أكد خبراء اقتصاديون في غزة اليوم الاثنين على ضرورة إلغاء بروتوكول باريس الاقتصادي أو إجراء تعديل جوهري عليه، للتخلص من التبعية الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلي، واستخدام أوراق القوة التي تملكها السلطة الفلسطينية ممثلة بالقانون الدولي في المحافل الدولية.
وأشاروا، خلال يوم دراسي نظمته جامعة الإسراء في غزة بمناسبة مرور 22 عاماً على توقيع بروتوكول باريس الاقتصادي، إلى أن المواطن الفلسطيني مازال يدفع ثمناً كبيرًا جراء هذا الاتفاق الذي يساوي بين سعر السلعة في الأراضي الفلسطينية ودولة الاحتلال رغم الاختلاف الكبير في مستوى المعيشة بين الجانبين.
وأوضح الدكتور عدنان الحجار رئيس جامعة الإسراء، إلى أن الاقتصاد الفلسطيني ومنذ 22 عاماً هو عُمر التوقيع على اتفاقية بروتوكول باريس الاقتصادية، والاقتصاد الفلسطيني مر بمراحل صعبة، وأن الخبراء والمهتمين منذ اللحظة الأولى حذروا من آثاره الكارثية على الاقتصاد الفلسطيني، مشيرًا الى أن الجامعة وحرصاً منها على تقديم حلول عملية من شأنها التخلص من هذا الاتفاق والتبعية الاقتصادية للاحتلال، نظمت يوماً دراسياً في الذكرى 22 للتوقيع على بروتوكول باريس الاقتصادي مع كوكبة من خبراء الوطن في المجال الاقتصادي والقانوني والمالي والسياسي، معرباً عن أمله أن تكون مخرجات اليوم الدراسي قادرة على تغيير هذا الواقع خاصة أن السياسيين الفلسطينيين وحتى من وقعوا على هذا الاتفاق وقادوا تنفيذه يدركوا تماما بل وينادوا بتغييره، لما له من آثار كارثية على الواقع الفلسطيني.
وكشف الدكتور معين رجب الخبير الاقتصادي، أن مناقشة موضوع بروتوكول باريس الاقتصادي بالغ الأهمية لأن جميع المواطنين يعيشون الحياة الاقتصادية يوماً بيوم ويتعثر به الكثير، وأوضح، أن بروتوكول باريس الاقتصادي هو جزء من الاتفاقيات التي أعقبت اتفاق أوسلو، حاصرت "إسرائيل" من خلاله تطلعات السلطة الفلسطينية وحقوقها في إطار حكم ذاتي محدود، مشيرًا الى أن إسرائيل هدفت من الاتفاق الاستفادة المطلقة من الفلسطينيين، وتحقيق فائدة عظيمة لهم فيما يبقى الفلسطيني في حالة تبعية كاملة للاقتصاد الإسرائيلي. مشيراً إلى أن الاتفاق رغم معالجته قضايا متعددة لتيسيير الحياة الاقتصادية إلا أن مفاتيحه بيد إسرائيل فقط. مؤكداً أن تجاوز هذا البروتوكول لا يمكن إلا بحل سياسي بامتياز. لافتاً في الوقت ذاته، إلى أن الظروف فرضت على الفلسطينيين قبول هذا الاتفاق في حينه.
وتحدث الدكتور محمد مقداد عميد كلية التجارة في الجامعة الإسلامية عن تبعات بروتوكول باريس الاقتصادي، لافتاً إلى أننا كفلسطينيين لا نمتلك أدواتها، ولا نملك سياسية مالية وتجارية ونقدية، لان الحصار الإسرائيلي قائم، والاحتلال لا يلبي لنا مطلباً إلا في حالة تناسبه ووقتما يريد ويشاء، وأشار، إلى أن التنمية التي تم التخطيط لها قبل قدوم السلطة من خلال برنامج اقتصادي شامل، تعثر منذ البداية، لأنها كانت تعتمد بشكل كلي على الدعم الأجنبي ، ولا تتعدى التسيير الذاتي للحكم الذاتي.
و استعرض د. سيف الدين عودة من سلطة النقد الفلسطينية، الجوانب النقدية التي وردت في البروتوكول، وأكد أن سلطة النقد هي أكثر الجهات التي نجحت في أن تُكون جهازاً فنياً متكاملاً قادراً على إنشاء البنك المركزي الفلسطيني في حال تهيأت له الأسباب المختلفة. وأشار إلى أن سلطة النقد كان اهتمامها منذ نشأة السلطة أن يكون لها نقد فلسطيني خاص بها، وأن محاولات عديدة تمت في هذا السياق، إلا أن الأمر رهن بالأوضاع السياسية. مشدداً على أن سلطة النقد لديها الجاهزية لإصدار النقد الفلسطيني في حال استقرار الأوضاع الاقتصادية، وأشار، إلى أن الجانب الفلسطيني طلب تعديل 14 بنداً من بروتوكول باريس الاقتصادي، بهدف إنشاء مناطق جمركية تخص الجانب الفلسطيني للتقليل من الاعتماد على الجانب الإسرائيلي في إيرادات المقاصة، ومد خط مباشر في نقل البترول ومشتقاته من "إسرائيل" للسلطة لتوفير أموال النقل ولكن اسرائيل رفضت الطلب، موضحاً أن المساعي الفلسطينية تصطدم بمعوقات ليس من السهل تجاوزها. مشدداً في الوقت ذاته على ضرورة إدخال تعديلات أساسية على الاتفاق بما يلائم الواقع.
وأفاد د. سمير أبو مدللة أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر، أن التأصيل الفكري لبروتوكول باريس وظروف التوقيع عليه، الذي جرى التوقيع عليه في 30/4/1994 ضمن اتفاق يسري مفعوله على نظام سياسي محدود السيادة الى حد كبير. موضحاً أن الاتفاق كرس سياسة الأمر الواقع، أي أن ما كان يطبه الاحتلال منذ العام 67 وحتى قدوم السلطة ، جاء وطبقه برضى الطرفين عن طريق بروتوكول باريس، مؤكداً أنه اتفاق أسس للارتهان والتبعية للاقتصاد الإسرائيلي، وأشار إلى أن معضلة الاتفاق تكمن في أنه قام بإملاءات اقتصادية واجتماعية قائمة على أساس توجهات البنك الدولي والنقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية.
أما الخبير الاقتصادي عمر شعبان، أوضح أن اتفاق باريس هو انعكاس لتوازن قوى بين دولة محتلة وبين كيان مُحتل، وهو استمرار للاتفاق السياسي، وأشار، إلى ان السلطة الفلسطينية وقعت اتفاقيات اقتصادية مع أوروبا وأمريكا ولم نستطع تنفيذها لأن السلع الفلسطينية لا تستطيع المنافسة في أمريكا وأوروبا، بفعل منظومة القوانين والجودة المعمول بها في فلسطين التي لا تشجع على الانتاج الجيد، إضافة إلى عدم وجود قوانين حماية للمنتجات الأمر الذي لا يولد دافعية عند المستثمرين لتطوير المنتج.
وأكد "شعبان" أن الأسواق العربية فتحت أسواقها للمنتجات الفلسطينية إعلامياً لكنها على أرض الواقع لا تسمح بدخول السلع الفلسطينية إلى أسواقها، مؤكداً أن فلسطين بالنسبة للعرب هي سوق استهلاكي يبيعون فيه دون أن يشتروا منه.
وتساءل الخبير الاقتصادي "شعبان"، هل من مصلحة الفلسطينيين فك التبعية الاقتصادية لإسرائيل، في الوقت الذي يطمح فيه الكثير من العرب إلى إقامة علاقات اقتصادية معه ؟، وأشار، إلى أن بروتوكول باريس فيه بعض النوافذ التي تتيح لنا كفلسطينيين الاستيراد من الخارج سلع أساسية، كالأسمنت والوقود إلا أن المتنفذين يرفضون ذلك، لأن الاستيراد من الخارج لا يوجد فيه مقاصة تعود بعوائد مالية على خزينة السلطة التي يمولها الشعب، مؤكداً أن الاستغناء عن إسرائيل اقتصادياً يعني عدم وجود مقاصة التي تغطي ما نسبته 60% من إيرادات السلطة.
وأوصى الدكتور نبيل أبو شمالة عميد كلية العلوم الإدارية والمصرفية في جامعة الإسراء، بضرورة إنهاء الانقسام الفلسطيني، لكي يتم إنشاء ميناء غزة، لما له من أهمية في بسط السيادة الفلسطينية على الأرض والموارد، والتخلص من تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي، وتحقيق تنمية اقتصادية، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني مع زيادة الإنتاج الموجه للتصدير. وإنشاء منطقة تجارية على الحدود مع مصر.
أرسل تعليقك