع الحفاظ على البيئة، ففرض ضريبة على الفحم يقلل إلى حد كبير من تلوث الهواء المحلي، ويمكن منع ما بين 4 و5 ملايين حالة وفاة مبكرة بحلول عام 2030.
أرسل تعليقك