يشهد المغرب "صحوة عسكرية مُقنّنة" منذ تولي العاهل المغربي الملك محمد السادس حكم البلاد، تمثلت في إبرامه صفقات سلاح ضخمة وغير مسبوقة، كما أنه غيّر وجهته بشكل واضح صوب السوق الأميركية التي تعتبر رائدة في هذا المجال، بعدما كان يقتني أسلحته من فرنسا، وانفتح على أسواق جديدة لشراء الأسلحة كالصين ودبابات من تركيا إلى جانب بعض الأسلحة الروسية.
يأتي كل ذلك في ظل تحديات ضخمة باتت تطفو على السطح الأمني وتتطلب ضرورة القيام بمراجعات لتحديد العدو المفترض للمغرب في المنطقة وتحقيق توازن استراتيجي، خاصة في ظل النزاع القائم حول الصحراء، ومواجهة الهيمنة الجزائرية في منطقتي الصحراء والساحل، وإسبانيا في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
التقارير الدولية الحديثة صارت تُدرج المغرب ضمن أكبر مستوردي السلاح في العالم، خاصة بعد التحاق المغرب بنادي الدول المتوفرة على أقمار اصطناعية ذات الاستعمال العسكري، ليكون بذلك الدولة الإفريقية الثالثة التي تحوز هذه التكنولوجيا بعد مصر وجنوب أفريقيا.
ويرى الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، عبدالرحمان مكاوي، أنه وعلى مستوى العقيدة العسكرية للجيش المغربي، “هناك مراجعات في الاستراتيجية العامة، حيث أصبح هناك تركيز على كيفية مواجهة محاولات الهيمنة الجزائرية، خاصة في منطقة الساحل والصحراء؛ وأيضا في منطقة البحر الأبيض المتوسّط، حيث توجد إسبانيا المحتلة لمدينتي سبتة ومليلية، وحيث يتحالف اليمين مع اليسار، في السعي إلى مغرب ضعيف وغارق في رمال الصحراء. وعلى هذا المستوى وقعت مراجعات من حيث تحديد الأعداء المفترضين وتحقيق التوازن الاستراتيجي، فأصبح الجيش المغربي من الجيوش التي يُضرب لها حساب في المنطقة”.
ميزانية ضخمة للتسليح
وبات المغرب يمتلك أنواع جد متطورة من الأسلحة البرية والجوية والبحرية، وبالنظر إلى أن المغرب بلد غير متقدم في مجال الصناعات العسكرية، فإنه يلجأ إلى استيراد كل حاجياته من الأسلحة، حيث كشف تقرير استثنائي أصدرته وكالة Strategic Defence Intelligence، ومقرها لندن، أعدته حول الجيش والتسلح في المغرب قبل سنتين، أن المغرب يعمل على استيراد أسلحة وذخيرة من النوع المتطوّر، “من قبيل الطائرات المقاتلة والسفن الحربية والصواريخ والدبابات والفرقاطات، بهدف تقوية قدراته العسكرية”.
الوثيقة التي تُعتبر مرجعًا لكبار مصنّعي وتجار الأسلحة في العالم، قالت إن سوق التسلح المغربي في منحى تصاعدي، رغم الانخفاض الذي سجلته السنوات الأربع الماضية في قيمة النفقات السنوية، والتي تراجعت من 3.8 مليار دولار سنة 2013 إلى 3.5 مليار دولار في 2017. وقال التقرير إنه يعود إلى ارتفاع في قيمة الدرهم في مقابل الدولار، وليس لتراجع المخصصات المغربية الموجهة للتسلح.
وكشف التقرير أن المقتنيات المغربية المستقبلية من الأسلحة، تتمثل، أساسا، في مزيد من الطائرات المقاتلة والمروحيات والغواصات وأنظمة رادار وسفن حربية…ويوضح هذا التقرير أن المغرب يخصص قرابة 3 في المائة من ناتجه الداخلي الإجمالي، لتغطية النفقات العسكرية. نسبة تكاد لا تخصصها أي من الدول المتقدمة والديمقراطية لجيوشها، رغم مصالحها الكبيرة وتحدياتها الخطيرة.
الانفتاح على السوق الأميركي
لفت المغرب الأنظار خلال السنوات القليلة الماضية، عندما أبرمت المملكة صفقات ضخمة مع الولايات المتحدة الأميركية، حصلت بموجبها على طائرات "إف 16" ودبابات وصواريخ وراجمات للصواريخ وأنظمة دفاعية حديثة، بعد فشل صفقة اقتناء طائرات “رافال” الفرنسية.
كما قامت المملكة بتجديد ترسانتها من الأسلحة وتعزيز قدراتها البرية من خلال صفقة للحصول على شحنة كبيرة من صواريخ أمريكية شديدة الفعالية في مواجهة المدرعات العسكرية.
كما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن موافقتها على صفقة بقيمة تتجاوز المائة مليون دولار، يحصل بموجبها المغرب على 1200 صاروخ من نوع “تاو2ا”، بعدما كانت صفقة أبرمت في نهاية العام السابق، تتعلّق بشحنة أولى بـ600 صاروخ من النوع نفسه، وهي صواريخ أمريكية جد متطورة سطع نجمها في الفترة الأخيرة واعتبرها جلّ الخبراء العسكريين صاحبة الدور الحاسم في العمليات التي خاضها مقاتلون معارضون، أكراد على وجه الخصوص، في معاركهم في سورية. القيمة التقريبية لتلك الصفقة، هي 108 ملايين دولار، وتهمّ إلى جانب الصواريخ التي يمكن حملها واستخدامها يدويا، تجهيزات تقنية أخرى تتلاءم مع هذا النوع من السلاح الذي أثبت فعاليته في مواجهة المدرعات والدبابات العسكرية.
تعزيز القدرات العسكرية البرية شمل توصّل المغرب السنة الماضية بحوالي 127 دبابة أمريكية متطورة، من طراز “أبرامز”، وهي أكبر دفعة تتوصل بها المملكة خلال السنوات الأخيرة، في إطار صفقة موقعة مع الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2012 بقيمة تناهز 10 ملايير درهم. هذه الدبابات التي تنتمي للجيل الثالث، ما جعلها تثير قلق جيران المملكة.
بموجب هذه الصفقة سيتوصل الجيش بـ220 دبابة “أبرامز”، حسب الوثيقة المنشورة بالموقع الرسمي لوزارة الدفاع الأمريكية.
هذه الدبابات مزودة بتقنيات عسكرية متطورة، صالحة للمناطق ذات الجغرافية القاسية، كالصحراء المغربية.
وتسلم المغرب سابقا الدفعة الأولى من دبابات “أبرامز” تتكون من 22 دبابة، ثم دفعة ثانية في حدود 20 دبابة، أما الدفعة الأخيرة، فتتكون من 127 دبابة، فيما يُرتقب أن يبرم المغرب بالولايات المتحدة الأمريكية صفقة جديدة، بموجبها سيحصل المغرب على 162 دبابة إضافية من الطراز نفسه، ليصبح بذلك عدد مدرعات “أبرامز” في حظيرته، في حدود 384 دبابة.
اقرأ ايضاً :
ملك المغرب محمد السادس يدعو الجزائر إلى حوار "مباشر وصريح"
وتوصل المغرب بـ 42 دبابة أمريكية من طراز "أبرامز" شهر مايو المنصرم، في إطار الصفقة العسكرية الموقعة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، ليتعزز الأسطول العسكري للمغرب، الذي بات يمتلك أزيد من 400 دبابة من هذا الطراز.
وعقد المغرب شهر أغسطس/آب الماضي صفقة عسكرية جديدة مع شركة أميركية، حصل بموجبها على أسلحة جد متطورة خاصة بفرق البحرية وأخرى جوية. واتفق المفتش العام للقوات المسلحة الملكية، الجنرال عبد الفتاح الوراق، مع مسؤولين من وزارة الدفاع الأميركية، على استفادة المغرب من أسلحة حديثة من آخر طراز، ستصل عبر دفعات إلى غاية سنة 2021. وسيحصل المغرب على صواريخ جد متطورة وأسلحة ثقيلة وقطع غيار وعناصر أخرى مرتبطة بنظام الصواريخ والرؤية الليلية، فضلا عن أسلحة بحرية، من بينها غواصات وفرقاطة جديدة وصواريخ بحرية.
وأعطت وزارة الدفاع الأميركية موافقتها على صفقة تزويد المغرب بأحدث أنظمة الاتصالات العسكرية اللاسلكية، التي تستخدم في المنصات البحرية والبرية والجوية، والتي تُستخدم خاصة في الطائرات الحربية والسفن.
وسيحصل المغرب في يونيو من عام 2020، بموجب هذا الاتفاق الجديد، على نظام راديو لتوزيع المعلومات متعدد الوظائف، يشتغل بأنظمة الراديو المشتركة.
ويعمل هذا النظام (MIDS-JTRS) بالبرمجة، وهو عبارة عن نظام راديو تكتيكي مشترك، تشتغل به وزارة الدفاع الأميركية، ويتم استعماله في التواصل العسكري بكل من المنصات الأرضية والبحرية والجوية، ويتكون من أربع قنوات، يوفر ميزات خاصة للتواصل وتبادل المعلومات، كما يقوم بمعالجتها وإعادة توجيهها ويستخدم للمواقع البحرية والناقلات والطائرات والأجنحة الدوارة وغيرها.
ويعد هذا البرنامج من أشهر برامج تطوير أجهزة الراديو القادرة على استخدام اتصالات مشتركة عبر القوات المسلحة وداخل أقسامها، حيث يتميز بخاصية توحيد الاتصالات الميدانية ما يمنح مستخدميه صورة أوضح للميدان بشكل جد متطور، وهو يتضمن أنظمة مختلفة تحرص على تأمين اتصالات بين مختلف المنصات بشكل سهل.
وكشفت وكالة الأمن والتعاون الأميركية قبل أيام قليلة أن المغرب سيقتني 25 طائرة من نوع "إف 16" من طراز "دي بلوك 72"، في صفقة بقيمة مالية تصل إلى أكثر من 3 مليارات دولار. وبحسب المعطيات التي نشرتها الوكالة الأمريكية، فإن تكلفة العقد تصل إلى 3.787 مليارات دولار، كما سيحصل المغرب أيضا بموجب هذه الصفقة على تحديث 23 طائرة حالية من طراز "إف 16"، التي يتوفر عليها الجيش المغربي، بقيمة مالية تصل إلى 985.2 مليون دولار.
وتبلغ القيمة الإجمالية لهذه الصفقة أكثر من 4772 مليار دولار لتحطن بذلك رقم صفقة شراء 24 طائرة من طراز "إف 16" سنة 2007، والتي كلّفت آنذاك 2.4 مليار دولار. وكشف المنتدى المغربي للقوات المسلحة أن عملية تطوير طائرات "إف 16"، التي يتوفر عليها المغرب، ستتم محليا، فيما سيعوض الأسطول الجديد من "إف 16" طائرات "ميراج إف 1".
كما سيتم تعميم الخوذات القتالية على كل طياري "إف 16"، حيث ستتيح للطيارين إمكانية تصويب أسلحتهم نحو الهدف بحركات رؤوسهم فقط، وتمكنهم من مراقبة محيطهم والحصول على معلومات من أجهزة الرصد في الوقت نفسه. وسيحصل المغرب كذلك على قنابل ذكية ستشكل قفزة مهمة في ترسانة القنابل الذكية التي يمتلكها سلاح الجو الملكي، سواء على مستوى الدقة أو الفعالية أو المدى.
الصفقات الأخيرة التي أبرمها المغرب في مجال الصواريخ، شملت أنظمة قنابل “ذكية” سيتسلّم المغرب أنظمة توجيهها في أجل أقصاه العام 2021، حيث يمكن إطلاق الصواريخ عبرها على مسافة تصل إلى 24 كيلومترا عن الهدف، وتتّسم بدقّتها البالغة في إصابة الأهداف ومزاوجتها بين استعمال الليزر كتقنية في التوجيه، والتكنولوجيا الحديثة لـ”جي بي إس” عندما تكون أحوال الطقس مضطربة. وتعتبر هذه الذخيرة “الذكية” قابلة للاستعمال بواسطة العتاد الجوي والبحري الذي يتوفّر عليه الجيش المغربي، خاصة منه طائرات “إف 16” الأمريكية الشهيرة.
صفقات فرنسية لازالت مستمرة
معطى اقتناء المغرب لقمر اصطناعي للاستخدام العسكري، ظهر رسميا في تقرير معهد ستوكهولم للسلام مستهل 2017، قبل الإعلان رسميا عن الأمر، مؤكدا تسريبات سابقة كانت قد نشرتها صحف فرنسية، وتحدّثت عن إبرام الصفقة عام 2013، بقيمة تناهز 500 مليون أورو. وتوضح بعض المصادر الفرنسية أن الأمر يتعلّق بقمرين اثنين يمكن استخدامهما معا في الحصول على صور ومعطيات دقيقة وموثوقة في مجال التجسس العسكري، إلى جانب استعمالات أخرى في مجال الخرائط والبيئة… فدخول التقنيات التكنولوجية والفضائية المتطورة مجال المبادلات التجارية الدولية في مجال التسلح، انطلق، حسب تقرير معهد “ستوكهولم” في العام 2005، حين حصلت تايوان على قمر اصطناعي عسكري من فرنسا، تلاها حصول مصر وجنوب أفريقيا على قمر اصطناعي روسي لكل منهما في 2014، ثم قمر اصطناعي فرنسي لصالح تركيا، وآخر إيطالي لصالح البيرو في العام 2016.
إلى جانب سلاحي الجو والبر، دخل المغرب، أيضا، في عملية تطوير استثنائي لقواته البحرية. ففي يناير 2012، نجحت الفرق التقنية والعسكرية الفرنسية المتخصصة، في التجارب الأولى لتجهيز الفرقاطة العملاقة المسماة “محمد السادس”، بصواريخ متطورة قادرة على بلوغ أهداف على بعد مئات الكيلومترات، بما فيها الأهداف تحت البحرية، أي الغواصات. وأعلنت حينها مصادر من الشركة الفرنسية لبناء المعدات العسكرية البحرية DCNS، أن تلك الفترة عرفت إنجاز تجارب ناجحة على الأنظمة القتالية للسفينة الجديدة، وعلى رأسها شحنها بالصواريخ التي ستمثل السلاح الأساسي للفرقاطة الجديدة عند دخولها الخدمة، وهي الصواريخ التي ستمكن الفرقاطة التي تعتبر آخر طراز أوروبي، من القضاء على أهدافها العسكرية على بعد مئات الكيلومترات.
الفرقاطة التي تسلّمها المغرب، خضعت على مدى أسابيع لاختبارات لأنظمة قيادتها الجديدة، وأجهزتها التقنية في التوجيه والتحرك داخل المياه. وشملت تلك التجارب نحو 200 شخص من الأطقم التقنية، لاختبار قدرتها على العمل على متن هذه الفرقاطة ذات الخصائص الجديدة وغير المألوفة، سواء منها العسكرية أو التقنية. ويبلغ طول الفرقاطة نحو 142 مترا، وتعتبر قادرة على حمل ما يقدّر بـ6000 طن، من ضمنها أصناف عدة من الصواريخ ذات المهام المختلفة.
قد يهمك أيضاً :
موسكو تؤكد مبيعات الأسلحة لن تقل عن 13 مليار دولار
"نداء القدس" الذي وقعه العاهل المغربي وبابا الفاتيكان رد قوي على محاولات استهداف المدينة
أرسل تعليقك