واشنطن يوسف مكي
المتابع اليوم للعمليات المتطرفة المتفرقة التي شهدتها عدد من العواصم العربية الإسلامية، والغربية سواء أكان منفذ عملية الدهس بمدينة "نيس" بالجنوب الفرنسي، المدعو "محمد لحويج بو هلال" 31 عاما فرنسي من أصل تونسي إلى جانب الداعشي "عمر متين" 29 عاما، أميركي من أصل أفغاني، منفذ الهجوم على ملهى ليلي يرتاده "المثليون" في مدينة أورلاندو الأميركية، وصولا إلى التوأم الداعشي "خالد وصالح" سعوديي الجنسية اللذين أقدما على نحر والدتهما 67 عاما ومحاولة طعن والدهما 73عاما وشقيقهما "سلمان 22 عاما، إلى جانب عدد كبير من مجندي تنظيم "داعش" لا تزال أجهزة الأمن في عدد من دول العالم يوما بعد آخر تعلن فيه القبض والكشف عن خلايا تعتنق الفكر المتطرف، إلا أن السؤال الذي لا يزال يشغل المحللين الأمنيين ومراكز الدراسات المختصة بالتطرف يكمن بغموض ما يجمع منفذي الهجمات الانتحارية في عدد من العواصم العالمية.
"العربية نت" تتناول وعلى جزأين أبرز هذه المقاربات التي جمعت بين "الدواعش" الجدد وهي: سجلات أمنية نظيفة، وسرعة تطرف، ومباشرة في اختيار الهدف.
"مصطفى عبد القادر الرفاعي" أو المعروف بـ" أبو مصعب السوري" مؤلف كتاب" دعوة المقاومة الإسلامية" "المسؤول العسكري لتنظيم داعش تم تعيينه أخيرا خلفا لـ "أبو عمر الشيشاني" والذي قتل في يوليو 2016 إثر غارة أميركية استهدفت مواقع التنظيم بالعراق"، يجيب في كتابه "دعوة المقاومة الإسلامية" على آلية العمل الذي ينتهجه التنظيم اليوم، مفسرا كذلك حقيقة الأهداف لما تشهده الساحة العالمية من هجمات انتحارية.
الحقيقة أن عمليات تنظيم "داعش" اليوم لم تعد لتقف عند ما يسمى بتنظيم داعش وإنما تخطته وباتت فكرة أكثر تعقيدا وخطورة عبر خلق فكر شمولي على أساس عقيدة "الجهاد الثوري" أو ما يمكن وصفه بـ"عولمة الجهاد" على كافة الصعد، والدعوة إليه من خلال المفتاح "الشعبي" وفق معتقدات أممية، "لا يكلف الأمر الذي ندعو إليه انتسابا لتنظيم ولا يستدعي سفرا ولا هجرة ولا تغييرا لنظام الحياة"، هو لا يتعدى بحسب أبو محمد المقدسي عن اعتباره مجرد "قرار شخصي"، أو بعبارة أخرى كما ذكر في كتابه "أسلم ثم قاتل" فهو كما أورده: "عهد مع الله على الجهاد والمقاومة وعهد على طاعة أمير السرية وليس تبعية مركزية للأمير".
نص البيعة
وفي تفصيل أكثر دقة لما وصفه بـ"الإرهاب الفردي" فيلخصه نص البيعة التي حددها بالكلمات التالية: "قرار شخصي حازم على أداء الفريضة المتعينة، وعزم أكيد على المساهمة في المقاومة، عهد بينك وبين الله تعالى، ثم بينك وبين من ستعمل معه على الانتساب لدعوة المقاومة، شكل سريتك، وتكون بذلك عضوا في هذه الدعوة، وسرية ضمن سرايا المقاومة العالمية، بادر للعمل فالجهاد فريضة عينية واختر هدفا معاديا يناسب إمكانياتك المادية والعسكرية، تريث وفكر، صمم واستخر الله، ثم أقدم"، عبر ما سمي بـ"مدرسة التطرف الفردي المدني" والذي يقصد به تطرف الخلايا الصغيرة، أو ما تطلق عليه "داعش" اليوم "الذئب المنفرد"، ويعمل وفق سياسة عمل سري لخلايا صغيرة مفككة عن بعضها كليا، تأتي بالتزامن مع عمليات ما يسمى بـ"الجبهات المفتوحة" في كل من سورية والعراق وليبيا.
خصائص عمل سرايا المقاومة الإسلامية العالمية تعتمد سياسة بارزة مفادها: "ليس هناك أي رابط تنظيمي من أي شكل لكافة المنتمين لسرايا المقاومة الإسلامية العالمية إلا الارتباط بـ(منهج الاعتقاد، نظام العمل، الاسم المشترك، الهدف المشترك) مفصلا أكثر "أبو مصعب" بهذا الشأن قائلا: "تعتبر كل سرية مكونة من فرد أو أكثر وحدة مستقلة يرأسها أميرها، ويدير شؤونها نتيجة للعمل العسكري مباشرة ولا تتجه لأي شكل من أشكال التنظيم والدعوة والتحريض وسوى ذلك من أعمال الجماعات السرية، بل تكون نفسها وتختار هدفها وتهاجمه وتبلغ أي وسيلة إعلامية"، أما ما يتعلق بالتسلح لمرحلة "الإنهاك والإرباك "فهي كما وصفه "أسلحة المقاومة الشعبية" وهي أسلحة حرب العصابات المدنية قائلا: "أسلحة بسيطة والتدريب عليها جدا بسيط".
وتعتمد سياسة عمل ما يسمى بـ"السرايا العاملة" أو "السريا الشعبية" على الانضمام السريع والانخراط في القتال فورا والتربية على منهج الدعوة بالمجهود الشخصي الذاتي لكل فرد، فبحسب "أبو مصعب" يجب عدم الانجرار إلى التوسع والتحول إلى بناء سرايا أخرى ومقاومة الشعور الفطري بالرغبة في التوسع خشية التحول إلى هرميات تنظيمية صغيرة وهذا خطير جدا وسيؤدي إلى القبض عليهم بسرعة"، والمقصود بالسرايا الشعبية وفقا لمنظريها، فهي عادة ما تكون من أفراد ومجموعات صغيرة، محدودة الإمكانيات من حيث التمويل أو من حيث مستوى التدريب، وهو كما أكد "أبو مصعب السوري":" غالبية المسلمين الساحقة الذين يستطيعون القيام بأعمال بسيطة محدودة المستوى من الناحية العسكرية إلا أن أهميتهم تأتي في الدرجة الأولى، من كثرتها حال تحول المقاومة إلى ظاهرة وستسبب إزعاجا هائلا إذا تفشت الظاهرة في الجاليات المسلحة المقيمة في الدول المشاركة في الحرب على المسلمين". كل ذلك يأتي وصفا دقيقا لسياسة عمل وفق منظور "تطرف حركي منظم" بمسمى "المقاومة الإسلامية العالمية".
من هو أبو مصعب السوري؟
أبو مصعب السوري هو مصطفى بن عبد القادر الرفاعي. وتعرف عائلته "بست مريم" ولد في مدينة حلب عام 1958 ودرس في كلية الهندسة الميكانيكية في جامعة حلب، التحق أبو مصعب السوري بتنظيم "الطليعة المقاتلة" الذي أسسه مروان حديد في سورية، تخصص في علم هندسة المتفجرات وحرب عصابات المدن والعمليات الخاصة وعمل مدرباً في قواعد الجهاز العسكري لتنظيم الإخوان المسلمين في الأردن وفي معسكراته في بغداد، أثناء معارك حماة عينت قيادة تنظيم الإخوان المسلمين المقيمة في بغداد أبا مصعب عضواً في القيادة العسكرية العليا بإمارة الشيخ سعيد حوى ونائباً للمسؤول عن منطقة شمال غرب سورية، تفرغ بعد ذلك لإحياء "العمل الجهادي" فيما أسماه ببلاد الشام، وقد قادته تلك المحاولات إلى أفغانستان، وتعرف في بيشاور على عبد الله عزام الذي أقنعه بالانضمام إلى تجمع "الإرهابيين العرب" ليضع خبراته العسكرية في تدريب الوافدين الجدد إلى أفغانستان. التحق بتنظيم القاعدة في بداية تأسيسه وقد كان قبل ذلك من المقربين من أسامة بن لادن.
اعتقلته السلطات الأميركية في باكستان في عام 2005م ورحلته إلى سورية وفي مطلع عام 2012م أفرج عنه نظام بشار الأسد، وذكرت تقارير عن تعيين أبو مصعب السوري مؤخرا مسؤولا عسكريا في داعش بعد مقتل أبو عمر الشيشاني في غارات للطائرات الأميركية على مواقع التنظيم في العراق.
أرسل تعليقك