سجلت ألمانيا في النصف الأول من العام الجاري، رقمًا قياسيًا غير مسبوق منذ أكثر من ربع قرن في فائض موازنتها، بفضل النمو الاقتصادي القوي والأوضاع المواتية على نحو غير مسبوق في سوق العمل، وذلك على الرغم من الإشارة، الجمعة، إلى أن ثقة الشركات الألمانية تراجعت قليلًا في شهر أغسطس/آب الجاري، بعدما كانت قد سجلت رقمًا قياسيًا في شهر يوليو/تموز الماضي، وهي النتائج التي تعزز كثيرًا من الاطمئنان إلى مستقبل الاقتصاد الألماني قبل نحو شهر من الانتخابات العامة التي تؤثر كثيرًا على هذا البلد، وعلى اقتصاد منطقة اليورو، والاقتصاد الأوروبي بشكل عام.
وأعلن مكتب الإحصاء الاتحادي، في مقره في مدينة فيسبادن، الجمعة، استنادًا إلى بيانات مؤقتة، أن إجمالي إيرادات الحكومة الاتحادية والولايات والمحليات وصناديق الضمان الاجتماعي ارتفع عن نفقاتها بمقدار 18.3 مليار يورو "نحو 21.59 مليار دولار" في النصف الأول من العام الجاري؛ وذلك نظرًا لارتفاع إيرادات قطاع التصدير ومعدلات الاستهلاك، وبالتالي استقرار النمو الاقتصادي، وتراجع نسبة البطالة إلى نسبة 5.9 في المائة، مؤكدًا أن "ارتیاح الاقتصاد العالمي ساهم في النصف الأول من العام الحالي في زيادة الطلب على البضائع الألمانیة، ولا سیما الآلات؛ الأمر الذي يؤدي تلقائیًا إلى ارتفاع معدلات التوظیف".
وأظهرت البيانات الصادرة، نمو أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بنسبة 0.6 في المائة على أساس معدل موسميًا في الربع الثاني، وجاءت تلك الزيادة نتيجة لارتفاع الاستهلاك الخاص بنسبة 0.25 في المائة على أساس ربع سنوي، وهو معدل أكثر من المتوقع سابقًا ولم يحقق هذا المعدل سوى مرة واحدة منذ عام 2011، وكان أقوى من توقعات النمو الاقتصادي البالغة 0.7 في المائة، وبذلك، حققت الخزائن العامة في ألمانيا أعلى زيادة في إيراداتها بـ"إمكاناتها الخاصة" منذ توحيد شطري البلاد عام 1991؛ وذلك بتجنيب "حدث استثنائي" وحيد، حين سجلت ألمانيا فائضًا أعلى في إيرادات موازنتها في النصف الثاني من عام 2000، والذي بلغ آنذاك 28.8 مليار يورو، وذلك بفضل بيع تراخيص نظم الاتصالات الجوالة.
وبتلك النتائج يظهر تحقق الناتج القومي الألماني المحلي ارتفاعًا بنسبة 0.6 في المائة، مقارنة بالنصف الثاني من العام الماضي، لیبقى بذلك أكبر اقتصاد في أوروبا بعیدًا عن خطر تكبد الديون الذي تحدده اتفاقیة "ماستريخت" عند نسبة 3 في المائة من الناتج القومي المحلي وفي سياق متصل، أعلن المكتب أن ألمانيا حققت فائضًا في ميزانيتها العام الماضي أكبر مما أُعلن من قبل، وذكر المكتب، ردًا على استفسار، أن فائض ميزانية الحكومة الاتحادية والولايات والمحليات وصناديق الضمان الاجتماعي بلغ إجماليه العام الماضي 25.7 مليار يورو.
وكان المكتب أعلن في فبراير/شباط الماضي، استنادًا إلى بيانات مؤقتة، أن فائض الميزانية لكامل عام 2016 بلغ 23.7 مليار يورو، وهو ثالث عام على التوالي تحقق فيه ألمانيا فائضًا في الميزانية. وشكل فائض الميزانية العام الماضي، وفقًا للحسابات الجديدة، ما نسبته 0.08 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
لكن على صعيد التجارة الخارجية، بدت الأرقام أقل قليلًا من قوة الاقتصاد الألماني؛ إذ زادت الصادرات بنسبة 0.7 في المائة فقط خلال الربع الماضي، بينما نمت الواردات بنسبة 1.7 في المائة، وتواجه ألمانيا، التي تقود بقوتها الاقتصادية النمو والانتعاش في منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي، انتقادات كبرى من الولايات المتحدة وإدارة الرئيس دونالد ترامب، والذي يقول إن برلين تخفض قيمة عملتها "اليورو" عمدًا من أجل خنق التنافسية، وأنها تتسبب في اختلال بتوازن الاقتصاد العالمي.
وفي سياق ذي صلة، أظهر مسح نشرت نتائجه، أن ثقة الشركات الألمانية تراجعت قليلا في أغسطس بعدما بلغت ثلاث مستويات قياسية على التوالي، بما يشير إلى أن موجة الصعود بقيادة الاستهلاك في أكبر اقتصاد أوروبي ربما بلغت مداها، لكن النتائج تظهر في الوقت ذاته أن ثقة قطاع الأعمال الألمانية لا تزال قوية، وبخاصة إذا ما وضع في الاعتبار أن الدولة مقبلة على انتخابات تشريعية قريبة بعد نحو شهر من الآن، والتي تطمح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من خلالها الفوز بولاية رابعة، وهو الأمر الأكثر احتمالًا في غياب مرشحين أقوياء منافسين لها.
وقال معهد "إيفو" الاقتصادي ومقره ميونيخ، إن مؤشره لمناخ الأعمال، الذي يستند إلى مسح شهري يشمل نحو سبعة آلاف شركة، تراجع إلى 115.9 نقطة من 116 في يوليو، وشمل الاستطلاع سبعة آلاف شركة، وجاءت نتيجته أفضل من المتوقع، وكان متوسط التوقعات في استطلاع لـ"رويترز" يشير إلى قراءة تبلغ 115.5 نقطة، في حين كان المحللون الذين استطلعت آراءهم مؤسسة "فاكت – سيت" توقعوا تراجعًا إلى مستوى 115.7 نقطة.
وأكد كليمنس فيوست، رئيس معهد "إيفو"، في بيان: إن "الثقة لدى قطاع الأعمال لا تزال قوية"، مضيفًا أن "الاقتصاد الألماني لا يزال على مسار النمو"، وقال المعهد إن التراجع الطفيف مرده تقديرات قادة الأعمال الأقل إيجابية للوضع الراهن، في حين توقعاتهم المستقبلية "مشرقة" وتضاف الثقة القوية إلى سلسلة من المعطيات الإيجابية للقوة الاقتصادية الأوروبية الأولى؛ ما يعزز موقع المحافظين وعلى رأسهم المستشارة أنجيلا ميركل عشية انتخابات 24 سبتمبر/أيلول المقبل.
وفي قطاعات أخرى من الاقتصاد، فإن "التشاؤم الأكبر" يأتي من تجار التجزئة الذين كانوا "أقل رضا" بوضعهم الحالي وأقل تفاؤلًا بالمستقبل، وأوضح فيوست، إن "تجار السيارات مسؤولون إلى حد كبير عن التراجع"، ويواجه قطاع السيارات القوي في ألمانيا تبعات فضيحة تدليس خاصة بمحركات السيارات العاملة بالديزل، واتهامات بأن بعض صانعي السيارات تلاعبوا بمسائل تقنية بينها تكنولوجيا الانبعاثات...
غير أن الفضيحة لم تؤثر بعد على الثقة بين مصنعي السيارات، بحسب فيوست، والذي قال إنه "في كارتل قطاع السيارات، لم تنعكس الاتهامات وقضية الديزل على نتائج الاستطلاعات لغاية الآن، ومؤشر مناخ الأعمال لا يزال عند مستوى مرتفع جدًا".
لكن على الجانب الآخر، بلغ التفاؤل مستويات قياسية جديدة في قطاعي التصنيع والبناء، حيث أنهى قطاع صناعة البناء والتشييد في ألمانيا الربع الثاني من العام الحالي على ارتفاع، في الوقت الذي ساعدت فيه معدلات الفائدة المنخفضة التاريخية، وارتفاع الأجور والنمو الاقتصادي القوي على تحقيق طفرة في الإسكان، حسبما أظهرت بيانات أصدرها مكتب الإحصاء الاتحادي "ديستاتيس".
وأشار مكتب ديستاتيس إلى أن سجل الطلبيات بشأن أعمال البناء في أكبر اقتصاد في أوروبا سجلت قفزة بنسبة 3.9 في المائة في يونيو/حزيران الماضي، مقارنة بشهر مايو/أيار السابق.
أرسل تعليقك