عشرات المستوطنين المتطرفون يقتحمون باحات المسجد الأقصى وسط حراسة أمنية مشددة

شددت شرطة الاحتلال الإسرائيلي، الأربعاء، من إجراءاتها عند أبواب المسجد الأقصى المبارك، وفرضت قيودًا على دخول المصلين إلى المسجد، ويأتي ذلك فيما سمحت لعشرات المستوطنين المتطرفين، والطلاب اليهود، باقتحام باحات الأقصى، من جهة باب المغاربة، وسط حراسة مشددة من شرطة الاحتلال الخاصة.

وقال الإعلامي المختص في شؤون القدس والأقصى، محمود أبو عطا، إن 48 مستوطنًا، و48 من طلاب الإرشاد السياحي اليهودي، وستة من عناصر المخابرات، اقتحموا، منذ الصباح، المسجد الأقصى، على مجموعات، ونظموا جولة موسعة ومطولة في أنحاء متفرقة من باحاته، وسط حماية أمنية مشددة.

وأوضح أن هذه الاقتحامات قوبلت بالتصدي لها بهتافات التكبير، من قبل المصلين الذين تواجدوا في ساحات الأقصى، رغم التضييق الإسرائيلي بحقهم. وأضاف أن شرطة الاحتلال، المتمركزة على الأبواب، شددت من إجراءاتها على دخول المصلين للأقصى، واحتجزت جميع البطاقات الشخصية، فيما واصلت منع دخول نساء "القائمة الذهبية". ورغم كل الإجراءات الإسرائيلية، إلا أن هناك عشرات المصلين من أهل القدس، والداخل الفلسطيني المحتل، ينتشرون في ساحات الأقصى، ويتجمعون عند مصاطب العلم، وفي قبة الصخرة المشرفة، وغيرها، من أجل التصدي لاقتحامات المستوطنين، ومحاولات أداء صلوات وطقوس تلمودية في المسجد.

وبَيّن "أبو عطا" أن الاحتلال وضع خطة شاملة، استعدادًا لموسم الأعياد اليهودية المقبل، وذلك بهدف مواجهة أي تصدي لمخططات الاقتحامات الجماعية للمسجد الأقصى المبارك، في ظل الدعوات اليهودية لتنفيذ اقتحامات جماعية، على مدار شهر أكتوبر / تشرين الأول المقبل. وأشار إلى نية الاحتلال لتأمين تلك الاقتحامات الجماعية، ما يشكل انتهاكًا واضحًا لحرمة المسجد الأقصى، ويستدعي تحركًا عاجلاً وجهودًا شعبية واسعة لحمايته وحفظ حرمته. وأوضح "أبو العطا" أن الاحتلال يهدف، في الأيام المقبلة، إلى تكريس استباحة الأقصى جماعيًا، وتفريغه كاملاً من المصلين، وقال: "لذلك ندعو الرجال والنساء والأطفال، وكل من يستطيع الوصول للأقصى، إلى تكثيف التواجد فيه، ورفع الأذى والضرر عنه".
 
ونوه أبن قوات الاحتلال بدأت حملة اعتقالات في مدينة القدس، من أجل تفريغ الأقصى من رواده، وإتاحة المجال أمام المستوطنين لاقتحامه، خلال الشهر المقبل، لافتًا إلى أن سلطات الاحتلال فرضت عقوبات جماعية على المقدسيين، خاصة في أعقاب عملية الطعن، التي وقعت في باب الساهرة، حيث أغلقت العديد من المحلات التجارية في شارع السلطان سليمان، بشكل كامل، وشارع صلاح الدين، بشكل جزئي. وأوضح "أبو عطا" أن الاحتلال يستخدم سياسة جديدة في التعامل مع المقدسيين، حيث أعلن عن إغلاق محلات تجارية في كل منطقة أو شارع في القدس يتم فيه تنفيذ عملية طعن، مبينًا أن هذه السياسة هي جزء من سياسة عامة يتبعها الاحتلال للتصدي لأحداث "انتفاضة القدس".
وفي أعقاب عملية الطعن، التي نفذها المصاب أيمن حسن الكرد، البالغ من العمر 20 عامًا، في منطقة باب الساهرة في القدس، الإثنين، وأدت إلى إصابة شرطيين إسرائيليين، شرعت شرطة الاحتلال في استخدام سياسة العقاب الجماعي، حيث أغلقت عشرات المحال التجارية في شارعي صلاح الدين، والسلطان سليمان، وفرضت غرامات مالية على المحال التي فتحت أبوابها، بعد ساعات من صدور أوامر الإغلاق.
وقال قائد شرطة الاحتلال إنه من غير المعقول أن تسير الحياة بشكل عادي في القدس، كأن أمرًا لم يكن، مدعيًا أن إغلاق المحال التجارية يأتي في إطار الاستعدادات، وتعزيز وجود قوات الشرطة في المنطقة، وأضاف أن هناك فلسطينيين لهم صلة بهذه الأحداث، وشركاء في كل ما يحصل، ولا يعقل أن تستمر الحياة كالمعتاد، كأن شيئًا لم يكن. وأشار "أبو العطا" إلى أنه، في الأيام الأخيرة، لوحظ تركيز منظمات "الهيكل" المزعوم على عقد مراسيم الزواج اليهودي في المسجد الأقصى، حيث تم، الثلاثاء، عقد قران ثلاثة أزواج يهود، وتم نشر صور لهم، مبينًا أن ذلك يندرج تحت محاولات الاحتلال لعقد مراسيم تلمودية داخل المسجد.
وفي سياق متصل، تواصل سلطات الاحتلال منع أعمال الترميم داخل قبة الصخرة المشرفة، حيث تملأ الحمّالات الخشبية والحديدية الجزء الشمالي من القبة، دون أي تقدّم يذكر في عمليات الترميم. وكانت قوات الاحتلال قد اعتقلت، في السابع والثامن من آب / أغسطس الماضي، رئيس لجنة إعمار المسجد الأقصى، بسام الحلاق، وعدة عمال آخرين، وسلمتهم أوامر بالإبعاد عن المسجد، معللة ذلك بعدم تنسيق دائرة الأوقاف الإسلامية مع الاحتلال، و"سلطة الآثار الإسرائيلية"، لأخذ إذن الترميم منهم.
ومن جانبه، نفى مدير المسجد الأقصى، الشيخ عمر الكسواني، ضرورة قيام الأوقاف بأخذ إذن للقيام بأعمال الترميم، مؤكدًا أن هذا شأن خاص بالأوقاف، ولا يحق لأحد التدخل فيه، مشيرًا إلى أن الاحتلال يمنع، منذ سنوات طويلة، عمليات الإعمار والترميم، ويعرقلها بالقوة، عن طريق اعتقال وإبعاد موظفي اللجنة.
 
وتوقع باحث إسرائيلي حدوث ازدياد كبير في عدد المقتحمين من اليهود والجماعات اليهودية للمسجد الأقصى، في مستقبل الأيام، قد يصل إلى المئات أو الآلاف يوميًا، ما قد يتسبب بتدهور شديد، ويؤدي إلى فوضى عارمة. جاء ذلك في معرض استنتاجات لبحث مطول، أجراه البروفيسور يتسحاق رايتر، الباحث في معهد القدس لبحوث السياسات، وأستاذ علوم "أرض إسرائيل" في جامعة "أشكلون"، ضمّنه في كتاب بعنوان "الوضع القائم في المسجد الأقصى"، وأشار إلى تسميته بـ"جبل الهيكل"، وأنه يعني بذلك حدود الأقصى، أو الحرم الشريف، وفق التسمية الإسلامية.

وأشار الكاتب الى أنه، ومنذ العام 2003، يُلاحظ أن الاحتلال الإسرائيلي يُبادر إلى ممارسات يُفهم منها سعيه إلى تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، أو على الأقل خرقه وزعزعته، خاصة فيما يخص اقتحامات اليهود والجماعات اليهودية المتدينة للمسجد. ونوه بأن هذه الاقتحامات ازدادت بشكل كبير وملفت في السنوات الأخيرة، ونظر إليها المسلمون على أنها سعي حثيث من قبل الاحتلال لتغيير الواقع في المسجد، وأدى ذلك إلى وقوع صدامات واسعة مع قوات الاحتلال، خاصة في سنوات 2013 و2015.

ولفت الكاتب إلى أن عدد المنادين والمؤيدين لـ"صعود"، أي اقتحامات، اليهود إلى الأقصى يزداد بشكل حادّ ومتسارع جدًا. وأوضح أن المستقبل يُنبئ بازدياد كبير في أعداد اليهود الذين يطلبون وينوون "الصعود" إلى هناك، قد يصل إلى المئات، وحتى الآلاف، يوميًا، وإذا لم يتم تحديد سقف لعدد الوافدين من كل طرف، فإن الوضع قد يتدهور، ويصل إلى حالة الفوضى العارمة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى.