وسط توقعات حكومية بحل أزمة الخبز في السودان خلال الأيام الثلاثة المقبلة، ما زالت "طوابير الخبز" مستمرة وتزداد أعدادها، ليسيطر هذا المشهد على حياة المواطنين اليومية، إذ يعتبر رغيف الخبز مادة أساسية على موائد الطعام في البلاد , ويستهلك السودان وفق إحصاءات رسمية 2.5 مليون طن من القمح سنويًا ينتج منها 800 ألف طن.
واتخذ حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، إجراءات أخيرًا، بحضور الرئيس السوداني عمر حسن البشير، لحل الأزمة وانتهاء ظاهرة "طوابير الخبز" المستمرة لأكثر من شهر، وباتت تهدد الأمن الغذائي للمواطنين , وشكّل القطاع الاقتصادي في المؤتمر الوطني، لجنة فنية لدراسة الترتيبات التي تضمن وصول دعم دقيق الخبز إلى مستحقيه، وإيقاف تهريب القمح المدعوم، والتشديد على ضرورة تكامل حلقات عملية إنتاج الخبز من الطحن حتى المخابز.
وأعلن الأحد عن تشكيل غرفة عمليات لدقيق الخبز في القطاع الاقتصادي للمؤتمر الوطني (الحزب الحاكم)، برئاسة المهندس معتز موسى وزير الكهرباء والري السوداني، وعقدت اجتماعًا في الخرطوم، اطمأنت فيه من الجهات ذات الصلة بالخبز، على موقف الإمداد للمطاحن والمخابز بطاقتها القصوى , وتوقع مصدر أن تنجلي أزمة الخبز، التي طالت أزمتها، وكادت أن تتسبب في حالات جوع ,ووفقًا للمصدر، فإن المؤتمر الوطني وأجهزته الاقتصادية، شرعوا في إعداد خطة متوسطة المدى لرفع الإنتاج المحلي للقمح، ومجابهة كل التحديات الأخرى مثل الحصول على التقاوي السماد والمبيدات، بجانب تحفيز المزارعين للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من القمح، وزيادة مواعين التخزين الاستراتيجي للقمح في البلاد.
ووجّه رئيس القطاع المهندس معتز وزير الكهرباء بضرورة إعداد قاعدة بيانات دقيقة لكل منظومة إنتاج واستهلاك دقيق الخبز، بما في ذلك الأفران وسعاتها الإنتاجية , وبشأن أزمة الخبز التي شهدتها البلاد، وزادت أوزارها، أيام عطلة العيد وحتى أمس، أفاد مندوب المطاحن بتوفر الدقيق للمخابز قبل عطلة العيد، إلا أن إنتاج المخابز تأثر بنقص العمال خلال أيام العطلة , وتشهد جميع ولايات البلاد الثمانية وعشرين، مظاهر الأزمة، ويتعلل أصحاب المخابز في تلك الولايات بتقليص حصتهم من الدقيق بنسبة 30 في المائة الأسابيع الماضية، مشيرين أنها بالكاد تكفي لـ4 أيام في الأسبوع، وهو ما يضطرهم للتوقف عن العمل عند انتهائها.
- خلافات بين مورد دقيق وحكومة الخرطوم
ورغم إعلان وزارة المال والتخطيط الاقتصادي في السودان بداية الأسبوع الجاري، عن زيادة دعم جوال الدقيق من 100 جنيه إلى 250 جنيها، ووصول باخرة روسية محملة بالقمح إلى ميناء بورتسودان، الأسبوع الماضي , إلا أن مصادر في شركات سودانية تستورد الدقيق، قالت أمس، إنن هناك خلافًا كبيرًا بين أكبر مورد للدقيق في البلاد، وهي مجموعة سيقا (التي يمتلكها رجل الأعمال السوداني أسامة داود)، وبين حكومة ولاية الخرطوم، التي منعت وصول القمح مباشرة إلى المطاحن، ورفضت الطلب للمورد، ما جعل داود يلغي تعاقداته مع المطاحن، لتبدأ أزمة في نقص الخبز.
ولم توضح المصادر أن تتجه الأزمة بين رجل الأعمال السوداني وحكومة ولاية الخرطوم، إلا أن أزمة توفير الدقيق للمطاحن مستمرة منذ أكثر من شهر، فاقمتها شح موارد النقد الأجنبي في بنك السودان المركزي، الذي اضطر أخيرًا إلى الاستدانة من بعض المصارف التجارية لتغطية احتياجات البلاد من السلع الأساسية كالقمح والوقود , وأعلنت وزارة المال السودانية في بيان لها قبل أيام، أنها زادت الدعم لجوال دقيق الخبز من 100 إلى 250 جنيها، بما يعادل 25 مليون جنيه في اليوم , وقالت إنه حرصًا منها على استمرارية توفير الخبز وتخفيفًا لأعباء المعيشة، سيتم العمل بذات سعر الخبز الحالي ووزنه، سبعون غرامًا بهدف المحافظة على استمرارية عمل المخابز من دون توقف أو نقصان في الكمية المنتجة من المخابز.
ووجهت وزارة المال في بيانها، المطاحن بالالتزام بزيادة الإنتاج من التوزيع، حتى يصل لأكثر من 100 ألف جوال لتغطية الاحتياج اليومي في العاصمة والولايات , كما وجهت أصحاب المخابز والشركات المنتجة، بأخذ التدابير اللازمة لضمان وصول القمح إلى منافذ التوزيع، داعية الجهات الأمنية والقوات النظامية والشعبية إلى أخذ الحيطة والحذر، للمحافظة على الدقيق المدعوم، منعا من التهريب.
عودة الحصص كاملة
وذكر اتحاد المخابز السودانية في بيان أن "المخابز تسلمت الحصص المخصصة للدقيق كاملة دون نقصان، ما يبشر بانفراج الأزمة قريبًا، وأن كل المطاحن تعمل بالطاقة القصوى لتوفير الدقيق"، متوقعاً انتهاء أزمة الخبز خلال ساعات , وناشد بدر الدين الجلال الأمين العام لاتحاد المخابز السودانية الأسبوع الماضي، الجهات المختصة تذليل العقبات التي تواجه عمليات الطحن العاملة بولاية الخرطوم، والبالغة 42 مطحنًا لتغطية احتياجات الولاية من الدقيق، والتي تبلغ 45 ألف جوال يوميًا.
ويستهلك سكان الخرطوم وحدها نحو 40 مليون رغيف في اليوم. وتدعم الحكومة السودانية سلعة القمح بنحو 500 مليون دولار كل 3 أشهر، لكن هذا الدعم لا يذهب بكامله لمستحقيه , وترتفع عمليات تهريب القمح والدقيق إلى خارج البلاد , وأكد مجددًا أن انقطاع التيار الكهربائي المتكرر من المطاحن أثر على عمل المطاحن بنسبة 60 في المائة من طاقتها , مطالبًا بزيادة كميات الجازولين للمولدات بالمطاحن لمليء الفجوة الحالية.
ويشهد الاقتصاد السوداني ارتفاعًا في معدل التضخم الذي بلغ وفق إحصاءات رسمية في يوليو / تموز الماضي نحو 64 في المائة. وفي أكتوبر / تشرين الأول الماضي رفعت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية كانت تفرضها على الخرطوم منذ عقود , وكان من المتوقع أن يكون لقرار واشنطن أثر إيجابي، لكن الاقتصاد السوداني لم يستفد منه وفق مسؤولين سودانيين جراء تحفظ المصارف العالمية عن التعامل مع نظيراتها السودانية.
أرسل تعليقك