استنكرت 14 دولة من الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، النشاط الاستيطاني الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية المحتلة مؤكدة عدم قانونية الاستيطان، وطالبت إسرائيل بالكف عن التوسع الاستيطاني لما للاستيطان من تداعيات وآثار مدمرة على الفلسطينيين، تتراوح بين مصادرة الأراضي لإقامة الوحدات الاستيطانية والشوارع الالتفافية، والتوزيع غير العادل للمياه والعنف الذي يمارسه المستوطنون ضد المدنيين العزل وإقامة الجدار العازل على أراضي المواطنين الفلسطينيين.
وعُقد اجتماع مجلس الأمن في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك مساء الخميس، بدعوة من كل من إندونيسيا (رئيس مجلس الأمن) وجنوب أفريقيا والكويت، وحضر الاجتماع وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي.
وقالت وزيرة خارجية إندونيسيا، ريتنو مارسودي، التي ترأست الاجتماع: "نرغب اليوم بتوجيه سؤالين مهمين: كيف يمكن وقف التمدد الاستيطاني، وكيف يمكن أعادة الأوضاع على ما كانت عليه قبل حزيران 1967 بعد كل ما تفعله إسرائيل من تغيير للأوضاع على الأرض؟"
وأضافت قائلة: "إن عدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس المحتلة ارتفع من 110 آلاف عام 1993 إلى أكثر من 600 ألف مستوطن عام 2017، وهو ما يعد انتهاكا صارخا للقوانين الدولية ومؤشرا خطيرا على ما تتجه إليه الأوضاع، ويدل على نوايا إسرائيل بترسيخ الاحتلال والضرب بعرض الحائط القوانين الدولية التي تعتبر الاستيطان انتهاكا للقوانين الدولية."
ودعت مارسودي، جميع الدول إلى إدانة الاستيطان غير الشرعي لأنه يهدد حل الدولتين ويمنح الاحتلال الذرائع لممارسة الكثير من السياسات ضد الفلسطينيين، كما أن الاستيطان يساهم في استمرار دوامة العنف.
من جانبه، قال الوزير المالكي: "إن الاستيطان ما هو سوى جزء من سياسات إسرائيل المتواصلة للسيطرة على الأرض الفلسطينية وتهجير السكان واستبدالهم بالمستوطنين.
وأضاف: "إنه في الوقت الذي تواصل إسرائيل بناء الوحدات الاستيطانية الجديدة وتوسيع المستوطنات، فإنها تمنح 1? فقط من رخص البناء للسكان الفلسطينيين الذين يعيشون على 60? من منطقة (ج)، أما في القدس المحتلة فإن الفلسطينيين يُرغمون على العيش على 13? فقط من مساحة المدينة."
وخيّر الوزير المالكي، المجتمع الدولي بين الاستيطان وبين حقوق الشعب الفلسطيني، وقال مخاطبا ممثلي الدول في مجلس الأمن: "هل سيتفوق في نهاية المطاف الاستيطان غير الشرعي على قرارات مجلس الأمن؟ وهل سيظفر الجدار العازل على محكمة العدل الدولية؟"
وأضاف، "أن وضع القرارات ونصها لا يكفي، إذ يجب إنفاذها على أرض الواقع عبر دعم حقوق الفلسطينيين غير القابلة للتصرف، والاعتراف بوجود انتهاكات إسرائيلية ووقف دعم الاستيطان".
وقدمت معظم دول أعضاء مجلس الأمن تصريحات تدين الاستيطان وتعتبره ترسيخا وإطالة لأمد الاحتلال، وذريعة للاستمرار في الاستيلاء على الأراضي وتهجير الفلسطينيين لتغيير الميزان الديمغرافي وعلى وجه الخصوص في القدس المحتلة.
من ناحية أخرى، قدّم المبعوث الأميركي للسلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، المداخلة باسم الولايات المتحدة واتهم فيها مجلس الأمن بعدم الحيادية إزاء إسرائيل وانتهاز الفرصة لانتقادها في حين فشل المجلس في إدانة "حماس" على حدّ تعبيره.
وفيما يتعلق بما يسمى صفقة القرن، قال غرينبلات "إن رؤية السلام التي تعتزم الولايات المتحدة تقديمها تتطلب تنازلات من جميع الأطراف"، وحث الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني على الاطلاع على المبادرة والتي ستقدم تفاصيل وافية عما سيكون السلام عليه، دون تقديم أي معلومات عن تلك الصفقة.
وقال مندوب دولة الكويت "إن اتخاذ إسرائيل القرارات الأحادية هو ما يشكل عائقا أمام تحقيق السلام"، داعيا المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل لتنفيذ قرارات مجلس الأمن، وتطبيق توصيات لجنة التحقيق الدولية التي خلصت الى أن إسرائيل تقوم بانتهاكات صارخة ضد حقوق الإنسان، وتطبيق خيارات توفير الحماية للشعب الفلسطيني وحل الصراع وفق القرارات الدولية.
من جانبها، شددت كل من ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وروسيا والصين على موقفها الراهن إزاء الاستيطان بوصفه غير شرعي ويفاقم أوضاع الفلسطينيين وبسببه تنحسر رؤية حلّ الدولتين عاما بعد الآخر.
ودعت بلجيكا إلى رفع الحصانة عن إسرائيل واحترام الشرعية الدولية، وقدّمت مندوبة بولندا لدى الأمم المتحدة خطابا شديد اللهجة انتقدت فيه الاستيطان، واستنكرت دول أخرى من أعضاء المجلس مثل جمهورية الدومينيكان وغينيا الاستوائية وساحل العاج استمرار الاستيطان داعية إسرائيل إلى الكفّ عن ذلك.
يذكر أن هذه الجلسة غير الرسمية لمجلس الأمن اتسمت باهتمام كبير من السلك الدبلوماسي في الأمم المتحدة، حيث كان الحضور كثيفا كما برز بشكل لافت للنظر الإصرار من قبل جميع الدول في مجلس الأمن والخبراء الذين قدّموا مداخلات قيّمة على التمسك بالإجماع الدولي والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وارتفاع نبرة ووتيرة رفض الموقف الأحادي والمعزول الذي يريد أن يستبدل هذا الإجماع الدولي الذي يدعو إلى إنهاء الاحتلال وتطبيق حل الدولتين وفق المرجعيات الدولية المتعارف عليها. ويمكن للمراقب أن يستخلص بشكل جلي صلابة الصمود الدولي في وجه هذا التحدي الأميركي دفاعا عن الإجماع الدولي.
وأعرب الوزير المالكي وسفير فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور، في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع عن شكرهما لإندونيسيا والكويت وجنوب أفريقيا على تنظيم هذه الجلسة، وبقية أعضاء مجلس الأمن على مواقفهم الصلبة والمستندة على مبادئ حقوق الإنسان والمتمسكة بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال.
كان مجلس الأمن الدولي عقد مساء الخميس، جلسة خاصة بشأن الاستيطان الاسرائيلي في الأرض الفلسطينية، بصيغة "أريا"، وذلك بناء على طلب تقدمت به دولة الكويت، العضو العربي الوحيد بالمجلس، وجنوب إفريقيا وإندونيسيا، والأخيرة تتولي الرئاسة الدورية لأعمال مجلس الأمن لهذا الشهر.
وجلسات المجلس (صيغة أريا) هي عبارة عن اجتماعات ذات طابع غير رسمي ولا يصدر عنها أي قرارات أو بيانات باسم المجلس.
قد يهمك أيضـــــــًا
إدانة واسعة للاستيطان الإسرائيلي في مجلس الأمن
رياض المالكي يُلمّح إلى اقتراض السلطة الفلسطينية مِن "دول مقتدرة"
أرسل تعليقك