أعلن عدد من كبار القادة والمسؤولين الأمنيين العراقيين إن القوات الأميركية بدأت فعلياً في تحويل موقعي عين الأسد غرب الأنبار والقيارة جنوب نينوى، إلى قاعدتين عسكريتين كبيرتين، فيما تبحث مع مسؤولي إقليم كردستان فكرة تحويل مطار أربيل إلى قاعدة عسكرية، أو إنشاء قاعدة بديلة في منطقة ربيعة الحدودية مع سورية، وهو ما يؤكد بقاء القوات الأميركية لفترة طويلة في العراق وعدم الانسحاب قريباً. وقال مسؤول عراقي إن الولايات المتحدة تبحث عن قاعدة جوية كبيرة في المنطقة لتكون بديلة عن قاعدة إنجرليك في تركيا، مضيفاً أن إغلاق القاعدة التركية خلال المحاولة الانقلابية، دفع الأميركيين إلى البحث عن بديل لها.
ونقلت مصادر أمنية عن مراقبين اعتقادهم بأن الولايات المتحدة تحاول الآن تحقيق "عودة عسكرية هادئة" إلى العراق، بعد سحب جل قواتها منه في 2011، لموازنة الوجود العسكري الروسي الذي يتنامى في سورية المجاورة. وفي الشأن ذاته كشفت مصادر عسكرية، عن تمركز قوات أميركية في أربعة من الأحياء الشرقية لمدينة الموصل العراقية، إلى تلك الأحياء مع مراقبة جوية على مدار الساعة، مع بداية تنفيذ الفرقة الذهبية لخطة أميركية جديدة، فيما تتوقف عمليات عسكرية لتحرير مناطق غرب الانبار للمرة الثانية خلال ثلاثة اشهر من دون ان تصدر قيادة العمليات المشتركة العراقية موقفاً رسمياً بشأنها.
وقال ضابط من إحدى وحدات الجيش العراقي في الموصل، إن "الأحياء التي أقامت فيها "القوات الأميركية قواعدها الأربع"، التي وصفها بـ"الثابتة"، هي "كوكجلي والقدس وصدام والزهور". وأوضح أن "القوات الأميركية اتخذت عددا من إجراءات الحماية منها تسيير طائرات استطلاع ليلا ونهارا لمراقبة مناطق وجود القوات الأميركية في تلك الأحياء ومتابعة أي تحركات في محيطها، تحسباً لهجمات قد يشنها انتحاريو تنظيم الدولة على مقرات الأميركيين"، على حد قوله.
وحول تقدُّم القوات العراقية في الأسبوع الأخير بشكل كبير قياساً للأسابيع الماضية، قال المصدر إن "الأمريكيين رسموا خطة جديدة لقتال تنظيم "داعش" تختلف عن الخطط السابقة، وقد أوكل تنفيذها إلى الفرقة الذهبية بالتنسيق مع جنود أمريكيين من القوات الأميركية الخاصة وبقيادة ضباط أميركيين يشرفون ميدانياً على سير المعارك". وتقضي الخطة الجديدة بـ"عدم تقطيع عدة أحياء مجتمعة، وتقطيع حي واحد وعزله تماما، ومن ثم السيطرة عليه قبل الانتقال إلى الحي الآخر في الخطة ذاتها"، وفق المصدر الذي كشف أن القوات العراقية "عزلت حي السلام وحي دوميز شرق الموصل وحاصرتهما بالكامل مع وجود أعداد غير معروفة من مقاتلي التنظيم ما زالوا يشتبكون مع القوات المهاجمة دفاعا عن الحيين الاثنين اللذين تسيطر القوات العراقية على أجزاء منهما".
الهدف من الخطة الجديدة هو "الوصول إلى الضفة اليسرى لنهر دجلة عند رأس الجسر الرابع"، حسب ما قال الضابط في الجيش العراقي. وفي محافظة الانبار توقفت العمليات العسكرية لتحرير مناطق غرب الانبار للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر من دون أن تصدر قيادة العمليات المشتركة العراقية موقفاً رسمياً بشأنها، وتتزامن انطلاق عمليات غرب الأنبار مع إعفاء قائد عمليات الأنبار، إسماعيل المحلاوي، التي تربطها بعض المصادر، لـ"رفضه تنفيذ أوامر عسكرية تتعلق بالعمليات". وتحيط عمليات غرب الأنبار، التي بدأت لأول مرة في تشرين الأول/أكتوبر 2016 المنصرم، حالة من "الغموض وتضارب" المعلومات.
ففي حين أوقف الجانب الأميركي الحملة الأولى لتحرير غرب الأنبار، التي أعلن عنها رئيس مجلس الوزراء، حيدر العبادي، بالتزامن مع انطلاق عمليات الموصل، نجد أنه عاد ودعم انطلاق العمليات للمرة الثانية مطلع كانون الثاني/يناير 2017 الجاري. وبدا التباين واضحاً بين الموقفين العراقي والأميركي، فقد وجهت القيادة العراقية، التي غابت عن تفاصيل الحملة الثانية، بتجميد عمليات تحرير غرب الأنبار بسبب الانشغال بتحرير الموصل. لكنّ القوات الأميركية تواصل جهودها لتسليح عشائر غرب الأنبار بآليات عسكرية وأسلحة ثقيلة لاستئناف عمليات تحرير مناطقها. وفي كلتا الحملتين لم يتم تحرير سوى عدد محدود من القرى الصغيرة، تركها مسلحو "داعش" من دون قتال حقيقي.
لكنّ أطرافاً في الأنبار أكدت أن عمليات غربي المحافظة، كانت "محدودة" بهدف تأمين بعض البلدات المحررة، ومشاغلة "داعش" في الموصل، من دون أن تستبعد تلك الأطراف المحلية، أن يكون "نقص" القطعات وراء توقف العمليات. وقدّر عدد القوات المشاركة في العملية العسكرية الأخيرة، التي أوقفت بعد أقل من اسبوع من انطلاقها، بنحو ثلاثة آلاف مقاتل، بينهم مئات من أبناء العشائر.
ويؤكد القيادي في الحشد العشائري، مشترطاً عدم كشف اسمه، أن "الجانب العراقي هو من جمّد العمليات هذه المرة"، مبيناً أن رئيس أركان الجيش، الفريق عثمان الغانمي، "أبلغ العشائر أنّ العمليات لن تنطلق قبل تحرير الموصل". ويتواجد آلاف من الجنود الأميركيين منذ أكثر من عام في قاعدة الأسد العسكرية، غرب الرمادي، كما شاركت مدفعية القوات الأميركية إلى جانب طيران التحالف الدولي، بتوجيه ضربات لمواقع تنظيم "داعش"، غربي الأنبار.
لكنّ المعطيات الميدانية، في وقت انطلاق المعركة، لم تكن تشير إلى وجود عملية عسكرية "حاسمة" لملاحقة بقايا جيوب التنظيم في الأنبار. وثارت آنذاك بعض الشكوك بأن العمليات قد تتوقف من جديد، لاسيما أن العملية ذاتها كانت قد توقفت قبل أربعة أيام من انطلاقها مجدداً، ولوحظ أيضاً عدم إعلان رئيس مجلس الوزراء، حيدر العبادي، عن انطلاق العمليات، كما جرت العادة. وخلال الحملة العسكرية الأولى، نهاية تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم، تحدثت أطراف في الأنبار عن تدخل أميركي أدى إلى إيقاف تقدم قطعات الجيش العراقي نحو عانة وراوة بعد ثمانية أيام من إعلان بدء المعركة، عازية ذلك لـ"منع التأثير على عملية تحرير الموصل".
ويؤكد القيادي في الحشد العشائري، القريب من العمليات في غرب الأنبار، أن الأميركيين "لم يؤيّدوا إيقاف العمليات الاخيرة نظراً لحجم الدعم الذي قدموه". ومؤخراً شوهدت القوات الأميركية خارج قاعدة الأسد، إذ تواجدت في مناطق التماس، وقامت بالتقاط اتصالات "داعش".وعلى النقيض من الموقف العراقي القاضي بتجميد عمليات غرب الأنبار، كشف الزعيم العشائري، عن خطة أميركية لتسليح عشائر راوة وعنة، والقائم، لافتاً إلى أن القوات الأميركية تعتزم توزيع 400 سيارة (بيك آب تويوتا) بالإضافة إلى 150 أُحادية على مقاتلي عشائر المناطق المحتلة.
وأدى قرار قائد عسكري رفيع إلى تغيير محور انطلاق العمليات الأخيرة إلى منطقة الخسفة، القريبة من حديثة باتجاه راوة، بعد أن كان مقرراً لها الانطلاق من محوري حديثة والرطبة، مروراً بمنطقة عكاشات. وأوضح القيادي في الحشد العشائري، أن "اللواء الركن إسماعيل المحلاوي قائد عمليات الأنبار، اعتذر عن تحريك قطعاته ، لذا تم إعفاؤه من منصبه"، مشيراً إلى أن "المحلاوي تعذر بانشغال قطعاته بتأمين جزيرة هيت، وأنه لا يستطيع المغامرة بتحريكها".
وكشف القيادي في الحشد العشائري، عن "نجاح العملية الأخيرة بإبعاد خطر الصواريخ عن مركز قضاء حديثة الذي كان يتعرض للقصف انطلاقاً من قرية الزوية"، ويرجح "قرب إعادة تشغيل شبكة الاتصالات في مناطق غرب الأنبار للحصول على معلومات من المصادر المحلية". وفي السياق ذاته، يقول النائب عن الأنبار وعضو لجنة الأمن النيابية، محمد الكربولي، إن "عملية غرب الأنبار الأخيرة كانت لإشغال المسلحين في الموصل". ويضيف الكربولي، أن "انطلاق العمليات وتوقفها مدروس من قبل القيادة العسكرية"، ويكشف عن "طلب تقدمت به لجنة الأمن النيابية، خلال اجتماعها الأخير مع العبادي، لفتح جبهة في الحويجة لتشتيت المسلحين في الموصل".
ويتوقع عضو لجنة الأمن، أن "تستأنف معارك غرب الأنبار بعد تحرير الساحل الأيسر في الموصل بالكامل". إلى ذلك نفت اللجنة الأمنية في مجلس محافظة الأنبار، علمها بالأسباب الحقيقية لتوقف معركة غرب الأنبار أكثر من مرة. ورجح رئيس اللجنة، راجع بركات العيساوي، أن "يكون نقص القطعات العسكرية وراء تجميد المعارك"، ويتوقع أن "يتم تأجيل استئناف معارك غرب الأنبار لحين تحرير كل الموصل وليس ساحلها الأيسر فقط".
أرسل تعليقك