انطلقت جلسات عمل مؤتمر "الشمول المالي الدولي" التاسع في مدينة شرم الشيخ شرق مصر، يوم أمس الخميس، وسط حضور واسع من صانعي سياسات مالية وخبراء ومسؤولين من أكثر من 90 دولة، لبحث عدد من القضايا المهمة وتعزيز الشمول المالي، من أجل مواجهة التحديات الاقتصادية الكبرى، وعلى رأسها طرق الاستفادة من الاقتصاد غير الرسمي، وبدأت فعاليات جلسة العمل الأولى بحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بكلمة مسجلة للدكتورة نعمات شفيق، التي شغلت منصب نائب المدير العام لمدير النقد الدولي ونائب محافظ بنك إنكلترا، وتشغل حاليًا مدير كلية لندن للاقتصاد، ذكرت خلالها بأنّ "كلّ المكونات للشمول المالي أصبحت موجودة، منها الالتزام السياسي، فضلًا عن وضع الشمول المالي في الأجندات العالمية"، مؤكّدة أنّ البنوك التقليدية أصبحت شريكًا وجزءًا لا يتجزأ من عملية الشمول المالي، بالإضافة إلى المؤسسات المالية الأخرى من أجل الوصول إلى هذا الهدف.
وأشار المدير التنفيذي للتحالف الدولي للشمول المالي، الدكتور ألفريد هنينغ، إلى أنّ مصر نجحت في تنظيم المؤتمر، وأنّ المؤتمر الحالي هو الأكبر من نوعه للتحالف على المستوى العالمي، حيث تشارك أكثر من 90 دولة في فعالياته، مؤكّدًا بأنّ المبادرة العربية للشمول المالي التي ستوقع خلال المؤتمر تجسد إدراك الدول العربية لأهمية الشمول المالي في تعزيز التنمية المستدامة، لافتًا إلى أنّ الإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها مصر حاليًا ستسهم في تدعيم الشمول المالي والاستقرار النقدي.
وأوضح هنينغ أنّ الدول المشاركة في المؤتمر ستتبادل الخبرات الناجحة بشأن سبل تعزيز الشمول المالي، الذي يعزز الأهداف الواردة في خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، وأنّ الشمول المالي يدعم قدرة الحكومات على مواجهة التحديات الاقتصادية والمالية والتداعيات الناجمة عن تفشي الفقر والتغيرات المناخية وإتاحة الفرصة للفئات الفقيرة والمهمشة للاستفادة من الخدمات المالية، لافتًا إلى أنّ البنوك المركزية في الدول الأعضاء في التحالف الدولي أبدت التزامها باتخاذ جميع الإجراءات لتعزيز الشمول المالي.
يُذكر أنّ الشمول المالي يتضمّن إتاحة واستخدام جميع الخدمات المالية لمختلف فئات المجتمع بمؤسساته وأفراده، خاصة الفقيرة والمهمشة منها، وإتاحة التمويل للشركات متناهية الصغر، والصغيرة والمتوسطة من خلال القنوات الرسمية للقطاع المالي، وتشجيع هذه الفئات على إدارة أموالهم ومدخراتهم بشكل سليم لتفادي لجوء البعض إلى القنوات والوسائل غير الرسمية التي لا تخضع لحد أدنى من الرقابة والإشراف، وتعزيز فرص العمل، وتحقيق النمو الاقتصادي ومجابهة الفقر وتحسين توزيع الدخل.
ويُعد التحالف الدولي للشمول المالي أول شبكة دولية لتبادل الخبرات بين الدول في مجال الشمول المالي، حيث تمّ إنشاؤه عام 2008 ويضم 94 دولة من الدول النامية ممثلة في 119 مؤسسة تضم وزارات مالية وبنوك مركزية، ويعمل التحالف على تطوير الأدوات المستخدمة لتطبيق الشمول المالي وتبادل الخبرات الفنية والعملية بين الدول الأعضاء، ومساعدتها في صياغة السياسات والاستراتيجيات الإصلاحية وآليات التطبيق.
من جانبه، قال محافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر، إن هناك نحو 60 في المائة من العمالة تعمل في القطاعات غير الرسمية، حيث تشكل هذه القطاعات على مستوى الدول الناشئة في تقدير المؤسسات الدولية، نحو 50 في المائة من الناتج القومي.
ومن جانبه، أكد محافظ البنك المركزي لدول غرب أفريقيا، تيموكو ميليت كون، أن القطاع غير الرسمي في أفريقيا يساهم في القطاع الرأسمالي بنسبة 25 في المائة من إجمالي الناتج القومي، مضيفا أن هذا القطاع يمثل ما بين 30 و90 في المائة من العمل في القطاع غير الزراعي.
وأضاف، خلال الجلسة الثانية من المؤتمر الدولي التاسع للشمول المالي، أن 65 في المائة من السكان يمكنهم الحصول على الخدمات المصرفية من خلال الهاتف الجوال وكثير من وسائل الدفع النقدي الإلكتروني. كما أشار إلى أن هناك استراتيجيتين، واحدة إقليمية لكل المناطق، وأخرى قومية لكل دولة، وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تعزيز الإطار التشريعي والتنظيمي بالحد الأدنى لهذه الأنشطة، وتعزيز الابتكارات لتحويل القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي. وتابع: "ما أردناه هو أن نجعل الخدمات التي تتوفر للمشروعات الصغيرة والمتوسطة متجمعة، لتتيح لأكبر عدد من السكان أن يستخدموا ذلك بتكلفة بسيطة وميسرة".
وأعلن محافظ البنك المركزي في الفليبين، نستور أسبنيلاجي آر، بأنّ "الشمول المالي عنصر مهم يحتاج إلى تقديم خدمات مالية فعالة من أجل تحقيق نمو اقتصادي عادل"، مضيفًا بقوله "ثبت أنّ القطاع غير الرسمي يعدّ أحد التحديات التي واجهت العديد من الاقتصاديين"، مستعرضًا تجربة بلاده في التعامل مع الاقتصاد غير الرسمي، مشيرًا إلى أن الفليبين بدأت منذ أكثر من 15 عامًا في التعامل مع المؤسسات المصرفية غير الرسمية ككيان واحد بعد تطبيق عدد من الاستراتيجيات المختلفة لتحقيق الشمول المالي.
وأكّد نستور أنّ الاقتصاد غير الرسمي قضية كبيرة يجب وضع استراتيجية لمواجهتها، موضحًا أنّ هناك بيانات في البنك الدولي ما بين 1999 و2006 تشير إلى أنّ 42% من إجمالي الناتج المحلي في الفليبين يأتي من الاقتصاد غير الرسمي، مشيرًا إلى أنّ هناك 15 مليون عامل في الفليبين يعملون في الاقتصاد غير الرسمي، كما أنّ 43% من البالغين في الفليبين لديهم مدخرات، لكن ثلثي هذا العدد يحتفظون بهذه المدخرات في المنازل، مشددًا على ضرورة إضفاء الصبغة الرسمية على الاقتصاد غير الرسمي من أجل تحقيق النمو الشمولي، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أنّ تحقيق ذلك يتطلب وقتًا.
وكشف النائب التنفيذي لشركة "فيزا"، سيفان كيهو، أنّ الشركة ستقوم بضخ استثمارات في مصر خلال الفترة المقبلة بقيمة 50 مليون جنيه، معلنًا بأنّ هناك نجاحًا كبيرًا في تسويق "فيزا" في مصر، مضيفًا أنّ مصر تعدّ واحدة من البلدان محل تركيز لشركته خلال الفترة الماضية، وأنهم يعملون جاهدين من أجل تكييف تكنولوجياتهم بما يتوافق مع السوق المحلية في مصر خاصة في ظل الالتزامات المقبلة بين الطرفين، مؤكدًا على أنّ الهدف الأساسي هو التفكير في القطاع غير الرسمي، من أجل الاستفادة من التطورات الكبيرة للشركة، من أجل إحداث أثر اجتماعي وشمول مالي للشركات غير الرسمية للاستمرار في الاستثمار.
وصرّح نائب الرئيس التنفيذي للسياسات الدولية العامة في شركة "ماستر كارد"، شون مايلز، بأنّه "كي تتمكن الحكومات من التنفيذ الفعلي على أرض الواقع للشمول المالي سيكون من خلال الشراكة مع القطاع الخاص، الذي يعد أمرًا حيويًا للغاية، كما أنّ رفع مستوى استخدام التكنولوجيا للتعامل مع رغبة الحكومات سيسهم في تعزيز الشمول المالي، من خلال منظور تجاري، الأمر الذي يتيح لنا كمنظمات أن نستفيد من أفضل التكنولوجيات المتاحة والآليات وفعاليات التكلفة التي تساعد الحكومة على إحراز هذا الهدف عن طريق فهم طبيعة كل قطاع نحاول التوجه إليه ومساعدة الحكومة على ذلك".
وأكد مدير الخدمات المالية لبنك الفقراء، مايكل ويغاند، أنّ النساء أكثر استفادة من الشمول المالي إذا ما أتيحت الفرصة، لافتًا إلى أنّ "الخبر الجيد هو أنّ الخدمات المالية الرقمية تساعد المواطنين الفقراء على الخروج من دائرة الفقر وتحول دون رجوعهم مرة أخرى إليه"، مشيرًا إلى أنّه تمّ تحديد 4 عناصر رئيسية لخدمة الفقراء، ويجب أن يكون الوصول إلى هذه الخدمات متاح فيما يمكن دفع ثمنها، مضيفًا بأنّ الوصول إلى الخدمات في دول مثل كينيا، على سبيل المثال، يحتاج إلى مئات الآلاف أو أكثر من النقاط المركزية المنتشرة على جميع الشرائح والمصارف وماكينات الصراف الآلي حتى يتم خدمة شريحة الفقراء، لافتًا إلى أنّ الفئة الفقيرة هي الأكثر استخدامًا للنقد وتعمل به بشكل تقليدي.
أرسل تعليقك