في الوقت الذي أعرب فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس، عن رضاه لأسعار النفط الحالية، رغم تراجعها الحاد، نقلت وكالة «رويترز» للأنباء، عن مصدرين مطلعين قولهما، إن أوبك قد تعمق تخفيضات معروض النفط هذا الأسبوع، بدعم روسيا أو دونها.
ورغم تأكيد بوتين على أهمية التعاون مع أوبك بلس، فإن رضاه عن أسعار النفط الحالية، الذي يعتبر رسالة طمأنة للداخل الروسي، يعد رسالة أيضاً لدول أوبك، تفيد بأن روسيا ربما لن تخفض إنتاجها أكثر، بحجة عدم تأثره بشدة بتداعيات كورونا على النفط.
وانخفض خام برنت إلى 49.67 دولار للبرميل يوم الجمعة بعد أن فقد ما يزيد على 15 دولاراً منذ يناير (كانون الثاني).
ويبدو أن اجتماع أوبك المقبل في 5 و6 مارس (آذار) الجاري، سيشهد الكثير من التجاذبات، التي قد تنتهي بقرارات دون التوقعات، قد تهبط بأسعار النفط حينها لمستويات أقل من المتداولة حالياً.
وقال المصدران المطلعان، وفق «رويترز»، إن أوبك قد تعمق تخفيضات معروض النفط هذا الأسبوع، بدعم روسيا أو دونه، لوقف التراجع في أسعار الخام الذي أوقد شرارته الانتشار العالمي لفيروس كورونا.
تقاوم موسكو تعميق قيود الإنتاج، قائلة إن تقليص إمدادات منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بقيادة السعودية وحلفائها، في إطار مجموعة أوبك+، لن يكون ضرورياً لإنعاش الطلب على النفط، حسبما ذكر المصدران العليمان بسير المحادثات.
كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال أمس، إن الأسعار الحالية مقبولة بالنسبة لميزانية بلاده وإن روسيا - وهي عضو رئيسي في أوبك+ - تملك موارد كافية للتأقلم مع أي تدهور في الاقتصاد العالمي.
وقال أحد المصدرين: «السعودية تريد منع الأسعار من الهبوط، لكن روسيا غير موافقة بعد. لذا قد تتمثل الطريقة الوحيدة في أن تخفض أوبك بمفردها، وهو ما لن يبعث بإشارة جيدة إلى السوق». وقال مصدر آخر: «ينبغي الخفض، ولا خيار آخر»، مضيفاً أنه يمكن لأوبك أيضاً أن تؤجل القرار إلى أن تجبر أسعار النفط المنخفضة موسكو على المشاركة.
واهتزت أسواق النفط والأسهم العالمية جراء انتشار فيروس كورونا الذي أصاب أكثر من 82 ألف شخص في أنحاء العالم وأودى بحياة ما يزيد على 2700 شخص في الصين و57 آخرين في 46 دولة أخرى.
وقالت مصادر في أوبك وفي صناعة النفط يوم الجمعة، إن أوبك تبحث خفض إنتاج النفط مليون برميل يومياً، من بين خيارات أخرى، في ظل سعيها لتحقيق الاستقرار في أسعار النفط الآخذة في التراجع. ويتجاوز ذلك حجم التخفيض الذي كان مقترحاً في البداية وهو 600 ألف برميل يومياً.
يتضمن اتفاق أوبك+ الحالي خفض الإنتاج 1.7 مليون برميل يومياً، ويمتد حتى نهاية مارس.
وتنتج السعودية ما يقل عن 400 ألف برميل يومياً عن حصتها، ليصل إجمالي التخفيضات الفعلية لأوبك إلى 2.1 مليون برميل في اليوم.
لكن تقليص الإنتاج بمنأى عن روسيا ربما يعني فعليا إنهاء التعاون بين أوبك وموسكو، وهي نتيجة لا تريدها السعودية وغيرها من أعضاء أوبك الرئيسيين. وعادة ما توافق موسكو على إجراءات أوبك+ في اللحظة الأخيرة، لكن بعد إبداء بعض التردد في البداية.
ووصف وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان الشهر الماضي تقريرا إعلاميا، أشار إلى أن الرياض تدرس الانفصال عن تحالف أوبك+ مع روسيا، بأنه «محض هراء».
وعبر عن ثقته في أن أوبك+ ستستجيب بشكل مسؤول لانتشار فيروس كورونا، وأن السعودية وروسيا ستواصلان العمل سوياً فيما يتعلق بسياسة النفط.
وأبلغت مصادر مطلعة على تفكير المملكة «رويترز»، بأن الأمير عبد العزيز يؤيد تقليصا سريعا لإمدادات النفط منذ بداية تفشي الفيروس في يناير، على اعتبار أن التأخير أدى في السابق إلى انهيار في الأسعار كان بالغ التكلفة.
وأمس تم الإعلان عن إلغاء CERAWeek المؤتمر السنوي للطاقة، الذي تنظمه شركة IHS Markit في هيوستن بتكساس، نتيجة مخاوف انتشار فيروس كورونا، ويوفر المؤتمر منبراً للنقاش حول مجموعة من الموضوعات المتعلقة بالطاقة.
روسيا لم تحدد موقفها حتى الآن
قالت أربعة مصادر مطلعة على المحادثات، وفق «رويترز»، إن عدداً من الأعضاء الكبار في أوبك يميلون لخفض أكبر للإنتاج عما أُعلن عنه من قبل. ولم تحدد روسيا بعد موقفها من مقترحات تعميق خفض الإنتاج.
وصرح بوتين في اجتماع مع مسؤولي طاقة روس ومنتجين لبحث تداعيات انتشار فيروس كورونا: «أود أن أؤكد أن مستوى أسعار النفط الحالي مقبول بالنسبة لميزانية روسيا واقتصادنا».
وروسيا، التي تملك احتياطيات تتجاوز 560 مليار دولار، تتوقع أن تحقق ميزانيتها توازناً عند سعر 42.2 دولار لبرميل في المتوسط العام الجاري.
وقال بوتين: «احتياطياتنا المجمعة بما في ذلك صندوق الثروة الوطنية كافية لضمان وضع مستقر والوفاء بجميع الالتزامات في الميزانية والالتزامات الاجتماعية حتى مع تدهور محتمل في الوضع الاقتصادي العالمي».
صعوبة التنبؤ
أضاف بوتين أن هذا الوضع لا يستبعد الحاجة إلى التعاون «بما في ذلك مع الشركاء الأجانب». ورأى أن من الصعب التنبؤ بتحركات أسعار النفط في المستقبل وينبغي أن تستعد روسيا لشتى الاحتمالات.
وقال خلال الاجتماع إن أوبك+ «أثبت أنها آلية فعالة للحفاظ على الاستقرار طويل الأجل في أسواق الطاقة العالمية». ونُشرت تصريحاته على موقع الكرملين.
وتابع: «بفضل ذلك حصلنا على إيرادات أعلى للميزانية، والمهم أنه أتاح لشركات التنقيب والإنتاج إمكانية الاستثمار بثقة في مشروعات تطوير واعدة».
وطلب بوتين من المشاركين في الاجتماع إبداء آرائهم بشأن التحركات الأخرى المحتملة في سوق النفط العالمية، وقال إنه يأمل أن تكون الخطوات التي تبنتها روسيا لمنع انتشار الفيروس فعالة. وأضاف أن «الوضع تحت السيطرة بوجه عام».
وحدت روسيا من دخول مواطني الصين وكوريا الجنوبية وإيران، وقالت إنها سترحل 88 أجنبيا بدعوى مخالفتهم إجراءات الحجر الصحي.
تراجع إنتاج النفط الأميركي
في ديسمبر
ربما تعتمد روسيا في قرارها عدم خفض الإنتاج، تراجع إنتاج النفط الأميركي من الخام في ديسمبر (كانون الأول)، لخامس شهر على التوالي. إذ قالت إدارة معلومات الطاقة الأميركية في تقرير شهري يوم الجمعة، إن إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام تراجع إلى 12.78 مليون برميل يومياً في ديسمبر من 12.86 مليون برميل يومياً في نوفمبر (تشرين الثاني).
كان إنتاج الخام الأميركي شهد صعودا قويا بفضل تقدم تقنيات استخراج النفط من التشكيلات الصخرية. ورغم تراجع ديسمبر، فإن بيانات الإنتاج الأسبوعية من إدارة معلومات الطاقة تشير إلى أن إنتاج الخام ارتفع في يناير وفبراير (شباط)، مسجلا مستوى قياسياً جديداً يبلغ 13 مليون برميل يومياً.
وبحسب التقرير، تراجع الطلب على البنزين في ديسمبر مقارنة به قبل عام. وانخفض الطلب حوالي 2.5 في المائة إلى 8.945 مليون برميل يومياً. وهذا تراجع أشد من انخفاض سنوي بلغ واحدا في المائة في نوفمبر.
ونزل الطلب على نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، ثلاثة في المائة عنه قبل سنة إلى 3.901 مليون برميل يومياً، مقارنة مع انخفاض 0.4 في المائة في نوفمبر.
طلب النفط يواجه رياحاً معاكسة
خلص استطلاع للرأي أجرته «رويترز» يوم الجمعة، إلى أن أسعار النفط ستتعرض لضغوط هذا العام في الوقت الذي يؤثر فيه انتشار فيروس كورونا على الاقتصاد والطلب العالميين، مما يلقي بظلاله على جهود أوبك للحد من الإنتاج من أجل دعم الأسواق.
ويتوقع المسح الذي شمل 42 اقتصادياً ومحللاً أن خام برنت سيبلغ في المتوسط 60.63 دولار للبرميل في 2020، مما ينطوي على انخفاض بنحو 5 في المائة عن توقعات الشهر الماضي عند 63.48 دولار.
وبلغ متوسط سعر خام القياس العالمي 59.80 دولار منذ بداية العام وحتى الآن. تراجع النفط حوالي ثلاثين في المائة عن مستويات مرتفعة بلغها في يناير، إذ هبط الخام الأميركي لما دون الخمسين دولارا للبرميل بعد أن أضر الفيروس بالطلب في الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، وأثار مخاوف حيال فائض في المعروض العالمي.
وقالت المحللة لدى كابيتال إيكونوميكس كارولين بين: «في الربع الأول، نتوقع أن تضغط اضطرابات اقتصادية ناجمة عن التفشي بشدة على طلب وأسعار النفط».
ومن بين 37 مشاركا شملهم كلا استطلاعي يناير وفبراير، خفض 25 توقعاتهم لبرنت في 2020. ويتوقع المحللون نمو الطلب العالمي على النفط بنحو 0.7 مليون إلى 1.1 مليون برميل يومياً هذا العام، مقارنة مع توقعات الشهر الماضي عند ما بين 0.8 مليون و1.5 مليون برميل يومياً.
ويتوقع الاستطلاع أن يبلغ متوسط الخام الأميركي الخفيف 55.75 دولار للبرميل في 2020، انخفاضا من متوسط توقعات عند 58.22 دولار في يناير.
قد يهمك ايضاً :
بوتين يؤكّد أنّ روسيا يمكنها التعامل مع الآثار السلبية لـ"كورونا" في الأسواق
ترجيحات بتوجُّه "أوبك +" لخفض إنتاج النفط بمقدار مليون برميل يوميًّا
أرسل تعليقك