تواصلت لليوم الثاني على التوالي فعاليات ملتقى فلسطين الأول للرواية العربية، الذي تقيمه وزارة الثقافة، في المسرح البلدي لدار بلدية رام الله.
وجرى خلال اليوم الثاني عقد ندوتين أدبيتين، وعرض فيلم "اصطياد الأشباح" للمخرج الفلسطيني رائد أنضوني، الذي يسلط الضوء على تجربة عشرة من المعتقلين الفلسطينيين في سجون إسرائيل، وفاز بجائزة "الدب الفضي" عن فئة الأفلام الوثائقية في مهرجان برلين للفيلم في دورته 67.
وكانت الندوة الأولى بعنوان "دور المرأة الكاتبة في تطور الرواية العربية"، وقد أدارتها الروائية المقدسية ديمة السمان، وشاركت فيها الروائيات: ليانا بدر من فلسطين، وسميحة خريس من الأردن، ومنى الشيمي من مصر، ومايا أبو الحيات من فلسطين، بينما لم تتمكن الروائية المصرية مي خالد من الحضور بسبب عدم صدور تصريح لها من قبل إسرائيل.
وجاء في مداخلة ليانا بدر "من الصعب فصل الأدب الذي تكتبه المرأة عن الأدب الذي يكتبه الرجل. إن طريقة كتابتي تعتمد على عالم المهمشين، أولئك الذين يعيشون وراء الستار".
ونوهت بدر إلى أن من ميزات المقاومة الفلسطينية أنها خلقت الإحساس بالمساواة الإنسانية بين المرأة والرجل نتيجة مشاركة المرأة في العملية النضالية، "فداخليا كنت أتحدى نموذج المرأة أخت الرجال، تلك التي تعيش في صراع منفرد مع ذاتها لخلق عالم جديد، أحاول دائما العمل على الشخصيات لدرجة أنني أقوم أحيانا ببحث أكاديمي من أجل فهم الخلفية الاجتماعية للفئة التي أتحدث عنها".
وأضافت "إن العودة إلى التاريخ الشفوي أمر مهم في كتابة الرواية، فإذا وصلنا إلى صيغة لدمج الشخصي مع العام، بشرط أن لا يطغى أحدهما على الآخر، فسنصل إلى عمل مهم روائيا، ومن المهم أيضا قراءة التراث العالمي".
وأكدت بدر، في مداخلتها، أنه من المهم للمرأة كتابة الرواية دون الإحساس بكونها ضحية، وهذا من شروط الكتابة الجيدة للمرأة والرجل على السواء.
وذكرت سميحة خريس في مداخلتها "أن هناك مقولات جاهزة أحيانا لمبررات الكتابة، لكني شخصيا كنت أشعر أنني أريد أن أضع بصمة نسوية في كتاباتي، ولا أقصد الأدب النسوي بالمعنى الجندري، بل لإثبات هويتي ككاتبة أنثى".
وأكملت "تأخرت المرأة في الكتابة الروائية، ربما لتأخر التعليم للنساء على مستوى العالم العربي".
وتابعت خريس "نحن نحتاج إلى الرواية عند كل مفترق تاريخي كبير، فدائما ما يختلف التوجه الإنساني عن التوجه السياسي، لذا سنكتب لأننا شهود على عصرنا".
وأردفت "إن المرأة نتيجة قمعها التاريخي أكثر قدرة على التخيل، لأنك كلما حاصرت شخصا لفترة طويلة، فإن مخرجه الوحيد من هذا الحصار هو الخيال".
وعلقت منى الشيمي "إن تجربتي مشت على خطين متوازيين، فأنا لا أعرف إن كنت ساهمت في تطور الرواية، لكني متأكدة أنني كنت أتطور شخصياً مع الكتابة".
واختتمت مايا أبو الحيات الندوة الأولى "عشت عشرين سنة دون أم، باحثة عنها، ضمتني أمهات أخريات، فوجدت الحب خارج حدود بيتي، تمحور كل شيء حول أمي، وبعد عشرين سنة التقيت بها، صارت أمي من لحم ودم وصوت، وبعد أن أنجبت أطفالي صارت الكتابة وسيلتي للهرب، كنت مصدومة بكل القداسة الواردة في الكتابة عن الأمهات".
وأضافت أبو الحيات "كبرت مع هم آخر هو تحديد هويتي من الأردن إلى تونس، إلى فلسطين".
وزادت "الفن هو اللعب على الظروف الآنية المستحيلة، وأعتقد أن الكاتبات كن أكثر جرأة في دفع الحياة للاستمرار".
أما الندوة الثانية، فكانت تحت عنوان "الرواية العربية في ظل الثورات والحروب"، وأدارها الروائي أكرم مسلم، بديلا عن الروائي عاطف أبو سيف الذي لم يصدر له تصريح لمغادرة قطاع غزة إلى رام الله.
وشارك في الندوة الروائيون: مها حسن من سوريا، وعلي بدر من العراق، ومحمود الورداني من مصر، بينما كان من المفترض أن يكون التونسي المنصف الوهايبي، والسوداني حمور زيادة من المشاركين في الندوة، لكنها التصاريح التي رفضت إسرائيل إصدارها لهما، فلم يتمكنا من الحضور.
وبينت الروائية السورية مها حسن في مداخلتها "أشعر دائما بثقل كوني أمثل الرواية السورية، لاسيما في ظل غياب الكتاب السوريين".
وأوضحت "موضوع الحرب مزعج، خصوصا لتناقضه مع هدف الكتابة وهو خلق البهجة والمتعة، ولكن لا يمكنني تجاهل هذا القبح الذي تخلقه الحرب".
وفصلت حسن "الهزيمة أمام إسرائيل صورتنا كجيل فاشل، لكن قيام الحرب في سوريا أعاد صياغة علاقتنا بسوريا ذهنيا وعاطفيا، أعيش ارتباكا بين كوني روائية تحاول وضع بصمة، وبين موقفي من خارطة الحرب اليومية، تقف أمام الحرب محاولا خلق نص إبداعي وسط هذا الخراب، وقد يبدو سؤال الخلق الإبداعي من خلال الحرب سؤالا أخلاقيا، فالحرب موجودة في كل بقعة من بقاع العالم حتى في فرنسا حيث أعيش الآن، المأزق هو كيف يمكن خلق نص من خلال الحرب دون أن يكون ذلك استثمارا للحرب؟".
وذكر العراقي علي بدر "أن تعيش في العراق يعني أن يكون هناك ألفة مع التراث الحربي، وهذه المنطقة نشأت فيها دولة عنيفة من التعدد الإثني والثقافي والديني، وقد أُنتجت أثناء الحرب مع إيران مئات الروايات التي صنِّفت تحت بند أدب الحرب".
وأردف "ما زلت أؤمن بأن الثورات في العالم العربي لا تنتج أي تغير سياسي، فكل ثورة تنتج انتكاسة جديدة".
وزاد بدر "تولد لديّ شعور العام 1991 بأن العراق يمكن أن يختفي عن الخارطة، لذا، كان العراق بحاجة إلى تحديد مفهوم الأمة، ورأيت أن السرد يمكن أن يحدد هذا المفهوم".
وتابع "إن رواية الحرب هي رواية الشاهد وليست رواية المنخرط، فالمثقف العضوي ليس عليه أن يكون مع جهة ضد جهة، فتولدت لدي فكرة المثقف الشاهد، كيف تضع نفسك كشخص معروف في خدمة أشخاص غير معروفين فتكتبهم أدبا، هذا هو السؤال".
وبين الروائي المصري محمود الورداني "دعونا نتفق على العلاقة بين الحرب والرواية، فرواية الحرب لا تعني الكتابة عن ساحات القتال، ولا عن قعقعة السلاح، بل عن التداعيات التي تخلفها أو تخلقها الحرب عند الناس الذين يعيشونها".
وأضاف أن "معظم الثورات في التاريخ العربي الحديث أجبرت الكاتب على الانشغال بالهم العام، لأنها مستمرة دائماً، وإن كان أغلبها على شكل انقلابات عسكرية. لذلك سنجد الكثير من الروايات العربية متورطة في الكتابة عن الحرب، فروايات نجيب محفوظ مثلا تتكلم عن تداعيات الثورات في النفوس البشرية وليس عن الثورات مباشرة".
وختم أنه "بعد 1967 لم يعبر الكتاب عن الحرب بل عن تداعياتها، وما زلت أعتبر أن ما حدث في الربيع العربي ثورات رغم هزيمة بعضها من الثورات المضادة".
أرسل تعليقك