استضاف "معرض الشارقة الدولي للكتاب"، بدورته الـ 37 التي انطلقت بتنظيم من "هيئة الشارقة للكتاب"، في "معرض إكسبو الشارقة"، المحاضر المتخصص في علم النفس الدكتور أحمد عمارة، الذي ألقى محاضرة بحضور ما يزيد عن ألف شخص من زوار المعرض. وتطرقت المحاضرة التي حملت عنوان "المعلومة إما لك أو عليك" إلى أهمية تعريف مفهوم المعلومة، باعتبارها أخبار وتحقيقات، أو كل ما يؤدي إلى كشف الحقائق، وإيضاح الأمور واتخاذ القرارات، محذراً من خطورة التعامل مع المعلومات بشكل خاطئ، نظراً للأثر السلبي الذي تتركه في حياة الإنسان، ومؤكداً في الوقت ذاته، أن أعظم المنجزات الكونية تحققت نتيجة لمعلومات صغيرة ومتراكمة.
وسائل الحصول على المعلومة
ولفت عمارة إلى أن مصادر استقاء المعلومات تندرج في إطار عدد من الوسائل، تبدأ بالملاحظة والإدراك من خلال "الحواس"، ثم "التجريب والخطأ" التي اعتبرها الوسيلة الأمثل للحصول على المعلومة، بالإضافة إلى "البرمجة والتلقين"، واصفاً إياها بالوسيلة الأكثر خطورة وتدميراً للعقل، ثم "السؤال المباشر"، و"التأمل والإلهام".
وأسهب عمارة في شرحه وتوصيفه لمصادر المعلومات، حيث اعتبر أن حصر الحصول على المعلومة من خلال الحواس وحدها يعتبر خطأً جسيماً، معللاً رأيه بأن الكثير من المعلومات تأتي بالفطرة، ودلل على ذلك بقدرة الأطفال على تحويل المعلومات لديهم إلى واقع، فيما أشاد بوسائل المحاولة والخطأ باعتبارها الأكثر تأثيراً ودقة للحصول على الحقائق، نظراً لخضوعها لامتحان النجاح والفشل ضمن مقياس تجريبي.
وحول البرمجة والتلقين التي وصفها بالأسوء والأخطر على العقل البشري، أكد أن هذا الأسلوب الذي ينتشر بين العديد من أولياء الأمور تجاه أبنائهم، أو في بعض الفضائيات، يؤدي إلى توقف الإدراك البشري، الذي يتعود على انتظار المعلومات الجاهزة، بعكس اكتساب المعلومات بالسؤال المباشر ، الذي يحفز العقل ويهيئه للتجاوب وتقبل المعلومات وفحصها، أما التأمل والإلهام فاعتبرها عمارة وسيلة لإستخراج الملعومات من الفؤاد، حيث أوضح أن الأفراد الذين اعتمدوا هذه الوسيلة سبقوا عصرهم بعشرات السنين.
تعامل الناس مع المعلومة
وعرج المحاضر على عدد من حالات تعامل الناس مع المعلومة، مشيراً إلى أن هناك من "يسمع وينتقي فيطبق"، ثم انتقل إلى الحالة الثانية التي وصف صاحبها بـ"المشاهد الذي يقضي وقته فقط"، ثم الحالة الثالثة التي تتعامل مع المعلومات من واقع "التفسير السلبي"، حيث يتدخل الشخص ويبدأ بتحليل الدوافع والأسلوب.
وواصل عمارة رصده لحالات التعامل مع المعلومة بحالة أخرى، أطلق عليها "أنا أعترض إذا أنا موجود"، مشيراً إلى أن هذه الحالة تمثل الأفراد الذين يعارضون وينتقدون كل شيء بهدف الانتقاد، مما يؤدي إلى الإضرار بالأشخاص وبالمعلومة ذاتها، محذراً بأن البعض من أصحاب هذه الحالات الذين يسلكون هذا الطريق، تتحول المعلومات لديهم إلى قناعة وسلوكاً حياتياً، أو لتنفيذ أجندة معينة، موضحاً مدى التأثير السلبي لهذه الحالة على الأفراد والمجتمعات، لا سيما إن كان أصحابها من المشاهير .
واختتم المحاضر حالات التعامل مع المعلومة بما أسماه "أبو العرّيف" واصفاً إياه بالشخص الذي يستقي مجموعة من الحقائق والمعلومات، ويصبح عالماً بكل شيء، إلى درجة أنه يتحول إلى قاضياً يحكم على ما يقوله الأخرون، ويعطي نفسه الحق بالحكم على صحة أو خطأ ما يقولونه، حيث وصف هذه الحالة بالتدميرية لمحاولات الاستفادة من المعلومة.
محفزات تلقي المعلومة
ووضع الدكتور أحمد عمارة قائمة بالمحفزات التي تدفع الأشخاص نحو الحصول على المعلومة، منها "تحقيق الأهداف"، مشيراً إلى ضرورة وجود هدف يراد تحقيقه، و"الاحتياج الشديد" الذي وصفه بمنهج (بعيداً عن)، وفي معرض شرحه لهذا المحفز، أوضح أنه قد يوصل أصحابه إلى حلول مؤقتة، لكنه لا يخدمهم على المدى البعيد، لإن الاحتياج الشديد يدفع صاحبه إلى محاولة الحصول على المعلومة بشكل سريع، مما يؤدي إلى استقاء معلومات خاطئة، مؤكداً أن المحفز الحقيقي هو ذاك الذي يحتمل المعلومات التي تطورك، لا تلك التي تقدم لك حلولاً مؤقتة.
وتابع عمارة سرده للمحفزات واضعاً ما أسماه بـ "مواكبة الموضة والهبّة" ضمن المحفزات السلبية، حيث يسعى أصحاب هذه الصفة، إلى مجاراة الأحداث لإيهام الآخرين باهتمامهم بما يجري، مما يرسخ في عقولهم اعتقادات خاطئة، تمنعهم لاحقاً من القدرة على استيعاب المعلومات والاستفادة منها. ولفت عمارة إلى أصحاب فئة "إيقاف التأنيب"، الذين يسعون إلى الحصول على المعلومات وقفاً لتأنيب الضمير، دون الالتفات إلى أهمية المعلومات في حياتهم، ثم انتقل إلى "أصحاب الفضول لكل ما هو جديد"، مشيراً إلى أن هذا النوع من الناس يعيش في وهم الوعي، واختتم بالمحفز الأخير الذي أسماه "أكل عيش"، حيث يسعى أصحابه إلى امتلاك المعلومات، وطرحها بصورة آليه لتحقيق مكاسب مادية، دون أن يكون الهدف تحقيق الفائدة وتعميمها.
استجابات الناس للمعلومة
وبشأن الاستجابة للمعلومة قسّم عمارة استجابة الناس للمعلومات وفقاً لعدة محاور، ذاكراً أن أول هذه المحاور يندرج فيما يعرف "بالهضم والإخراج"، (عيش المعلومة)، موضحاً أن المعلومة التي تدخل لا بد للإنسان من هضمها عقلياً، ثم إخراجها على شكل فائدة، لأن بقاءها حبيسة العقول يحولها إلى سم قاتل، كما أوضح أن المعلومات التي تدخل العقل، وتبدأ بالتراكم دون إخراجها على شاكلة أفكار أو فوائد، تبرمج العقل على التخزين فقط، مؤكداً ضرورة هضم المعلومة، ثم إخراجها، وتطبيقها بشكل دوري لا يتوقف.
وانتقل عمارة إلى المحور التالي الذي أطلق عليه "قبر المعلومة"، مشيراً إلى أن أصحاب هذه الفئة يسعون إلى التدوين، والتسجيل، والتلخيص، فقط ولا يعودون إلى هذه المعلومات، كأصحاب الرسائل النصية، أو رسائل وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما الرسائل الدينية المتبادلة، التي يعتقد أصحابها أن مجرد إرسالها يكفي، دون أن يقرؤونها بتمعن للتأكد من صحتها، ودون أن يستفيدوا منها، وبالتالي فإن تسجيل المعلومات وتدوينها، بعد التأكد من صحتها، لا يفيد أحد ما لم يرجع إليها صاحبها لاحقاً.
وتابع عمارة مشيراً إلى محور آخر أسماه "النقل للآخرين"، وهي الاستجابة الخاطئة للمعلومات، بمعنى سماعها وإسقاطها على الآخرين، وذلك لأنه يأخذ المعلومة في إطار ضيق يخدم هدف معين ومحدد، وأنهى المحاور بما وصفه بـ"الحكم على الآخرين وتصنيفهم"، مشيراً إلى أن هذه الاستجابة تعد من أسوء بؤر الطاقات السلبية التي تؤثر على حياة أصحابها.
توصيات
واختتم عمارة محاضرته بعدد من التوصيات، التي أسماها تمارين العقل، لافتاً إلى ضرورة التعامل مع المعلومات من واقع الشخص والفعل، حيث يجدر بنا رفع الشخص، وإنزال الفعل، ثم السعي إلى وصف الفعل، والابتعاد عن وصف الشخص، من خلال محاولة تقسيم الحكم إلى خمسة أقسام، بواقع حكمين سلبيين، وحكم حيادي، وحكمين إيجابيين، وبذلك يتحول الإنسان إلى الحكم على الأفعال وليس على الأشخاص. كما أوصى بالبحث عن نقاط الضعف والعيش في التأنيب، إلى جانب تفعيل دور الحياد، وعيش الأشخاص لتجاربهم الخاصة وفقاً لوعيهم، بالإضافة إلى ما أسماه بالتغذية الراجعة، من خلال كتابة الخطوات، ومعرفة النتائج، وعدم التردد بالتنفيذ أكثر من مرة واحدة، وبأكثر من طريقة، مبتدءاً بالبسيط ثم الأكبر، وأخيراً الانتقال إلى تقييم النتائج والابتعاد عن تقييم الذات.
أرسل تعليقك