باريس تتذكر رسام الطاحونة الحمراء وراقصات الكانكان في معرض تولوز لوتريك
آخر تحديث GMT 05:19:09
 فلسطين اليوم -

اندمج في حياة المهرجين والنُدُل والمغنيات الفاشلات والزبائن الهاربين

باريس تتذكر رسام الطاحونة الحمراء وراقصات "الكانكان" في معرض "تولوز لوتريك"

 فلسطين اليوم -

 فلسطين اليوم - باريس تتذكر رسام الطاحونة الحمراء وراقصات "الكانكان" في معرض "تولوز لوتريك"

الفرنسي هنري دو تولوز لوتريك
باريس ـ مارينا منصف

بعض المعارض تدخلها بتهيب وكأنك تجتاز عتبة معبد، وهناك من المعارض ما ينشرح له صدرك، حالما تجد نفسك في قاعاته، ومن هذه المناسبات الباعثة على السرور هذا المعرض الذي يستضيفه القصر الكبير في باريس، للفرنسي هنري دو تولوز لوتريك (1864-1901)، الفنان الكبير الذي شاءت له الطبيعة أن يُولد قزماً، ورغم ذلك، اتسعت موهبته لتشمل فنون الرسم والحفر والتخطيط وتصميم الملصقات كافة؛ إنها تلك الملصقات التي ما زالت تطبع وتباع في دكاكين التذكارات، بعد أن تحولت إلى علامة من علامات الحياة الباريسية اللاهية.

واقترن اسم تولوز لوتريك بمرابع الليل ومراقص حي مونتمارتر، وكان ملهى «الطاحونة الحمراء» ميدانه الذي يقتنص فيه أجواء لوحاته وألوانها والسحنات. وقد تولع براقصات «الكانكان»، ووضع ريشته في خدمة خطواتهن، وهو لم يكن يعيش الملهى من موقع المتفرج فحسب، بل اندمج في حياة المهرجين والنُدُل والمغنيات الفاشلات والزبائن الهاربين من بيوتهم، يذهب للقائهم مع حلول العتمة متأبطاً دفتر الرسم، ويجلس قريباً من خشبة المسرح، حيث يسهر ويمرح مع الساهرين. وكانت الراقصات يشفقن عليه بسبب قصر قامته، ثم كبر في عيونهن بفضل فنه الذي جاء له بالشهرة. لهذا جاءت لوحاته محملة بعبق علب الليل، ينطبق عليها عنوان رواية إرنست همنغواي «باريس في عيد».

ولم يكن الفنان شخصاً هامشياً، إذ ولد في قصر لوالدين من النبلاء، ينحدران من واحدة من أعرق عائلات فرنسا. وقد ورث عن أبيه لقب «كونت»، لكنه لم يلصقه باسمه، بل مضى يستثمر موهبته الفنية، ويبتدع لنفسه أسلوباً خاصاً في الرسم. ولم يكن يصطنع الخجل والترفع أمام الراقصات، ولا تردد في تصوير عوالمهن، بكل ما فيها من انكشاف. كما أنه لم يسمح لعاهته بأن تكون عثرة أمام نظرته للحياة، ولم يحاول أن يحمّل لوحاته بمشاعر النقمة والألم أو الشعور بالنقص. ومن دون أن يقصد، صار عموداً من أعمدة «مونتمارتر»، وشخصية يعرفها الرائح والغادي.

اقرأ أيضًا:

العلماء يُؤكّدون إكتشاف مومياء عمرها 3800 عام لامرأة مصرية

والمدهش في أعماله هو تلك الطزاجة التي تفيض منها؛ إنها تعود لما قبل 100 عام، لكنها تمتلك حداثتها التي لا تخبو مع الزمن. وقد وصف أحد النقاد لوحات تولوز لوتريك بأنها طبيعية، لم تعرف الأسمدة «أورغانيك»، تنتقل من حقل الفنان إلى مائدة المتفرج مباشرة، دون المرور بالمخازن والموزعين ورفوف الدكاكين. وفي مقدور تلك الرسوم والملصقات أن تأتي إليك بـ«الكاباريه»، حتى لو لم تطأه قدماك. وهو لم يكن الصديق الوفي لفتيات الليل وكاتم الأسرار فحسب، بل امتدت روحه النبيلة لتشمل الحيوانات والخيول التي تترك في الحظائر أو في خيام السيرك، والكلاب والقطط التي يطردها الجميع من كل الأمكنة. كان يتأملها من كل الجهات، ويلتقط خطوطها وحركاتها، ويزج بها في أجواء الوليمة الكبيرة التي يسجلها على الورق.

وبحساسية الفنان، كان يعرف أن وراء العيد الباريسي المتنقل المستمر بشراً منكسرين ونساء فقيرات وعائلات تترك أبناءها للشوارع. لذلك، فإن لوحاته انطوت على كثير من عدم الاستقرار، كأنه ينذر بالخطر الذي يترصد مهرجان الموسيقى والألوان. كان يضفي من أصالته رفعة على مشاهد البؤس، ويرسم البشاعة في أقصى جمالها، ويغطي الوجوه المرهقة بطبقات من المساحيق، ويعرف كيف يصور الابتسامات التي تراوح بين الضحك والبكاء. ورغم الأوجاع الشديدة في فقراته المنزلقة، فإنه كان يسخر من الألم، ويعالجه بالشراب، ويقول عن نفسه: «قامتي قصيرة، وليلي طويل». وكان يسخر أيضاً من الرجال طويلي القامة صغار النفوس، كأنه يباعد بينه وبينهم.

وفي واحدة من اللوحات، نرى الغانية من ظهرها متربعة على أريكة زرقاء في فضاء لوني مشغول بفوضى وعدم اكتراث، لكنها تلك الفوضى المرتبة جيداً في عقل مبدعها لكي تمنح الانطباع بالتشتت. وهناك في المعرض لوحات كثيرة للراقصات وهن في قمة انخطافهن بالموسيقى، يلوحن بتنوراتهن المؤلفة من طبقات الدانتيلا، ويقفزن في آخر الرقصة لكي يهبطن من علٍ بساقين مستويتين على الأرض.

هذه هي رقصة «الكانكان» التي ما زال مربع «الطاحونة الحمراء» يقدمها لزبائنه السياح الأميركيين واليابانيين، من سالف العصر حتى اليوم. يخرجون من السهرة ويطوفون في أزقة الحي لاقتناء نسخ من ملصقات تولوز لوتريك، وبالأخص تلك القطة السوداء ذات العينين الصفراوين التي ترفع ذيلها في تحفز جميل. هنا، عاش الرسام حتى أنهكه المرض والكحول والأمراض الزهرية. اعتكف للعلاج في مصحة تقع ضمن ممتلكات والدته في «مالروميه»، لكن جلطة أقعدته وشلت ساقيه. عندها، نقلته أمه إلى قصر العائلة ليموت بسلام. هناك، رأى أباه يحاول اصطياد ذبابة تحوم فوق سرير الابن المحتضر، فقال: «يا للعجوز الأحمق»؛ وكانت تلك آخر كلماته.

هذا، ويستمر المعرض حتى 27 يناير (كانون الثاني) المقبل

وقد يهمك أيضًا:

بحث جديد يثبت أن رمسيس الثالث مات طعنًا بالسكاكين بعد بتر ابهام قدمه

palestinetoday
palestinetoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

باريس تتذكر رسام الطاحونة الحمراء وراقصات الكانكان في معرض تولوز لوتريك باريس تتذكر رسام الطاحونة الحمراء وراقصات الكانكان في معرض تولوز لوتريك



هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 19:59 2020 الأحد ,03 أيار / مايو

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 09:18 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشّف عن السرّ وراء مرور الوقت بشكل أسرع مع التقدم في العمر

GMT 17:48 2018 الثلاثاء ,10 إبريل / نيسان

الاحتلال يدفع نحو كارثة بيئية في كفر عقب

GMT 12:09 2014 الثلاثاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

المغنية العالمية ريهانا تحل بديلًا من بيونسي في المغرب

GMT 20:44 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفلفل الحلو يعد كنزًا من فيتامين" C"

GMT 12:55 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان طلعت زكريا يبدء تصوير مشاهد فيلمه الجديد "الموقف"

GMT 04:11 2018 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

الزبيب لعلاج الإمساك وأمراض الجهاز التنفسي والهضمي
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday